الإثنين 2023/03/27

آخر تحديث: 07:49 (بيروت)

الصوم كخطر على السلم الأهلي

الإثنين 2023/03/27
الصوم كخطر على السلم الأهلي
increase حجم الخط decrease

في الأصل، الصوم عبادة، والعبادة فرائض، لا تجيز للمكلف ان يطلب عفواً، أو تخفيفاً، أو تسهيلاً، أو تحويراً في أداء الفريضة، التي لا تبيح أبداً التهرب من موجباتها وأهمها حرمان النفس من الشهوات، وتحريرها من الغرائز، وصولا الى التراحم، والتكافل، والتعاطف، والتضامن الاجتماعي..وبغير ذلك يصير الصيام طقساً فولكلورياً يسمح للصائم بأن يطلب ويحصل على ساعة نوم إضافية في اليوم، حتى ولو كانت أشبه بجِزية.

في الأساس، ما كانت حجة طلب ساعة النوم مقنعة. القول انها تشيع الراحة النفسية والمعنوية لدى الصائمين، مردود وباطل، وهو يمثل إحتيالاً علنياً على الصوم، كما أنه لا يفيد في تحديد دور ساعات اليد، أو منبّهات الهاتف.. ولا طبعا في تحديث العلاقة مع رمضان بشكل يليق بالدين نفسه، ويحترم المجتمع الذي يضم أتباع ديانات أخرى، ومذاهب وفلسفات أقلها ما يمكن ان ينسب الى اللادينيين!

أما في السياسة، فإن منح الصائمين ساعة نوم اضافية، وفي غفلة من الزمن، يبدو هامشياً بالمقارنة مع ما كشفه قرار كبير المسؤولين المسلمين في الدولة اللبنانية، عن فقدان الصلة بتلك الدولة، وبالمسؤولية التي يفترض أن يتحملها ذلك المسؤول تجاه أبسط قوانين العيش وحساب الزمن في البلد، فضلاً عن دوره في حفظ صلات البلد وروابطه الطبيعية مع العالم الخارجي، حتى لا يتحول الى جزيرة موبوءة ومعزولة عن بقية سكان الكوكب.. ثمة مسؤولية إضافية مفترضة،  إزاء مجتمعٍ مركبٍ على أكوام من العيوب والنواقص والعلل التي ليس لها علاج، لإرضاء شريحة صغيرة من الصائمين، الذين يمكن أن يباح لهم أصلاً، نوم الشهر بكامله، بأيامه ولياليه،والاستيقاظ صبيحة العيد، بدل ارتكاب تلك الخطيئة السياسية.

لكن، ربّ ضارة نافعة. فراغ سدة المسؤولية في هذه الحالة، لا يكفي وحده باحالة  القرار بسهولة الى العقل الطائفي الراسخ، أو بالاحرى الى شبهة التربص والانقضاض الاسلامي المتواصل على حقوق المسيحيين ومصالحهم ومواقعهم، والتي تسبب الخوف المفهوم من ضياعها، بهذيان الدعوة المتجددة الى الفيدرالية، بوصفها إنذاراً أخيراً للمسلمين قبل الوصول الى التقسيم، على ما بات يلمح فدراليو اليوم، الذين ينسون ان الحرب الاهلية لم تكن سوى ذروةٍ فيدراليةٍ دمويةٍ، عاشتها مختلف الطوائف والمذاهب والاحزاب بأسلوب همجي مشين.

ما أطلقه قرار منح الصائمين ساعة نوم إضافية، مخالِفة للدين والعقل والمنطق والواقع،  من سجال طائفي محموم في البيئات المسيحية، لم يحترم الذاكرة، ولم يقدر ان الغالبية الساحقة من "أهل الغربية" هي في مكان بعيد جداً عن أصحاب هذا القرار ، قد يكون سجالاً مطلوباً ومفيداً جداً في إعادة التنقيب عن الوعي الوطني الذي ظل طوال سنوات ما بعد الحرب الاهلية، مهملاً ، لا سيما في المرحلة الراهنة التي يستدعي فيها البلد، المهدد بالزوال من الوجود ، البحث في إعادة تشكيل دولته ومجتمعه من نقطة الصفر ، وتحديد هويته ووظيفته، مجدداً، بناء على تقدير دقيق لأصوله وودائعه وتطلعاته الاجتماعية والسياسية بطريقة عاقلة، هادئة، تتخطى وهم الاستقرار  المحكوم  بثلاثة رؤساء أفاضل، ما زال البحث عنهم مستمراً منذ الاستقلال وحتى اليوم، بلا جدوى.. لا سيما منهم الرئيس الأول الذي لطالما كان العثور عليه مهمة شاقة.

لكن، فكرة اعادة التأسيس الوطني، كانت خيالية، وهي الآن خرافية.. ربما المطلوب الآن، وبعد حل عقدة العيش في زمن مشترك، وتوقيت موحد للبنانيين جميعاً، هو  تفسير تلك العبارة المدمّرة التي أطلقها صندوق النقد الدولي عندما حذر قبل أيام من ان استمرار الوضع الراهن في لبنان من دون معالجة جدية، "ينذر بأزمة لا تنتهي أبداً".. ما هو المقصود بذلك الحكم المؤبد الصادر عن أهم هيئة مالية عالمية؟ هل هي رؤية جديدة، أم لعنة أخيرة، لن يفكها صوم ولا صلاة؟               

           

     

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها