الأحد 2023/03/26

آخر تحديث: 15:59 (بيروت)

الساعة التي ضاقت بعين المسيحيين

الأحد 2023/03/26
الساعة التي ضاقت بعين المسيحيين
ساعة ساحة النجمة المعطلة (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
وهي، في آخر النهار، وبحسب التوقيتين اللبنانيين، المسلم والمسيحي، حفلة تفاهة تامة.
هل فعلاً وقع هذا الانشقاق المصيري الذي سيدونه التاريخ عن اللبنانيين أنهم قسموا البلد إلى توقيتين لا لسبب جغرافي، مثل أن البلد مترامي الأطراف، يمتد على أكثر من وقت، بل لأسباب طائفية؟ 

كيف نشرحها هذه لبقية أصدقائنا في الكوكب؟ حسناً: بينما كان رئيس مجلس النواب الشيعي جالساً مع رئيس حكومة تصريف الأعمال السني، بغياب رئيس الجمهورية الماروني، لأن الجمهورية عاجزة عن انتخاب رئيس، طلب الشيعي من السني أن يؤجل اعتماد التوقيت الصيفي، المقرر في 24 آذار، شهراً واحداً. هكذا يقترب آذان الإفطار ساعة، ليس لأن الشمس ستغيب قبل موعدها، بل لأن دورة الحياة اليومية تدور بحسب عقارب الساعة، والشمس بدلاً من أن تغيب في الثامنة بحسب التوقيت الصيفي، ستغيب في السابعة، وهذا وقت أقصر نفسياً.

وافق رئيس مجلس الوزراء السني على اقتراح رئيس النواب الشيعي وأصدر فرماناً يؤجل تقديم الساعة، ضارباً بعرض الحائط أن العالم لا يدور بحسب الساعة (نفترضها غالية الثمن) التي في يده، وأن تأجيل تغيير الوقت لا يرتبط حتماً بجلسة سمر مع الرئيس نبيه بري. هناك أجسام هائلة الحجم  تطير في الهواء الطلق من طرف  الكرة الأرضية إلى طرفها ضمن نظام ملاحة شديد التعقيد لا يمكن المزاح معه، لا لمسايرة الأستاذ الكريم ولا لخطف قلوب الصائمين من طرابلس إلى بنت جبيل. والصيام في الأصل امتحان في الصبر، والكوكب، تقنياً، لا يدور بحسب الماورائيات، ولبنان، بحسب آخر الدراسات، ما زال موجوداً على الخريطة العالمية بصفته بلداً، يخضع، في ما يخضع، لمجموعة من المعايير الدولية، التوقيت واحد منها، وليس سهلاً اللعب بهذه المعايير، برغم ما علمناه وخبرناه من انهيار تام. ما زال بلداً. 

اتفق مسلمان، يمثلان، نظرياً، ثلثي الشعب اللبناني، على حيلة شرعية يفحمون بها السماء التي ليس لها إلا أن تقبل، ما دام الخيطان الأسود والأبيض هما نفسهما، بغض النظر عن الوقت الوضعي الذي فرضته الحياة الدنيا، هذه الجيفة اللعينة التي لا مفر من تعامل السماء معها لتسيير أمورها.

مجرّد ساعة تخفف على المسلمين صومهم الطويل. لكن الاتفاق جرى بين مسلميَن، وبخفة نادراً ما نراها علناً، مع أنها على الأرجح الطريقة الوحيدة التي يدار بها البلد، والدليل الأبسط  أن الدولار قفز فوق المئة ألف ليرة، ولم تسجل الكاميرا ولو قلقاً بسيطاً عند الرئيسين يستحق نقاشاً علنياً أمام اللبنانيين، من نوع سؤال: ماذا أنت فاعل يا زيد في هذا الأمر الجلل، وجواب: تالله لا أعلم يا عمرو..

لا. المعضلة اللبنانية الكبرى الآن تقع في تأجيل تقديم الساعة ساعة. لماذا ضاقت هذه الساعة بعين المسيحيين؟ السؤال الصحيح هو لماذا لا تضيق بعينهم؟ ليس أن المسلمين كرم على درب مثلاً، كي يلاقيهم أخوانهم في الوطن في منتصف الطريق ويقولون لهم خذوا هذه الساعة بكل طيبة خاطر. خذوا حتى ترضوا. في هذه الأيام، لا وجود لمسيحي على رأس الدولة، كي يكون شريك المسلمين في مثل هذا القرار الأسطوري. لو أنهم مددوا لميشال عون، لا سمح الله، لأخذ التأجيل على عاتقه، من دون أن يرمش له جفن، كما عودّنا. لكان باعها لشركائه في الوطن.

ماذا كان سيخسر؟ ساعة من وقته الثمين في بعبدا يرضي بها صائمي الجناح الثاني من الطائر سيفعلها ويحسبها إنجازاً. لكنه تقاعد وكرسيه خالٍ. ووريثه، التاجر الممتاز، كان أول من تلقف هذا القرار بوصفه فرصة ليذهب عميقاً في جعله تهديداً وجودياً لمسيحيي الشرق، ويقرر "عصياناً" لحقته كل القوى فيه، من بكركي إلى القوات والكتائب.. إلى الإعلام المحسوب على المسيحيين. 

حقاً؟ تُستنفر القضية المسيحية من أجل تأجيل مؤقت يستمر شهراً؟ يُفترض بالمعارك، حتى قياساً إلى التسطح اللبناني العام، أن تكون أكبر من ذلك. أكبر من ادعاء البطولة في إعلان تقسيم لبنان بناء على فارق ساعة. إذا كان لا بد من تقسيمه، فليكن هذا التقسيم على بحر من الخراب والدماء والمآسي، أو على أقل تقدير بعد لقاء جماعي في مدينة أوروبية ما، يُتفق خلاله على فض هذا الزواج بالإكراه، المستدام منذ أكثر من مئة سنة، وليس بردة فعل مبالغ فيها سرعان ما تحولت إلى نكتة يُبنى عليها ضحك كثير بين لبنانيين يتفرجون عن بعد على هذه المهزلة الغرائبية غير المسبوقة على الأرجح، ويعجزون عن منع أنفسهم من السخرية على ما آل إليه البلد.

كان على "القوى" المسيحية أن تعي أكثر من الانسياق خلف عنصر طائش مثل جبران باسيل. لكنه جرّها، مضطرة، إلى ذلك، كي لا يلعب وحده دور الساموراي الأخير في هذه الحرب الكوميدية. وهي معضلة مسيحية صرفة، تتمثل في أنهم يفتقدون إلى كبير، وفق منطق العشائر اللبنانية، يضرب الأرض بعصاه حين الحاجة، ويقود الرعية في معارك البقاء بالغابة اللبنانية.

وهو عصيان مثير للشفقة فعلاً، إذا ما قورن بآخر عصيان وقع بعد قراري حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، والذي ترجمه حزب الله في 7 أيار 2008 بحرب أهلية صغيرة لطيفة اجتاح فيها بيروت وقصف جبل لبنان، وأعلن، في حينها، أنه الحاكم المطلق. هكذا يكون العصيان.

الامتناع عن تعديل الاعدادات يدوياً في الخلوي لا يعد عصياناً. إنه في أحسن حالاته خسارة في التعرف على خاصية في هذه الهواتف لا يعيرها أحد انتباهاً، لأنها باتت ذكية بما يكفي لأن توفر علينا حتى أن نتعب في تغيير الوقت، أو التفكير بهذا التغيير، أو التخوّف بأن بلداً سينقسم نصفين بسبب ستين دقيقة، من أصل كل وقته المديد، الضائع سدى.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها