السبت 2023/03/25

آخر تحديث: 05:44 (بيروت)

مذكرة توقيف بوتين قد تنهي نظامه

السبت 2023/03/25
مذكرة توقيف بوتين قد تنهي نظامه
increase حجم الخط decrease

مذكرة غرفة البداية في المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف بوتين والمفوضة الرئاسية لشؤون الطفل أربكت المسؤولين الروس، بمن فيهم المتهمين بوتين والمفوضة لفوفا أرلوفا. وبدا هذا الإرباك منذ اليوم الأول للإعلان عن المذكرة في 17 الجاري، حيث هب البروباغنديون والمسؤولون الروس، بمستوياتهم المختلفة، للإعلان عن بطلان المذكرة قانونياً وفق التشريعات الروسية. وفتحت هيئة التحقيقات الإتحادية دعوى جنائية على قضاة المحكمة الدولية وإتهمتهم بتعمد إعتقال غير قانوني والإعداد للهجوم على ممثل دولة أجنبية يتمتع بالحصانة الدولية، بهدف تعقيد العلاقات الدولية. كما برز الإرباك في تأخر بوتين حتى 20 الجاري ليعلق على المذكرة ويعلن بأنها لم تترك أي أثر، وأن عمله اليومي يسير بشكل طبيعي كالمعتاد. كان يمكن تفسير هذا التأخير بأنه مدروس، وليس إرباكاً، وذلك ليمنح مصداقية لموقفه المعلن، لو أن بايدن ــــ المتهم الضمني بالوقوف وراء صدور المذكرة ـــ لم يسارع في اليوم عينه للتأكيد بأن المذكرة "مبررة"، وبأن "من الواضح أن بوتين إرتكب جرائم حرب". وتزامن رد بوتين مع إعلان مفوضة شؤون الطفل لفوفا أرلوفا عن أنه لم يتقدم إليها إعتراض واحد على ترحيل أطفال أوكران إلى داخل روسيا، أو مناطق أوكرانية تحتلها.

عنصر المفاجأة أو، على الأقل، تصنعها، كان بارزاً أيضا في ردة فعل المسؤولين والبروباغندا الروسية على مذكرة توقيف بوتين. فلم يكونوا مستعدين، ولو في مخيلتهم، بأن عدالة "الغرب" ستتجرأ على فرض معاييرها على بوتين الذي تقدمه بروباغندا الكرملين بأنه لا يمس. وتقدم صورة مكثفة لهذا الواقع النكتة الروسية المتداولة منذ العهد السوفياتي، والمتجددة الآن. كان بوتين يصطاد السمك مع رئيس أميركي على ضفة نهر. الأميركي أشبع وجهه وجبينه ومؤخرة عنقه صفعاً، في حين يجلس بوتين هادئا. سأله الأميركي: فلاديمير، ألا يلسعك البعوض؟ أجاب بوتين: ممنوع!

وفي السياق عينه نقل موقع  Медуза الروسي المعارض في 21 الجاري عن مصادر مقربة من ديوان الرئاسة الروسية وصفها إصدار محكمة لاهاي مذكرة توقيف بحق بوتين بأنها خطوة الغرب "الأكثر مفاجأة". 

العنصر الآخر البارز في ردة الفعل الروسية كان التلويح التقليدي بعد غزو أوكرانيا بإستخدام السلاح النووي. لكن الغرب إعتاد أخيراً على هذا الإبتزاز، ولم يعد يلقي إليه بالاً كما في بداية الحرب على أوكرانيا.

العنصر الأخير الذي يرافق أي رد فعل روسي في عهد بوتين على اي خطوة غربية حيال روسيا ــــ بذاءة لهجة الرد. فتحت عنوان "ميدفيديف أشار أين ينبغي إستخدام وثيقة المحكمة الجنائية الدولية بشأن "توقيف" بوتين"،  نقلت نوفوستي عن الرئيس الروسي الأسبق دمتري مدفيديف تغريدة على موقعه باللغة الإنجليزية، رأى فيها بأن ليس من ضرورة لشرح أين ينبغي إستعمال وثيقة المحكمة. وأرفق التغريدة بعلامة ورق تواليت.

في يوم نشر مذكرة المحكمة الدولية في الإعلام، نقلت نوفوستي عن عدد كبير من المسؤولين الروس تعليقاتهم عليها. الناطق بإسم الكرملين دمتري بسكوف رأى أن طرح المسألة من قبل المحكمة الدولية " مثير للإستياء وغير مقبول". وقالت الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروف بأن روسيا لا تتعاون "مع هذه الإدارة"، وأن "الوصفات" المحتملة للتوقيف الصادرة عن المحكمة الدولية ستكون بالنسبة "لنا" باطلة قانونياً. رئيس لجنة العلاقات مع الجمهوريات السوفياتية السابقة في البرلمان الروسي (الدوما) رأى أن المذكرة أقرت للتأثير على رؤساء الدول، وربطها بزيارة الرئيس الصيني إلى موسكو. وأعلن رئيس اللجنة الدستورية في مجلس الإتحاد أن ليس للمذكرة أي أساس قانوني أو نتائج. ورأى أن المحكمة الدولية "شرعت في السير على طريق التدمير الذاتي".

 موقع Kasparov الروسي المعارض نشر نصاً للمدون الروسي فيتالي غينسبورغ، وصف فيه مذكرة توقيف بوتين بأنها "صدمة هائلة للروس". وقبل أن يشرح بسلسلة من النقاط أسباب قوله ب"الصدمة الهائلة"، رأى أن من الصعب حتى الآن تصور كل تداعيات مذكرة المحكمة الدولية.

يرى المدون في طليعة أسبابه أن المذكرة هي علامة سوداء نهائية، ليس على بوتين وروسيا الحالية فقط، بل على "العالم الروسي" الذي يموضعه بوتين بوجه الغرب. ولم يعد لأي قرار سياسي أن يمحو العلامة أو يلغيها. كما يرى أن المذكرة هي إنجاز كبير للسياسة والدبلوماسية الأوكرانية، وتأكيد على زعامة أوكرانيا بلا منازع للفضاء ما بعد السوفياتي، والتي ستتعزز في المستقبل القريب بهزيمة روسيا وترشيدها بانتزاع عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي.

يستطرد المدون في إيضاح كون المذكرة "صدمة هائلة" للروس، ويرى بأنها نقطة بداية لا رجعة فيها لنزع الشرعية عن نظام بوتين. و يقول بأن الكل يدرك أن أحداً لن يسلم بوتين للمحكمة الدولية غداً، وستجهد بروباغندا الكرملين في المناورة بين عدم الإعتراف بمذكرة المحكمة الدولية، وبين الإعتراف بها نصراً آخر لبوتين. 

يدعو المدون الغرب للذهاب إلى الآخر في ما بدأته المحكمة الدولية في خطوتها الجريئة. كما يطالب بعدم إعتراض سبيل شعوب روسيا للإفادة من ثرواتها، وعدم الوثوق بالمعارضة الروسية من داخل النظام. ويرى من الضروري أن يبدأ الغرب حواراً جدياً مع الحركات القومية الدينية لهذه الشعوب وقياداتها.

وينتهي المدون للقول بأن المذكرة بحق بوتين، هي قرار طال إنتظاره، ويجب أن يشكل حافزاً لتفكيك حقيقي لشرعية نظام بوتين. ويجب أن نتذكر الشعار الذي صاغه يوماً شريك بوتين، رئيس البرلمان الروسي فيتشلاف فالودين: "في بوتين في روسيا، ما في بوتين ما في روسيا".

رئيس تحرير موقع Carnegie Politika  موسكو ألكسندر باونوف نشر نصاً قارن فيه بين خطورة كل من مذكرة لاهاي والعقوبات الغربية على بوتين. يقول باونوف أن حزمة العقوبات الغربية الأولى العام 2014 طاولت القياديين الروس الذين كانوا على علاقة بإجتياح القرم. لكن هذه الخطوة  فشلت حينها في تقسيم النخبة  القيادية الروسية إلى فريقين، يمكن الإعتماد على أحدهما للحؤول دون إرتكاب بوتين "أخطاء فادحة" أخرى. مذكرة الجنائية الدولية تقارب المسألة عينها، لكن على نحو معاكس. فإذا كانت إستراتيجية العقوبات قد بنيت من الأسفل إلى الأعلى، تبني المحكمة الدولية إستراتيجيتها من الأعلى إلى الأسفل.

ويرى باونوف أن المذكرة التي صدرت في ظل سيطرة جو من الشكوك في قمة هرم السلطة الروسية، سوف تفسر كدعوة للنخبة الروسية لترك بوتين، وكدعوة للإلتفاف ليس حوله، بل ضده. لكن إذا تزايد عدد المذكرات، يمكن توقع تكرار الوضع مع العقوبات، حيث سيحاول البعض حينها حماية نفسه من الملاحقات، والبعض الآخر يتنافس على من يكون التالي بعد بوتين. 

مدعي عام المحكمة الدولية أعلن أن المذكرة بحق بوتين هي الخطوة الأولى في سلسلة تحقيقات تالية. ويرى باونوف أن هذه المقاربة العمودية من أعلى إلى أسفل، يمكن أن تصبح في ظل ظروف معينة الأداة الأفضل لوضع خط فاصل بين رأس النظام وجهازه. كما يرى أن الوضع مع المذكرة يختلف عما هو عليه مع العقوبات. في حينها، كان بوتين الذي يقف خارج العقوبات يراقب ماذا سيكون عليه الأمر مع من شملته. أما الآن فإن محيطه يراقب كيف سيكون الأمر معه. 

مذكرة المحكمة الدولية لن يكون لها آثار قانونية مباشرة، لكن أخذت تبرز آثارها الدبلوماسية. فهي منذ الآن أخذت تجعل من الصعب التعامل مع الجنوب الذي تسعى روسيا لإحلال علاقاتها به مكان العلاقات المنهارة مع الغرب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها