الإثنين 2023/03/20

آخر تحديث: 09:01 (بيروت)

الاسد إذ يعرض سوريا للبيع

الإثنين 2023/03/20
الاسد إذ يعرض سوريا للبيع
increase حجم الخط decrease

عندما يقال أن الرئيس السوري بشار الاسد "رحّب" خلال زيارته الاخيرة الى موسكو بتطوير وتوسيع الوجود العسكري الروسي في سوريا، فإن ثمة خطأ فادحاً يرتكب بحق الرجل، الذي تفوق على نفسه في فهم الخطط الروسية الاستراتيجية، وفي تقدير موقع بلاده ضمن هذه الخطط.

الاسد، حسب أقواله المنشورة في دمشق وموسكو، لم يرحّب، لكنه قدم عرضاً رسمياً صريحاً لروسيا بأن تزيد عدد قواعدها العسكرية على الاراضي السورية، المحددة باثنتين، واحدة جوية في حميميم وثانية بحرية في طرطوس، وأن تضاعف بالتالي حجم قواتها المنتشرة في سوريا..والاهم من ذلك، وفق التعبير الحرفي الرئيس السوري، ألا يظل هذا الوجود العسكري الروسي مؤقتاً، محصوراً بمكافحة الارهاب الذي تم الانتصار عليه، بل أن يصبح في المستقبل، دائماً، كجزء من موازين القوى الدولية بين روسيا والغرب، لأنه، على ما قال، "لا يمكن  للدول العظمى اليوم أن تحمي نفسها أو أن تلعب دورها من داخل حدودها، لا بد أن تلعب الدور من خارج الحدود، من خلال حلفاء موجودين في العالم أو من خلال قواعد (عسكرية).." الى ما هنالك من نصائح قدمها للرئيس الروسي حول كيفية حماية مصالح بلاده ومكانتها كقوة عظمى عالمية، التي استعادتها جراء تدخلها في سوريا في العام 2015، حسب السردية التي راجت في دمشق في حينه!!

الصواب هو أن الاسد عرض على بوتين فعلاً تحويل سوريا كلها ، وليس فقط بقعتين من شواطئها المتوسطية، الى قاعدة عسكرية روسية متقدمة في مواجهة الغرب. ولعله في سرّه يفترض أنه يقدم هدية نفيسة الى روسيا، عندما يدعوها الى تعزيز انتشارها العسكري، وتاليا تعميق نفوذها  السياسي، في دمشق وحلب وحمص وحماة، ومعها إدلب والرقة ودير الزور.. وهو ما يعني أن تصبح سوريا شبيهة الشيشان ورديفتها المشرقية، بغض النظر عن إستعداده لأن يصبح نظير المقاتل الشيشاني-الروسي رمضان قاديروف.

الغريب ان موسكو لم ترد حتى الآن على هذا العرض السوري السخي، الذي لم يسبق له مثيل، حتى عندما أغرق الاتحاد السوفياتي النظام السوري بالسلاح في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لمواجهة الاميركيين والاسرائيليين، فاستخدمه في لبنان. ولم يعلق أحد من الروس، لا المسؤولين ولا الكتّاب، على النصائح المجانية التي قدمها الاسد لبوتين، حول سبل إدارة معركته مع الغرب.. موسكو ما زالت تلتزم الصمت حتى إزاء الشتائم الشخصية النابية التي وجهها الرئيس السوري من موسكو بالذات الى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، متمنياً له السقوط في الزلزال الانتخابي المقرر في تركيا في 14 أيار المقبل.

الاقرب الى العقل، هو ان الكرملين كان ولا يزال يتعامل مع سوريا كدولة ذات سيادة في تحديد سياساتها وخياراتها واتخاذ قراراتها، وهو لا يرى في الاسد شبيهاً لقاديروف، بدليل "التساهل" مع محاولته تعطيل مسار التطبيع مع تركيا ورئيسها اردوغان، برغم ما لهذا المسار من أهمية حيوية لموسكو ولدمشق على حد سواء، وبرغم تسلل إيران عنوة الى هذا المسار أيضا، لرغبتها في ألا تكون غائبة عن صنع التاريخ السوري!

أما الاقرب الى المنطق في سلوك الاسد، هو أنه يحافظ على هامشه الواسع في التعامل مع موسكو، ويعتمد على نظرية الخدمات والمنافع المتبادلة، وأهم ما فيها المجد والعظمة للروس، مقابل الاستقرار والاستمرار للنظام في دمشق..كما أنه يمضي قدماً في استفزاز تركيا وتحديها، على أمل أن يكسب عناق الامارات ثم السعودية ومصر، من دون أن يخسر طبعا الحضن الايراني الدافىء. هكذا كان الاسد، وهكذا سيظل يناور ويغامر ويقامر، ويعتبر نفسه وبلده، لاعباً أقليمياً، وعالمياً لا يستغنى عنه!

قد لا يتمكن الاسد من بيع سوريا للروس، الذين لن يرغبوا بشراء بلدٍ مفلسٍ، أعباؤه أكبر بكثير من مزاياه. لكن البقاء في السوق بحد ذاته مكسبٌ أسديٌ لا شك فيه. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها