الثلاثاء 2023/03/14

آخر تحديث: 07:30 (بيروت)

الصين الملحدة تصالح السنة والشيعة..إلى حين

الثلاثاء 2023/03/14
الصين الملحدة تصالح السنة والشيعة..إلى حين
increase حجم الخط decrease

كان متوقعاً الترحيب الواسع للإعلام الروسي الموالي بالإتفاق السعودي الإيراني بوساطة الصين ورعايتها. فالصديقة الصينية اللدود التي تنافس على قيادة "النظام العالمي الجديد" الذي تحلم روسيا بحلوله مكان النظام العالمي "الأميركي"، رأت أنها وجهت ضربة شديدة للأميركي في حديقته الخلفية الشرق أوسطية. لكن ترحيبها بالنجاح الصيني يعتريه نوع من الأسى والحسد في آن، إذ على الرغم من مواجهتها المشتركة مع الصين لهيمنة الغرب "الأميركي"، إلا أنها كانت تتمنى، ولو ضمناً، أن تنجح صداقتها مع إيران وجهودها الدبلوماسية الشرق أوسطية في السنوات الأخيرة في أن تكون هي راعية الإتفاق الإيراني السعودي وليس صديقتها الصين.

 وعلى الرغم من أن الزعيم الصيني رعى توقيع الإتفاق السعودي الإيراني، وليس صانعه ونجم السياسة الخارجية الصينية فان يي، إلا أنه ليس من الواضح، على الأقل حتى الآن، ما إن كانت الصين نفسها وإيران والسعودية، تقاسم روسيا هذه القناعة.

لا شك أن الصين حققت نجاحا كبيراً في قطف ثمار جهود العراق وقطر وعُمان التي وقفت خلف جولات المفاوضات الإيرانية السعودية منذ العام 2021. ويؤكد هذا النجاح الترحيب الغربي "الملتبس" بالإتفاق الإيراني السعودي برعاية الصين. فقد نقلت صحيفة روسية وموقع إخباري أوكراني عن الصحيفة الأميركية The New York Times إقرارها بأن الإتفاق نجاح للصين وخسارة للمصالح الأميركية.

 الصحيفة السوفياتية الروسية المخضرمة MK عنونت نصها في 10 الجاري بالقول NYT: مصالحة إيران والسعودية ـــــ إنتصار الصين وهزيمة الولايات المتحدة". تقول الصحيفة الأميركية بأن "التفاعل الدبلوماسي" الجديد قد يؤدي إلى انحراف في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط وخارجه. فقد جمع السعودية، الشريك المقرب للولايات المتحدة، مع إيران، العدو القديم الذي تعتبره واشنطن وحلفاؤها تهديداً للأمن ومصدراً لعدم الإستقرار في العالم. وتضيف بأن الزعماء المحليين أعربوا عن ترحيبهم بكون الصين تلتزم "عدم التدخل" في شؤون البلدان الأخرى، وتتحاشى إنتقاد سياساتهم الداخلية ولا ترسل قواتها المسلحة للإطاحة بالدكتاتوريين غير الأصدقاء.

كما تنقل الصحيفة الروسية عن المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات مارك دوبوفيتز قوله في الإتفاق بأنه "خسارة، خسارة، خسارة للمصالح الأميركية".

موقع الأخبار fakty في قناة التلفزة الأوكرانية ICTV نقل في 12 الجاري عن مقالة للصحيفة الأميركية عينها قولها عن الإتفاق بأنه "أحد أهم الأحداث الصاخبة التي يمكن لأي شخص أن يتخيلها". وتصفه بأنه " تحول لفت الأنظار" في جميع عواصم العالم. وتضيف بالقول أنه قد تحطمت التحالفات والمنافسات التي حكمت الدبلوماسية لأجيال، على الأقل حتى الآن. والأمريكيون الذين ظلوا على مدى ثلاثة أرباع القرن لاعبين مركزيين في الشرق الأوسط ودائمًا في الغرفة التي تحدث فيها الأشياء، أصبحوا الآن مهمشين في لحظة تغير مهم. في المقابل ، أصبح الصينيون ، الذين لعبوا لسنوات عديدة دورًا ثانويًا في المنطقة ، فجأة لاعبًا قويًا جديدًا. 

وترى الصحيفة أن ليس من وسيلة للتغاضي عن ذلك ـــــ "إنها صفقة كبيرة". وتنقل عن نائبة مدير الأبحاث في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط إيمي هوثورن قولها بأنه لن يكون بوسع الولايات المتحدة عقد مثل هذه الصفقة الآن مع إيران بالتحديد، "لأنه ليس لدينا أي علاقة معها". وعلى نطاق أوسع، يضع "الإنجاز المرموق" الصين في مستوى دبلوماسي جديد يلقي بظلاله على كل ما تمكنت الولايات المتحدة من تحقيقه في المنطقة منذ وصول بايدن إلى السلطة. 

وتشير إلى أن بايدن رحب علنًا باستعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، ولم يعرب عن قلقه الصريح بشأن إنخراط بكين في التقارب بين البلدين. لكن في السر، يعتقد مساعدوه أن الاختراق يتم المبالغة فيه، ويسخرون من الإفتراضات التي تشير إلى تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة.

 وتقول الصحيفة بأن محللين مستقلين يرون بأنه ليس من الواضح المدى الذي سيبلغه التقارب بين السعودية وإيران. فبعد عقود من الصراعات العنيفة أحياناً على القيادة في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي، فإن قرار إعادة فتح السفارات المغلقة منذ العام 2016 لا يمثل سوى الخطوة الأولى. وهذا لا يعني أن السنة من الرياض والشيعة من طهران قد وضعوا جانبا كل خلافاتهم العميقة والواضحة. في الواقع، يمكن الافتراض أن هذا الاتفاق الجديد بشأن تبادل السفراء قد لا يتم تنفيذه في نهاية المطاف، حيث جرى تفعيله خلال شهرين لتحديد التفاصيل. وكما أبلغ السعوديون الأميركيين، فقد كان مفتاح الصفقة إلتزام إيران بوقف المزيد من الهجمات على المملكة العربية السعودية وتقليص الدعم للجماعات المتشددة التي تهاجم المملكة.

ولعل تصريح وزير الخارجية السعودي في 13 الجاري يدعم هذا الرأي، حيث قال بأن الإتفاق السعودي الإيراني على عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين هو "لحل الخلافات عبر التواصل والحوار"، لكنه شدد على أن ذلك "لايعني التوصل إلى حل جميع الخلافات العالقة بين البلدبن".

الصحيفة الإتحادية الروسية Kommersant رأت في 10 الجاري أن الإتفاق الإيراني السعودي قد يغير جدياً الجو في المنطقة، حيث ظهرت فرصة لتسوية الصراع في اليمن، وكذلك حل سلسلة من التناقضات في سوريا ولبنان، إضافة إلى أنه يوجه ضربة واضحة للولايات المتحدة وإسرائيل. وتشير إلى أن الإتفاق نص على إحياء إتفاقية التعاون في المجال الأمني المعقودة بين البلدين العام 2001، إضافة إلى لقاء وزيري الخارجية. وتشير إلى أن علي شمخاني صرح بأن زيارة الرئيس الإيراني إلى الصين في شباط/فبراير المنصرم شكلت الأساس لإجراء المفاوضات الجديدة و"الجدية جداً" بين الوفدين في بكين، والتي دامت بين 6 و10 الجاري.

تقول الصحيفة أن محاولات مصالحة إيران مع السعودية جرت غير مرة، وبدأت في العام 2017. لكن بعد وصول ترامب إلى رئاسة الولايات التحدة تم تجميد جميع التشاطات في هذا المضمار. وجهدت واشنطن لإقامة تحالف معاد لإيران في الشرق الأوسط يضم، بالدرجة الأولى، دول الخليج وإسرائيل. وعلى هذه الخلفية بدأت عملية تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين. وجرى الحديث كثيراً حينها عن إقامة علاقات رسمية بين السعودية وإسرائيل، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحصل في عهد ترامب.

وترى الصحيفة أن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية يمكن أن يغير جدياً، إن لم يكن ميزان القوى، فعلى الأقل، الجو في الشرق الأوسط.  وعلى خلفية الفرصة في تسوية التناقضات في البلدان العربية التي تهيمن فيها إيران على القرار السياسي، تقول الصحيفة أن أحد الأسئلة المهمة التي تطرح، هي مسألة إمكانية توقع إحياء الإتصالات الدبلوماسية بين الرياض ودمشق. 

السؤال المهم الآخر الذي تراه الصحيفة ـــــ آفاق إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والسعودية. وتنقل عن The Wall Street Journal قولها الأسبوع المنصرم أن واشنطن تنشط في المشاركة في المفاوضات بين السعودية وإسرائيل. وترى المطبوعة الأميركية أنه على خلفية المواجهة الوشيكة مع إيران بسبب برنامجها النووي ومساعدتها روسيا في الحرب مع أوكرانيا، أصبح الأمر أولوية لكل من بايدن ونتنياهو.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها