الأربعاء 2023/03/01

آخر تحديث: 15:35 (بيروت)

الحرب الأوكرانية كمختبر لثورة الطيران المُسيّر

الأربعاء 2023/03/01
الحرب الأوكرانية كمختبر لثورة الطيران المُسيّر
تدريب جنود أوكرانيين على استخدام المسيرات (غيتي)
increase حجم الخط decrease

بدأت السنة الثانية من الحرب الروسية الأوكرانية بهجمات لطائرات من دون طيار على العمق الروسي. وكانت الطائرات المسيرة الروسية قد قصفت، طوال شهور الشتاء الثلجي، معظم الأراضي الأوكرانية، وتشكل عمليات الصفع المتبادلة بهذا السلاح، الحديث نسبياً، قاعدة لجعل الطائرات المسيرة رمزاً لهذه الحرب، أو لجعل المواجهة بين روسيا وأوكرانيا نقطة الانطلاق لشكل جديد من الحروب، تؤدي الطائرات المسيرة الدور الرئيسي فيه، وهو ما يطرح أسئلة حول عدد كبير من قضايا الصراع العسكري المستقبلي، لا سيما الصراع بين الغرب والصين.

ضربت الطائرات المسيرة الأوكرانية، مع الساعات الأولى من شهر آذار الجاري، منطقة بيلغورود الروسية، ومصفاة نفط في بلدة توابسي بمنطقة كراسنودار، وخزان نفط كبير في تمريوك بمنطقة كراسنودار. وأُعلن اسقاط طائرة مسيرة في جمهورية أديغيا، وأخرى في منطقة موسكو، وأُغلق المجال الجوي في مدينة سانت بطرسبرغ بسبب جسم غير معروف في سماء المدينة، وأُبلغ عن انفجارات في مطار ييسك بمنطقة كراسنودار يُعتقد أنها ناجمة عن هجمات طائرات مسيرة انتحارية أوكرانية.

ويُعدّ التوجه الروسي نحو ابتكار وتصنيع المسيرات، من الأبكر في العالم، ويمتد إلى زمن غير معروف من الحقبة السوفياتية. لكن تفكك الاتحاد السوفياتي وتوقف الأبحاث في هذا المجال جعل روسيا في مرتبة متأخرة عن نظيراتها من الدول المتقدمة، الأمر الذي سمح لدولة مثل إيران بالتقدم عليها في هذا المجال، مع أن طهران اعتمدت في تطوير هذا القطاع على العلماء والخبراء الروس الذين التقطتهم من الجامعات وأكاديميات الهندسة العسكرية بُعيد انهيار الاتحاد السوفياتي. أما الاهتمام الأوكراني فقد بدأ العام 2014، إثر احتلال شبه جزيرة القرم، إذ قدم فريق من المتطوعين المدنيين أنفسهم كداعمين لجهود الجيش في هذا المجال الجديد، وقد تمكن هؤلاء الهواة من تطوير أنفسهم بالتزامن مع تطور هذه الآلات الجديدة واستثمار المتاح لهم منها بالطريقة الأمثل، وصولاً إلى مرحلة الاقتدار في ميدانهم بدعم من المؤسسة العسكرية الرسمية ومن أطراف أخرى عديدة بينها أجهزة الاستخبارات الغربية.

بطبيعة الحال، تُعدّ الولايات المتحدة، الدولة الأكثر تقدماً في هذا المجال، لكن البنتاغون يفرض قيوداً صارمة على بيع ومشاركة المنتجات الأميركية في هذا الميدان في السوق العالمية، وهو ما مكّن الشركات الصينية من استغلال خلو السوق والاستثمار فيه بأريحية جعلت منها الأولى عالمياً في بيع وتصنيع الطائرات بلا طيار التجارية والتي يسهل تحويلها إلى أسلحة فتاكة من قبل مطوّرين هواة في الغالب. ووفق بيانات حكومية رسمية، باعت الصين طائرات مسيرة قتالية إلى أكثر من عشر دول، فيما تصدّر الفئات التجارية إلى كل دول العالم تقريباً. وفي الحرب الروسية الأوكرانية، وجد الخبراء أن نحو 60% من تلك الطائرات تعود إلى شركة واحدة صينية عملاقة هي DJI التي لا تبيع فعلياً في الدولتين المتصارعتين، وإنما تتسرب منتجاتها عبر أسواق ثانوية لتُعدّل وفق المتطلبات العسكرية.

ووفق البيانات المتوافرة، تقوم الطائرات المسيرة اليوم بمهام لم تكن تخطُر في بال، مثل استعادة الأسرى والجرحى من ميادين القتال، وسرقة المكونات الحساسة مثل أجهزة اتصالات الطرف الآخر لاختراق منظومته الالكترونية، علاوة على المهام المعروفة مثل الاستطلاع والقصف والهجمات الانتحارية وتوجيه القذائف الصاروخية والقصف المدفعي إلى أهدافه. وسيؤدي استخدام الأوكرانيين للطائرات المسيرة بكثافة في المرحلة المقبلة، وهو الأمر الذي يشير إليه افتتاح معارك الربيع الحالي بالهجمات المشار إليها أعلاه، إلى إجهاض أي هجمات روسية متوسطة أو صغيرة وتقويضها في العمق، وذلك من خلال استهداف منظومة القيادة والتوجيه والإسناد المدفعي والصاروخي عبر الطائرات الانتحارية الخفيفة ومنخفضة الثمن التي يمكن توفير الآلاف منها لمهمات استراتيجية واسعة النطاق لتطير كأسراب الجراد المدمر، وهو ما سيكون عنصراً موازناً للتفوق الجوي الروسي الحاصل الآن، ويبطئ عجلة التقدم في هذا الصراع الذي تؤكد معطياته، بعد عام على اندلاعه، إنه يذهب في الاتجاه المتوقع له، وهو إن لا منتصر فيه.

ما زال سلاح الطائرات المسيرة في مرحلة الاختبار، لكن تفوق الصين فيه يثير مخاوف واشنطن وحلفائها الغربيين، ولعل قضية المنطاد الصيني التي أثيرت وضُخّمت مؤخراً كان باعثها الرئيسي هذا القلق الذي يملأ الهواء. ولا سبيل لضمان تفوق الغرب في مواجهة محتملة من هذا النوع، سوى بالضغط أكثر على مجال أشباه الموصلات الذي يعد حاسماً للتفوق في هذا المجال ومنع استفادة الصين منه.

المخاطر التي يمكن أن يطرحها هذا السلاح أيضاً، تشمل المخاوف من تمكّن المنظمات والدول الإرهابية من تطوير قدراتها فيه، نظراً لسهولة تصنيعه انطلاقاً من مكونات تجارية، وللأضرار الاستثنائية التي يمكنه إحداثها، سواء على الصعيد الواقعي أو حتى في إطار الحرب النفسية.

ووفق هذا التقدم المتسارع، وما يمكن وصفه بثورة صناعة الطائرات المسيرة، التي يعدّ مسرح الحرب الروسية الأوكرانية أوسع مختبراته، ستبرز الحاجة إلى وضع هذا الملف في لائحة أولويات القانون الدولي، باعتباره واحداً من أخطر التهديدات للسلم والأمن العالميين. لكن تقييد إنتاج واستخدام تلك الأسلحة، بإرادة عالمية، لن يحدث على ما يبدو قبل وقوع حدث عالمي جسيم مرتبط بالطائرات المسيرة، سواء في الصراع بين الدول، أو مع المنظمات الإرهابية التي تتطلع بشهية مفتوحة إلى هذا القطاع الواعد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها