الأربعاء 2023/02/08

آخر تحديث: 17:14 (بيروت)

إرحل أيها البلاء!

الأربعاء 2023/02/08
إرحل أيها البلاء!
مجموعات أهلية تنتشل ضحايا من تحت الركام في إدلب (غيتي)
increase حجم الخط decrease

مشهدان يختصران البلاء الذي نعيشه كسوريين، الأول هو مشهد أهالي الضحايا والناجين من كارثة الزلزال وهم يتوسلون كل شيء لإخراج أحبّتهم من تحت الركام والردم، دون جدوى، وعجزهم عن الوصول إليهم رغم قرب المسافة. والثاني هو مشهد ملايين السوريين المتناثرين في مناطق السيطرة المتعددة ومختلف أصقاع العالم، والعاجزين عن الوصول إلى موقع الكارثة الزلزالية وتقديم العون لأهلهم وذويهم أو حتى ايصال المواد الإغاثية العاجلة، وسبب كل هذا الشلل القاتل هو بلا منازع نظام الأسد الإجرامي.

"هذا ليس أوان السياسة" سيعترض كثيرون. لكن هذا ليس حديثاً سياسياً، هذا كلام في الفاجعة التي يجب أن تتوقف وأن تنتهي اليوم وليس غداً. فالسوريون يحق لهم على الأقل أن ينتشلوا أحبّتهم من تحت ركام الكوارث الطبيعية، وأن يودعوا أحبّتهم الذين فارقوهم، وأن يتضامنوا مع بعضهم البعض كبشر، وأن ينقذوا ما يمكن إنقاذه، وهذا أدنى حقوقهم، وقد حرموا منه.

السوريون يحق لهم أن يعيشوا في بيوت أكثر أماناً من تلك المساكن المخلخلة والقديمة التي لجاوا إليها وتكدسوا فيها هرباً من آلة القتل الإجرامية، في الشمال السوري وجنوب تركيا، فانهارت فوقهم بغمضة عين، لتحصد أرقاماً مضاعفة من الضحايا.

ويحق للسوريين أن تكون لديهم فرق إنقاذ تصل إليهم وتتداركهم قبل أن يكتم الركام أنفاسهم وأنفاس أطفالهم. وأن تكون لهم مستشفيات كافية لاستقبال المصابين، وأماكن إيواء تستوعب الناجين. وذلك كله لم يكن مستطاعاً، بل إن جهوداً خسيسة يبذلها النظام وحلفاؤه لشيطنة الجهات الأهلية القليلة التي انشأها السوريون بإمكاناتهم المتواضعة لإغاثة أنفسهم مثل "الخوذ البيضاء" وسعوا جاهدين لقطع كل سبل دعمها ومساندتها.

يحق للسوريين من مختلف مناطقهم ومن كل خلفياتهم الاجتماعية، أن يهبوا إلى مكان النازلة ليغيثوا بعضهم بعضاً، ويحق للسوريين في المنطقة المنكوبة أن يهربوا إلى مناطق أقل تضرراً ريثما يستقر الوضع، لكن ذلك كله ممنوع عليهم.

يحق للسوريين أن يحظوا بدعم أممي وإنساني، مثل كل الشعوب والأمم التي تعرضت لنكبات مشابهة. لكن لا دولة ولا منظمة تحترم نفسها أقدمت على تقديم العون والمساعدة، إما لأنها لا تستطيع الوصول إلى مناطق المعارضة المعزولة والمُحارَبة، أو لأن تلك الجهات تخشى أن يسرق المعونة نظام اللصوصية والإجرام، الذي حوّل المساعدات الأممية طوال السنوات العشر الماضية إلى براميل متفجرة وأدوات قتل وتدمير.

من حقنا كسوريين أن تكون لنا دولة ترعانا، وتحدب علينا في مصائبنا الفردية والعامة، وتربطها علاقات طبيعية بدول ومنظمات العالم المتحضر، نشعر من خلالها أننا جزء أصيل من الإنسانية، ينوبنا ما ينوبها ويسعدنا ما يسعدها، لا ذلك الجزء المنبوذ المهمل على الطرف الشرقي للمتوسط، الذي تحكمه عصابة لا ترضى أن يُغاث الواقعون تحت سيطرتها إلا بعد الاعتراف بها مجدداً، وإلى الأبد، سلطة مطلقة.

لم يكن هدف السوريين من ثورتهم إيقاف الزلازل والأوبئة وغيرها من الكوارث الطبيعية التي لا رادّ لها، لكنهم كانوا يريدون التخلص مِن بلاء مِن صنع بشر مجرمين، هو هذا النظام القاتل، الذي يصنع الكوارث تلو الكوارث، ويعمّق النائبات التي تصيبنا.

لم نكن نريد سوى دولة أخلاقية ومسؤولة، توفر لنا السعادة في حدودها الدنيا، أي الكرامة الإنسانية، وتسندنا وتردّ عنا ما استطاعت غوائل الدهر، وهو ما يجعل هذا الحديث مشروعاً في خضم الزلزال، الذي لن يكون آخر مصائبنا. سنحتاج اليوم وغداً إلى حضور تلك الدولة، لا في كارثة مثل هذه قد تأتي في حياة جيل كامل أو لا تأتي، بل في كل شاردة وواردة من تفاصيل حياتنا، منذ ولادة الطفل واستقباله في مستشفى لائق، إلى شيخوخة المرء وموته ومواراته الثرى بكرامة.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها