الجمعة 2023/02/24

آخر تحديث: 14:42 (بيروت)

الانتشار النووي بات حتمياً

الجمعة 2023/02/24
الانتشار النووي بات حتمياً
increase حجم الخط decrease

ليس هناك خطرٌ أكبر في هذا العقد من الانتشار النووي الذي بات يبدو حتمياً أكثر من أي وقت مضى لأسباب عدة، أولها طبعاً الحرب الروسية في أوكرانيا وتكرار المسؤولين الروس تهديدات باستخدام أسلحة الدمار الشامل.

والتهديدات الباردة بالإبادة، على فظاعتها، ليست وحدها ما يُخشى منه في الحرب على أوكرانيا، بل هناك ظل الانتشار النووي المستقبلي الذي يطل برأسه علينا. ذاك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قرر الرد أخيراً على الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي جو بايدن إلى كييف، من خلال تعليق مشاركة بلاده في معاهدة "نيو ستارت"، آخر اتفاقية متبقية مع الولايات المتحدة للسيطرة على الأسلحة النووية. المعاهدة التي وقعها الرئيسان الأميركي والروسي السابقان باراك أوباما وديمتري ميدفيديف في 8 نيسان (أبريل) عام 2010 (دخلت حيز التنفيذ في شباط العام التالي) في براغ، تُرغم الطرفين على الحد من عدد الأسلحة النووية القابلة للاستخدام.

ووفقاً للمعاهدة، ليس بإمكان موسكو وواشنطن نشر أكثر من 1550 رأساً نووياً استراتيجياً و700 صاروخ طويل المدى وقاذفات قنابل، علاوة على خفض عدد منصات الإطلاق والقاذفات الثقيلة إلى 800 قطعة. ولضمان الاتفاق، كل طرف يُجري 18 عملية تفتيش للتحقق من الالتزام بالمعاهدة.

البلدان يملكان 90 في المئة من الأسلحة النووية، وعددها 12700 رأس. روسيا تملك أكثر من 6 آلاف، لكن لدى الولايات المتحدة بقعة انتشار أوسع لأسلحتها من خلال الحلف الأطلسي (الناتو). 

لكن للقرار الروسي بتعليق العمل بالمعاهدة انعكاساً سلبياً على جهود منع الانتشار في بقية العالم.  حالياً، القوى النووية الرئيسية هي الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، أي الولايات المتحدة وروسيا والصين والمملكة المتحدة (بريطانيا) وفرنسا، تليهما إسرائيل (ترسانتها غير مُعلنة)، والهند وباكستان وكوريا الشمالية). لكن للناتو أسلحة نووية في تركيا (50 رأس) وألمانيا (20 رأساً) وإيطاليا (40 رأساً) وحوالى 30 رأساً في هولندا وبلجيكا.

يُضاف الى هذا الواقع، أن هناك برامج نووية "واعدة" في أنحاء الشرق الأوسط، على رأسها طبعاً إيران التي، حين تستحوذ على سلاح نووي، ستُطلق العنان لتسلح نووي واسع النطاق في المنطقة. وقتها، لن يقتصر عدد الدول النووية على 8 فحسب، بل سنرى توسعاً يشمل عشرات الدول، وهذا سيُعقد أي جهود مستقبلية لمنع الانتشار، بما أنها غالباً متوقفة الآن نتيجة الحرب الأوكرانية.

المسألة الثانية المقلقة على مستوى الانتشار النووي (الطاقة النووية السلمية)، من مفاعيل الحرب الأوكرانية. ذاك أن النقاش الداخلي الأوروبي كان يميل الى السيطرة على انتشار الطاقة النووية، لمضارها البيئية (مثلاً البرتغال تعارض الطاقة النووية كون 4 مفاعلات اسبانية تُلوّث نهر تاغوس). اليوم، إضافة الى السويد وفرنسا واسبانيا وبلجيكا، تعمل رومانيا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا والمجر على بناء قدرات انتاج الطاقة النووية. هذا التوسع مثير للقلق، بيئياً، وهو نتاج الحرب الأوكرانية.

وهذا التوسع ليس حكراً فقط على أوروبا وروسيا والولايات المتحدة والشرق الأوسط، بل أيضاً يشمل شرق آسيا. الحدث الأهم في شرق آسيا هذا العام، وما زال في مطلعه، كان تصريحاً لرئيس كوريا الجنوبية يون سوك عن نشر بلاده "أسلحة نووية تابعة لدولة ثالثة على أراضيها، أو أن تُنتجها باستخدام تقنياتنا العلمية بسرعة".

كانت الولايات المتحدة تلعب دوراً في لجم الحلفاء قبل الخصوم، والحؤول دون امتلاكهم أسلحة نووية، هكذا منعت ألمانيا الغربية وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرهم من استحواذ القنبلة النووية في ستينات وسبعينات القرن الماضي. لكن من الواضح أن الوضع الحالي وتحول النظام العالمي باتجاه تعدد الأقطاب، لم يعد يُتيح لواشنطن لعب الدور ذاته، بما يفتح الباب لانتشار أوسع لم يشهد مثله العالم في تاريخه.

يقوم منطق منع انتشار السلاح النووي، غالباً على الحكمة القائلة إن علينا السيطرة على السلاح النووي، قبل أن يصير استخدامه واقعاً يُهدد العالم وسكانه وبيئته. لكن هذا التحذير يغفل غالباً الآثار المتواصلة للانتشار النووي، كمثل كارثة تشرنوبيل، أو مفاعل فوكوشيما بعد تسونامي عام 2004، والذي تنوي طوكيو الآن التخلص من 1.25 مليون طن مربع من المياه السامة في المحيط. رغم الادعاء بمعالجة هذه المياه المستخدمة في تبريد المفاعل، ما زالت مخاطر التلوث الواسع قائمة وتُقلق الدول المحيطة باليابان والمتأثرة حكماً بهذا القرار.

ما يُواجهه العالم اليوم هو انتشار نووي سلمي وحربي على وقع الحرب في أوكرانيا والتوترات الأميركية-الصينية في شرق آسيا، ومن الضروري لجمه لأن المتضرر الأكبر فيه حتماً هو البيئة والأمن الغذائي، قبل أن نتحدث عن ارتفاع احتمالات الإبادة إذا اتُخذ قرار باستخدام هذا السلاح الفتّاك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها