الثلاثاء 2023/02/21

آخر تحديث: 12:48 (بيروت)

نيكولا ستيرجن ونساء غير حديديات

الثلاثاء 2023/02/21
نيكولا ستيرجن ونساء غير حديديات
رئيسة الوزراء الاسكتلندية المستقيلة: "أنا إنسانة كما أني سياسية" (غيتي)
increase حجم الخط decrease
بعد ثماني سنوات في منصب رئيسة وزراء إسكتلندا، أعلنت نيكولا ستيرجن أنه قد حان الوقت لمغادرة موقعها. على العكس من الوضع في ويستمنستر، حيث تَتابع سقوط حكومات المحافظين على خلفية من الصراعات الداخلية والفضائح، فإن الدفة تحولت في إدنبرة بشكل هادئ وإن ظل مفاجئاً. كان قرار ستيرجن، وهي وجه الاستقلال الإسكتلندي، قراراً شخصياً، وليس جراء ضغوط سياسية قصيرة الأمد، بل بفعل تدبر عميق ومتأن بحسب نص استقالتها. فتقول إنها تعلم "عقلاً وقلباً" أنه الوقت المناسب للرحيل، مضيفة في موضع آخر أن إفساح مكانها لشخص آخر جاء "غريزياً تماماً". وبحس دعابتها وببعض السخرية الذاتية من نبرتها العاطفية، تقول ستيرجن: "لا أتوقع أن أسمع موسيقى الكمنجة"، قبل أن تضيف أكثر جمل خطبة وداعها تأثيراً: "أنا إنسانة كما أني سياسية".

بلا شك يُتوقع أن تكون لاستقالة الوزيرة الأولى تبعات ليست بالهينة على حزبها، وكذا على السياسة في بلدها الصغير وفي بريطانيا بالعموم. فحلم الاستقلال الإسكتلندي فقد مع رحيلها الكثير من زخمه، ومن المتوقع أن تتراجع شعبية الحزب الوطني الإسكتلندي من دونها، وقد يقود هذا إلى استعادة حزب العمال بعضاً من شعبيته المفقودة في إسكتلندا، ما يعزز التوقعات بتحقيقه فوزاً كاسحاً على المحافظين في الانتخابات العامة القادمة. إلا أن أعمق بصمات ستيرجن في السياسية، سواء أثناء عملها أو في استقالتها، هو تغييرها للتصورات من النساء في مواقع القيادة.

كما في كل مكان آخر، تحكم السياسة البريطانية مجموعة جاهزة من القوالب التاريخية، نموذج "المرأة الحديدة" مارغريت ثاتشر، حاضر دائماً، ويُستدعى بشكل دوري. قالب المرأة القوية التي لا تعرف معنى التردد، بالشعار الثاتشري الأثير، "لا رجوع للخلف"، وقيمها النيوليبرالية باردة القلب وشديدة القسوة، وعبارتها التي دخلت معها التاريخ، "لا شيء اسمه المجتمع"، امرأة حرب الفوكلاند والاضطرابات في إيرلندا الشمالية والمعركة الدموية مع النقابات وعمال المناجم. لا شبح أكثر حضوراً في ساحة السياسية في بريطانيا أكثر من ثاتشر.

حين صعدت تيريزا ماي لرئاسة الحكومة، تمت قولبتها بشكل آلي داخل النموذج الحديدي، قبل أن يثبت سريعاً أنها لم تكن مناسبة له، وتبعت ذلك هزيمتها السريعة في معركة البريكزت. أما في ولاية ليز تراس، شديدة القصر، فالهوس بالعناد الثاتشري وصم الآذان عن النقد، وكاد يدفع بالاقتصاد البريطاني إلي حافة الانهيار، قبل أن تجبر تراس من قبل حزبها على استقالة مهينة. كان رحيل ثاتشر مماثلاً، حين أجبرها حزبها على الاستقالة، بعدما أضحت معزولة تماماً عن كل من حولها.

ليست ثاتشر مجرد نموذج أنكلوفوني وليست تنميطاً مقتصراً على السياسية. فنموذج النساء الحديدات تم تعميمه كمزاوجة للنسوية مع القيم البطريركية، بحيث يصبح تحقق المرأة المهني كاملاً أو بالأحرى ممكناً، فقط حين تتقمص الصفات الذكورية، بل وتبالغ في الذهاب بها إلي حدها الأقصى.

في اليوم التالي لاستقالتها، نشرت جريدة "الإندبندنت" البريطانية كاريكاتيراً يصور ستيرجن مقطوعة الرأس، وكتب أسفله: "ثاتشر إسكتلندا". أثار الكاريكاتير غضباً سياسياً، إذ اعتُبر مساهمة في ثقافة العنف ضد النساء في الحياة العامة. أيضاً لا تبدو المقارنة بين المرأتين مقنعة، إلا أن ستيرجن نفسها لا تنفي صِلة بالمرأة الحديدية، بل تؤكدها. في العام 2015، وحين سُئلت في لقاء تلفزيوني عن ثاتشر، ردت بأنها تربت على عدم الإساءة إلى الراحلين، ولذلك ستكتفي بالقول إن ثاتشر هي من حفزها على الدخول في معترك السياسة، فهي ببساطة كرهت كل سياساتها.

لم تدخل ستيرجن في قالب ثاتشر، بل على العكس قدمت النموذج المضاد للمرأة الحديدية. هي ضمن جيل جديد من السياسيات، يثبتن إمكانية التحقق في المجال العام، من دون الحاجة للتماهي مع القيم الذكورية، وبإعادتهن الاعتبار للعاطفي والإنساني والغريزي في السياسة.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها