الإثنين 2023/02/20

آخر تحديث: 07:14 (بيروت)

لبنان_سوريا:الهزة الارتدادية الأعنف

الإثنين 2023/02/20
لبنان_سوريا:الهزة الارتدادية الأعنف
increase حجم الخط decrease

الهزات الارتدادية لزلزال الاناضول المدمّر لم تهدأ، ولعل أعنفها حتى الآن تلك التي خرقت جدار الحصار على نظام الرئيس السوري بشار الاسد، بدوافع انسانية ونوايا سياسية، من دول عربية وأجنبية متعددة..سبقها لبنان وتقدم عليها في كسر الحواجز النفسية مع دمشق، متجاهلاً التحذيرات الاميركية الملتوية شبه اليومية..

لا جدال في حقيقة أن الاسهام اللبناني والشعبي في إغاثة منكوبي الزلزال في سوريا (وتركيا أيضا) يسمو على أي خصومات أو خلافات، ويحفظ للبنان رصيده كدولة ذات معايير أخلاقية معقولة، لا سيما تجاه اشقائها وجيرانها الاقرب، الذين قد تحتاجهم يوماً ما في مواجهة كارثة طبيعية ما. وهي لذلك لم تكن بحاجة الى التردد أو التريث أو طلب الاذن من الاميركيين او سواهم..ولا كانت بحاجة ربما الى البحث بالتوجه نحو مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة النظام، (وعن معايير الثورة أيضا)، برغم ان تلك المناطق منيت بأكبر الخسائر البشرية والمادية.. مع أن الخيار ما زال متاحاً لإرسال مساعدات الى الجمعيات الاهلية السورية العاملة على نجدة منكوبي الزلزال في ذلك الجزء من الشمال السوري، من دون المرور طبعا عبر جبهات "تحرير الشام" و"احرار الشام" وفرق "العمشات" و"الحمزات" وغيرها من الميليشيات السورية القاضية على مستقبل سوريا وشعبها.

مع ذلك، فإن المبادرة اللبنانية تجاه الاشقاء السوريين اينما كانوا، هي خطوة تستحق التقدير، والتحذير من مغبة أن يبالغ لبنان في قراءة القرارات العربية والاجنبية بالانفتاح على نظام الاسد، وان يحتفظ لنفسه بهامش خاص لتصحيح أي خطأ يمكن ان يرتكب في هذا السياق، فلا يتسرع ولا يتحدى، بل يدرس بهدوء وموضوعية، كيف يمكن ان يحقق الحد الاقصى من المكاسب نتيجة رفع مستوى التواصل والتفاهم مع دمشق، من دون أن يعيد الى الاذهان الفترة المشؤومة التي سادت العلاقات اللبنانية السورية على مدى العقود الخمسة الماضية، والتي لا تزال عواقبها ظاهرة على جانبي الحدود بين الدولتين والشعبين.

لا يمكن لأحد أن يُنِكر تلك المشاعر المتضاربة بين اللبنانيين إزاء أي زيارة لبنانية، رسمية او خاصة، علنية او سرية، الى دمشق. من جهة، ثمة خوفٌ لا شك فيه من ان تستعاد تلك الصلات القديمة البائسة، يقابله ابتهاج لا نقاش فيه بأن الامور، على خط بيروت دمشق، عادت أو هي في طريق العودة الى أصلها الطبيعي، ولن يصح إلا الصحيح الذي يتمناه كل ماروني مرشح لرئاسة الجمهورية وكل شيعي مرشح لرئاسة مجلس النواب وكل سني مرشح لرئاسة الحكومة.. والموسم في ذروته الآن، وقد بدأ قبل الزلزال، عندما جرى استحضار دور سوري ما من قبل بعض المرشحين، كبديل أخير، عن أدوار عربية وأجنبية توسلها اللبنانيون طويلاً، ومن دون نجاح يذكر حتى الآن.

الانفتاح اللبناني على النظام في دمشق شرعي وضروري ولا يخضع لتوقيت خاص، لا سيما وأنه لم يعد هناك أثرٌ للمعارضة السورية الشرعية والضرورية والحقيقية، سوى في الشتات. صحيح أن لبنان لا يستطيع ان يطمح الى إعتماد السيناريو التركي في مقاربة العلاقة مع النظام السوري، حيث ترتبط خطوات التقارب(والتطبيع) بين انقرة ودمشق بالوقائع على أرض الشمال السوري، وبما تقدمه سوريا من ضمانات أمنية وعسكرية وبما تستعيده من نازحين سوريين. فكرة تحويل قضية النازحين السوريين من عقدة الى فرصة لبنانية سورية جديدة، جديرة بان تحظى بالاولوية المطلقة، بحيث تسحب من التداول عناصر الاشتباك اللبناني غير المجدي وغير الواقعي مع الهيئات الدولية الداعمة للنازحين، بحجة أنها تمنع عودتهم الى أراضيهم وبيوتهم، ويجري التركيز على الدخول في تفاوض جدي مع النظام في دمشق حول واجباته ومسؤولياته عن استعادة هؤلاء المهجرين، كمدخل رئيسي لتطوير العلاقات الثنائية بين دولتين وشعبين تربطهما الكثير من القيود التاريخية والعُقد النفسية التي ليس لها علاجات سهلة وسريعة.
  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها