الجمعة 2023/01/27

آخر تحديث: 15:07 (بيروت)

عضلات أميركية مفتولة في لبنان

الجمعة 2023/01/27
عضلات أميركية مفتولة في لبنان
increase حجم الخط decrease

ليس بالإمكان وصف الأيام الماضية سوى بقرار أن يطل النفوذ الأميركي في لبنان برأسه للظهور قليلاً أمام من يُشكك في قدراته. ذاك أن من الصعب الفصل بين مجموعة الأحداث التي حفلت بها الأيام الماضية، وتحديداً بين الارتفاع الصاروخي لسعر صرف الدولار من 40 الى 60 ألفاً، وعقوبات وزارة الخزانة الأميركية على شركة صيرفة وتحويلات بدعوى ارتباطها بـ"حزب الله"، والتصعيد الحاصل في ملف تحقيق المرفأ، وأخيراً القرار بدفع مساعدات مالية بالدولار الى عناصر الجيش والقوى الأمنية في لبنان.

أولاً، من أجل فهم مستوى الارتفاع في سعر الدولار، وبشكل غير طبيعي، مقارنة بوتيرة الارتفاع الأبطأ خلال الشهور الماضية، علينا النظر الى العراق، والقرار الأميركي بالضغط على إيران من خلاله. 

في العراق، ونتيجة إجراءات أميركية بتقليص كمية الدولارات الورقية التي تدخل السوق المحلية، خسر الدينار العراقي أكثر من 7 في المئة من قيمته خلال شهرين. ذاك أن السلطات العراقية تسدد للجانب الإيراني بالدينار العراقي، المستحقات المترتبة عليها نتيجة استقدام الكهرباء من ايران (السعر الرسمي للدولار هو 1470 دينار)، فيما سعر السوق السوداء وصل للـ1670، وفقاً لموقع الجزيرة). بدأت الولايات المتحدة بفرض إجراءات جديدة منذ منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بينها التدقيق في التحويلات، وضمان التزام العراق بضوابط قلّصت حكماً القدرة على ادخال الدولارات للبلاد بالكميات السابقة (انخفضت بنسبة تسعين بالمئة)، وكذلك تحويله الى لبنان، بحسب تصريحات إعلامية عراقية.

هل هناك رابط بين ارتفاع سعر الدولار في العراق، والوتيرة المرتفعة لصعوده في لبنان؟ الأرجح كذلك، سيما أن العقوبات الأميركية الأخيرة تستهدف إلى جانب حزب الله، مصرف لبنان بشكل غير مباشر، بما أن الشركة المستهدفة حاصلة على ترخيص منه. ومحاولة ضبط التحويلات العراقية الى لبنان، بغض النظر عن المستفيد منها، تُقلّص الكمية المتوافرة في البلاد، وتساهم في رفع سعر الصرف.

لكن ما السياق السياسي الاقليمي لهذا الارتفاع؟

أولاً، هناك حملة عقوبات جديدة بلغب ذروتها في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وتصل الى معدل أسبوعي وفقاً لتقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" عن تقاطع أميركي مع إسرائيل في هذا المجال، ومحاولات حثيثة لوقف نقل المسيرات الإيرانية الى روسيا لدورها في تعديل مسار حرب أوكرانيا.

لكن العقوبات والضغط المالي والاقتصادي ليس وحده على الطاولة، رغم كونه الوحيد الظاهر الآن. هناك تنسيق أميركي-إسرائيلي على مستوى مستشار الأمن القومي لمواجهة ايران خلال المرحلة المقبلة، بعد حسم الفشل في المفاوضات النووية معها. صحيح أن إسرائيل والولايات المتحدة أجرتا مناورات عسكرية مشتركة، عرضت فيها واشنطن قدراتها الجوية على ضرب المنشآت الإيرانية، لبعث رسالة قوية الى طهران بأن الخيار العسكري على الطاولة، إلا أن الأرجح اللجوء الى خيارات أمنية وسيبرانية بالمرحلة المقبلة، على غرار مرحلة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. بيد أن السياسة الأميركية الحالية تُعاود تفعيل النهج السابق، أكان لجهة الضغوط القصوى عبر العقوبات، ومحاولة محاصرة العلاقات الإيرانية-الصينية عبر الضغط على بكين، أو لناحية الضربات الأمنية والتنسيق مع إسرائيل فيها، بمعزل عن الخلافات السياسية مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

يبقى السؤال الأساسي هنا، كيف ترد ايران وحلفاؤها على هذا التصعيد؟ هل الرد بالعودة للمفاوضات والتنازل لمصلحة الطرف الآخر، أو عبر صفقات على القطعة، أو التصعيد الشامل؟ بالنظر الى السياسة الإيرانية السابقة، الأرجح أن نرى مزيجاً بين الصفقات على القطعة في مناطق نفوذ ايران، وبين التصعيد بأشكال مختلفة دون المواجهة المباشرة.

لكن هذا المسار ما زال اليوم في بداياته، ومن المنطق أن يسبق تصعيد أمني وعسكري أي تفاوض على صفقات موضعية (كمثل الوصول الى اتفاق على تسويات مرحلية في لبنان دون الحل الشامل طبعا)ً. بيد أن قطار حملة تشديد العقوبات انطلق للتو، وما زالت محطة التسويات بعيدة والرحلة اليها محفوفة بالمخاطر.










increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها