الإثنين 2023/01/23

آخر تحديث: 07:43 (بيروت)

أيها السيلفي، نحن قادمون!

الإثنين 2023/01/23
أيها السيلفي، نحن قادمون!
increase حجم الخط decrease

لم يكن هناك كلام يُلخص اعتصام بعض النواب التغييرين في البرلمان اللبناني لتسريع انتخاب رئيس، أكثر مما جاء على لسان أحد زملائهم، بأن التحرك استهدف "الإعلام الدولي". ذاك أن الإخراج وما رافقه من حركات تصوير للمخيم الكشفي للنواب في العتمة، لا يُمكن صرفه محلياً: هذه البضاعة لا يوجد من يشتريها في لبنان، بل على من يريد بيعها أن يبحث عن زبائن لها في الخارج. 

ليس هناك من يرى جدوى لهذه المجموعة ومعنى لها في الداخل اللبناني حيث تتراكم الهموم المعيشية والمخاطر الأمنية والسياسية، ومعها احباطات المتأملين في مخارج واقعية من هذه المآزق. لا وقت لمجموعة فشلت في الاتفاق على مرشح رئاسي مقنع، وبات جُل هدفها انتخاب أي رئيس، وكأنها صديق ناصح للساسة اللبنانيين. 

وحده الاعلام الخارجي بعدسته العريضة والمتقطعة والانتقائية وضحالة تغطيته لبلد صغير، بإمكانه أن يصنع قصة من هذا الحراك، في حين ستمل الكاميرات المحلية قريباً من مشهدهم المكرر. ما نراه هو الحدث، بدايته كنهايته. نواب قرروا المبيت في البرلمان، وهم أقرب للهو من الاعتصام إذ يلتقطون صور السلفي باستمرار وكأنهم في رحلة سياحية، لا في عمل نضالي ضد طبقة سياسية أغلبها من مجرمي الحرب السابقين، ويقودها حزب يملك عشرات آلاف المقاتلين وصواريخ باليستية وطائرات مُسيّرة. ربما هم يعرفون أن الطبقة السياسية لن تواجههم أو تعيرهم اهتماماً، ولن يدفعوا الناس للاحتجاج معهم، ليس لأن الاعتصام غير مؤثر كأداة سياسية، ولا لأن الوضع على ما يُرام، بل لأن أحداً لم يعد يأخذهم على محمل الجد. 

هذه هي حصيلة عملهم خلال8  شهور لأسباب أولها أن هؤلاء النواب لا يُمثلون امتداداً للحركة الاحتجاجية التي حملتهم للبرلمان. جميعهم باستثناءات قليلة، قطعوا الصلة بالمجموعات التي تبنت ترشيحهم، وأسسوا أو يُؤسسون لأحزاب صدفية، ويبتعدون عن أي محاولة تنظيمية لا تتمحور حول شخصهم. 

ثاني أسباب فقدان المعنى والجدوى هو سلوكهم السياسي، أكان بالانقسام والتخبط في ما بينهم، أو في تحالف بعضهم مع وجوه تقليدية بالسياسة.

السبب الثالث، وربما الأهم، هو عدم قدرتهم على الابتكار في السياسة والخطاب، ناهيك عن التأثير في الناس أو إلهامهم بنهج أو قدرة خارجة عن المألوف، أو حتى بالحد الأدنى، تقديم نموذج مختلف في البرلمان، واستغلال المنبر المتوافر حالياً أمامه(ا). 

كان من الضروري اتباع مقاربة مختلفة تنتهي الى مواجهة أوضح مع أركان الطبقة السياسية.

أين متابعة عمليات نهب المال العام، سابقاً وحالياً؟ هل هناك بينهم من يرصد ملفات السرقات التي حصلت في قطاعات الطاقة والاتصالات والصحة والبيئة والأشغال، ويفضح جوانب جديدة منها؟ في ظل انهيار رواتب موظفي القطاع العام، وارتفاع النقمة حتى وسط الحزبيين، هناك إمكانات وفرص لاكتشاف المزيد من الفضائح، وبإمكان هؤلاء النواب اقتناصها لو أرادوا. 

لماذا لم يعقد هؤلاء النواب مؤتمراً صحافياً لاعلان بعض المستفيدين من عمليات التدخل في السوق المالي وفقاً لأسعار منصة صيرفة، في حال تحديدهم، أو على الأقل السعي لذلك؟ ملاحقة فضائح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والتواصل مع السلطات الدولية التي تُحقق فيها، مفيد في هذا المجال.

حتى في قضية التحقيق في انفجار المرفأ، لا يكفي رفع صور الضحايا والتظاهر مع أهاليهم، على أهمية دعمهم في ظرف كإعتقال وليم نون أخيراً. المطلوب محكمة شعبية خارج البلاد أو متابعة خيوط الجريمة وأصحاب شحنة النترات، والتقصير الحكومي في حفظها، ومواصلة الضغط في هذا الاتجاه لكشف الحقائق أمام الرأي العام.

مثل هذه المقاربة تضمن مواجهة أقسى مع أركان الطبقة السياسية، يتحول فيه هؤلاء النواب إلى خصوم فعليين يُمثلون تهديداً ومصدر ازعاج دائم. هذا هو المعبر الإلزامي الى ثقة الناس، وليس اجترار الخطاب ذاته وتضخيم معارك وهمية وجذب انتباه قصير الأمد. وإلى حين الاستدارة بهذا الاتجاه، يبدو أننا أمام جولة سياحية تستدعي الكثير الكثير من صور السيلفي. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها