الثلاثاء 2023/01/17

آخر تحديث: 07:49 (بيروت)

بوتين..تشكيلات وقف الحرب أم تصعيدها

الثلاثاء 2023/01/17
بوتين..تشكيلات وقف الحرب أم تصعيدها
increase حجم الخط decrease

في 11 الشهر الجاري أجرت وزارة الدفاع الروسية تشكيلات دورية في قيادة "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، حل بموجبها قائد الأركان الروسية فاليري غيراسيموف مكان القائد السابق سيرغي سورافيكين. وجرى تعيين الأخير نائبا لقائد العملية إلى جانب جنرالين آخرين. وتتواصل التخمينات حول الهدف من التشكيلات الجديدة بعد أن جرى تغيير قائد العملية أكثر من مرة منذ إندلاعها في شباط/فبراير العام المنصرم. والمستهجن في التشكيلات الجديدة هو تعيين قائد الأركان مكان القائد السابق، حيث من المفترض أن تتولى قيادة الأركان كل شؤون الجيش الروسي وعملياته وهو من صلب صلاحياتها في كل جيوش العالم. وهذا الأمر جعل الكثيرين يفسرونه بأن الأركان العامة كانت مستبعدة من "العملية الخاصة"، ويشرف على تسييرها مكان آخر. لكن التفسير الذي يجمع عليه معظم المراقبين والمحللين أن التشكيلات الجديدة تمهد للهجوم الروسي في الربيع القادم. ويرفع من حظوظ هذا التفسير ما أعلنته وزارة الدفاع من أن للتشكيلات ترتبط بتوسيع مهمات "العملية الخاصة"، ورفع مستوى التنسيق بين مختلف أسلحة القوات المسلحة، وكذلك رفع مستوى تأديتها وفعلية قيادتها. وتدعم وزارة الدفاع تبريرها للتشكيلات بتعيين قائد العملية السابق سورافيكين وقائد سلاح المشاة ونائب قائد الأركان نواباً للقائد الجديد.

صحيفة القوميين الروس Sp نشرت في 14 الجاري نصاً بعنوان ""إختراق غيراسيموف" الربيعي، هو ما يخشاه الغرب"، وأرفقته بآخر ثانوي "كلما تنوعت التقنيات التي يرسلها الناتو، كلما إبتعدت أوكرانيا عن إنشاء جيش جاهز فعلاً للقتال".

تغلب على نص الصحيفة لغة البروباغندا المعهودة في كل نصوصها. لكن معظم النص كرسته لمقتطفات موجزة مما نشره الإعلام الغربي من تعليقات على التشكيلات الجديدة. قدمت للنص بالقول أن مهمة غيراسيموف الرئيسية ـــــ شن هجوم ربيعي حاسم، حيث سيتعين عليه طرد القوات الأوكرانية بعيداً عن حدود الدونباس التي يخطط الجيش الأوكراني شن "عمليات تخريبية" منها.

تنقل الصحيفة عن CNN قولها بأن الأشهر القادمة ستكون حاسمة في ظل قيادة غيراسيموف، حيث سيتم زج قوات الإحتياط في المعركة من الذين تم تجنيدهم في ربيع السنة الماضية. ولأنه كان ويبقى قائد الأركان العامة بوسعه تحسين التنسيق بين مختلف أسلحة القوات المسلحة، وهو ما يشكل المهمة الرئيسية عشية الهجوم الحاسم. كما سيجمع غيراسيموف بين قيادته المباشرة للحملة في أوكرانيا مع دور المفاوض الرئيسي مع الولايات المتحدة بشأن تسوية النزاع. إضافة إلى المرات العديدة التي تواصل فيها غيراسيموف مع القيادة العسكرية الأميركية خلال العام المنصرم، إتصل آخر مرة مع قائد أركان الجيوش الأميركية مارك ميللي في تشرين الثاني/نوفمبر حين وقعت القذيفة الأوكرانية الضادة للصواريخ في بولونيا (حينها أكدت جميع المصادر أن صاروخاً روسيا تحطم فوق قرية بولونية). 

تقول الصحيفة لاحقاً بما لا يفهم منه إن كانت تواصل النقل عن CNN أو أنها تعلق على الكلام. فترى أن غيراسيموف قد يستخدم الجمع بين موقعيه للضغط في المفاوضات على الولايات المتحدة، وهو ما يتناسب كلياً مع إستراتيجية الحرب الهجينة التي أدخلها غيراسيموف العام 2013  في العلم العسكري الروسي. 

تنقل الصحيفة عن معلق في ال"واشنطن بوست" قوله بأن غيراسيموف أمام تحدٍ جدي بجعل "العملية الخاصة" عالية التقنية أكثر. فالوسائل منخفضة التقنية التي تستخدم الآن في حرب الإستنزاف التي تقتصر على تبادل القصف المدفعي وعمليات الدبابات لم تعد كافية في هجوم الربيع. غيراسيموف سوف يزود القوات المهاجمة ليس بالأسلحة الحديثة، بل بالأسلحة عالية التقنية، والتي تتضمن الطائرات المسيّرة، الأسلحة المتحركة ووسائل الإرشاد عبر الأقمار الإصطناعية. كما على غيراسيموف تعزيز الإتصالات بين القوات المهاجمة والمدافعة. 

موقع INOSMI في نوفوستي المتخصص بترجمة الصحافة العالمية نقل في 15 الجاري عن المطبوعة الكرواتية Advance قولها في العنوان الطويل لنصها عن تعيين غيراسيموف قائداً لمجموعة القوات الروسية في أوكرانيا بأنه "أهم قرار عسكري لبوتين"، وبأنه "ضربة قوية لأنصار الإجراءات المتشددة، نهاية مرحلة التراجعات وبداية مقاربة جديدية نهائية". تقول المطبوعة أن القرار سيسمح لروسيا في المستقبل القريب بتغيير مسار "العملية الخاصة" بعمليات هجومية واسعة ونشيطة".

ترى الصحيفة أنه حين تجري مناقلات في القيادات العليا في خضم الصراع المسلح، فهذا يعني أن الأمر ليس كما يرام. منذ مدة قريبة أجرت روسيا عملية مناقلات وسط القيادة، ومن جديد تبدل قيادات"العملية الخاصة". 

تقول الصحيفة أن قائد العملية السابق سيرغي سورافيكين معروف في الإعلام كشخص متصلب وقاسٍ يستطيع أن يغير الواقع على الأرض في فترة قيادته "العملية الخاصة"، "لكن هذا لم يحصل كما نرى". وتلقت روسيا في فترة قيادته ضربات قاسية، وكان إستبداله "متوقعاً جداً"، لكن حلول غيراسيموف مكانه "اثار دهشة الكثيرين". 

وتشير الصحيفة إلى أن المدونين وناشطي التواصل الإجتماعي الروس المعادين للغرب ينتقدون بشدة فاليري غيراسيموف. والسبب الأول لهذه الإنتقادات هو الميزانية الكبيرة التي أنفقتها روسيا في عهده (يتولى قيادة الأركان منذ العام 2012) لتحديث الجيش الروسي وتسليحه، لكن من دون نتيجة. فالكثيرون كانوا يتوقعون أن تخوض روسيا الحرب في أوكرانيا كدولة عظمى، لكن، وبدلاً من ذلك، تخوض المعارك على المستوى عينه مع أوكرانيا. صحيح أن أوكرانيا تتلقى إمدادات سلاح كبيرة من الغرب، لكن الصحيح أيضاً أن مقاتليها يتمتعون بروح معنوية أرفع بكثير مما لدى الروس. 

حين بدأ وضع روسيا على الجبهة يتدهور جدياً، بدأت حملات إنتقاد حاد تشن على غيراسيموف، وخاصة من رئيس مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين والزعيم الشيشاني رمضان قاديروف. بلغ الرجلان في إنتقادهما غيراسموف بأن إتهماه بتدمير الجيش الروسي، ووصفاه بأنه ضعيف يتوارى بعيداً عن الجبهة. لم يتناول كلا الرجلين بوتين بالإنتقاد، مع العلم أن إنتقاد غيراسيموف هو، بمعنى ما، إنتقاد لبوتين، لكنهما لم يوفرا وزير الدفاع سيرغي شويغو من إنتقادهما. 

ترى الصحيفة أن تعيين غيراسيموف كان رسالة من بوتين لمن كان يتوقع ويطالب بإقالته من منصبه. وتقول بأن روسيا تكشف عاهاتها المزمنة  في الفترات الآولى من حروبها، ثم تعمل على تسويتها لاحقاً. والمرحلة التي قاد فيها سيرغي سورافيكين والقائد الذي سبقه تميزت بكونها مرحلة كشف العاهات، ولذلك جاء تعيينه نائباً لقائد العملية، وليس إقالته، رسالة من بوتين لمن بنى حساباته على إبعاد "الفاشلين" من منافسيه. 

مدونة نشرت على موقع Kasparov المعارض نصاً مقتضباً بعنوان يعني ما الفائدة من المناقلات. ترى أن الجميع مصدوم من جماعة بريغوجين حتى العسكريين، فهم لا يفهمون معنى القرار، وبعض العارفين يعتبرونه خطوة "بنت لحظتها" ومفاجئاً. وهو ليس ترفيعاً لغيراسيموف، ففي الفترة الأخيرة تتخذ الخطوات ليس لبلوغ أمر ما، بل لتفادي أمر ما. وبما أنه ليس من "إنجازات" في الفترة لأخيرة، بوتين غارق في المناظرات بشأن المسائل الروسية الأبدية: "من المسؤول" و "ما العمل"؟ 

الخلاصة: بوتين يبحث عن تكتيك فعال في ظل الخسارة "الزاحفة"، ويحاول إعادة ترتيب حجارة الشطرنج. غيراسيموف يبدو له مقنعاً الآن، لكن غداً سيبدو له شخص آخر، ويذهب غيراسيموف. كم مرة وجه بوتين الإهانة علناً لكبار مرؤوسيه، "كلهم حمقى"، لكن لا يوجد سواهم. هذا هو منطق قرار بوتين. لكن المشكلة ليست في الأشخاص، بل في المهمات المطروحة. 





increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها