الأحد 2023/01/01

آخر تحديث: 08:11 (بيروت)

ترامب..الإمبراطور العاري

الأحد 2023/01/01
ترامب..الإمبراطور العاري
increase حجم الخط decrease

توّج الحزب الديمقراطي ملاحقته الرقابية الحثيثة للرئيس السابق دونالد ترامب في آخر خطوة لغالبيته التشريعية في مجلس النواب بنشر ملفاته الضريبية لست سنوات بينها فترة ولايته، والتي أظهرت صورة مريبة حقيقية وموثقة تختلف كليًا عن إطار النجاح الباهر الذي جهد طوال حياته العملية لتكريسه حول شخصه، والذي كان مدخله الإستثنائي الى الحياة العامة والرافعة الأساسية لحملته الانتخابية التي أوصلته الى البيت الأبيض عام 2016، قبل أن يجنح انقلابيًا بعد خسارته لمنصبه عام 2020، ليتحول الى أكثر سياسي ملاحق قضائيًا، وعرضة لعقاب القانون الذي قد يودي به الى السجن.

ففي يوم العمل الأخير للغالبية الديمقراطية في الكونغرس، وفي آخر يوم عمل في 2022، وضعت لجنة المال والموازنة في الكونغرس ملفات ترامب الضريبية عن أعوام 2015-2020، في متناول الإعلام والجمهور، بعدما نجحت قبل أسابيع فقط في الحصول عليها بعد سنوات من الدعاوى القضائية التي رفعها ترامب للإبقاء على سريتها، خارقًا بذلك العرف السائد منذ فضيحة ووترغيت التي أطاحت ريتشارد نيكسون عام 1973، وجعلت كل مرشح لمنصب سياسي مهم يكشف عن ضرائبه وعائداته المالية. لم تخيب اللجنة أمل خصوم ترامب في قرارها، كما لم تخيب الملفات ظنون المنتظرين فجاءت غنية بالتفاصيل التي اماطت اللثام عن ادعاءاته الباهرة.

لم تقتصر المعلومات على توضيح صورة ترامب كرجل اعمال فاشل اعلن افلاس شركات يملكها مرات عديدة، ويستثمر في التهرب من الضرائب والتحايل المالي وحسب، بل كشفت الحقيقة البائسة لـ "إمبراطوريته" التي بدت كشبكة متداخلة من المشاريع والاستثمارات التي تشترك في ميزة واحدة ودائمة هي الخسائر التي يستخدمها لخفض تكليفه الضريبي وفق آلية احتيالية معقدة اتاحت له تهريب ملايين الدولارات سنويًا من خلال تحويلات ومدفوعات شكلية بين حساباته وحسابات أولاده البالغين و150 شركة مسجلة باسمه في اميركا واوروبا وآسيا، وهو السلوك الذي رافقه الى البيت الأبيض حيث زاد مدخوله المحقق من 14 الف دولار عام 2015 الى 373 الفًا عام 2017، ولم تحقق مصلحة الضرائب في عائداته لسنتين، مع أن بياناته الضريبية تشير الى أنه دفع مبلغ 750 دولارًا فقط لكل من عامي 2016 و2017، ومليون دولار عام 2018، و133 الفًا عام 2019، ولا شيء عام 2000، وقدر حجم خسائره الواردة في بيانه الضريبي لذلك العام بـ 58 مليون دولار معظمها يعود لسنوات سابقة. 

واحتفظ ترامب خلال السنتين الأوليين من رئاسته بحسابات مصرفية في الصين وبريطانيا، وطالب بحسومات ضريبية مقابل الضرائب التي سددها في دول أخرى. ويتضح من مراجعة الملفات التي نشرتها اللجنة والتقرير الموسع الذي سبق لصحيفة نيويورك تايمز عام 2018، أن ترامب لم يدفع أي ضرائب لعشر سنوات بين عامي 2005 و2020. وأن الثروة التي ورثها عن ابيه والمقدرة بـ 413 مليون دولار شكلت على الدوم طوق النجاة المالي له ولشركاته.

اذا أضيفت المضاعفات القانونية المحتملة للملفات الضريبية الى احتمال الادعاء عليه بناء على تقرير اللجنة البرلمانية الخاصة التي حققت في اقتحام الكونغرس من قبل أنصاره لمنع الإنتقال السلمي للسلطة والذي ارفق بتوصية الى وزارة العدل لمقاضاته على جرائم التحريض والتآمر وعرقلة المؤسسات الدستورية ومحاولة تزوير نتائج انتخابات الرئاسة، والى الدعوى المرفوعة على مؤسسته القابضة في نيويورك بتهم الإحتيال والتهرب الضريبي، ستكون سنة تراب الجديدة ملبدة بالمخاطر القانونية التي يزيد منها تحقيق المدعي العام جاك سميث، المكلف النظر في وقائع سرقة الوثائق السرية من البيت الأبيض واحداث السادس من كانون الثاني/يناير 2021، وتحقيق ولاية جورجيا في محاولة تزوير نتائج انتخابات الرئاسة فيها.

منذ اقتحم ضباط مكتب التحقيق الفدرالي منتجع ترامب الخاص مارلاغو في ولاية فلوريدا في آب الماضي بدا وكأن الرجل الذي نجح لعقود في الإفلات من العقاب من خلال تعسفه في استخدام النظام القضائي وتكوين رأي عام مناصر له عبر استخدام الإعلام والتلفزيون ليظهر وكأنه محسود بسبب نجاحه الفائق، ومستهدف لأنه لا ينتمي الى الطبقة السياسية، سيكون عليه الإستعداد لتسديد حساباته القديمة والجديدة أمام القضاء الذي لا يتساهل عادة عندما يتعلق الأمر بشخصيات عامة تنتهك القانون، بعكس أثرياء القطاع الخاص الذين يستثمرون في المحامين أكثر من أي وجه آخر في مصالحهم، ويتمكنون عادة من الحصول على تسويات لصالحهم تعفيهم من العقاب.

في العام 2015، دخل ترامب الحياة السياسية كعاصفة متكاملة، ويقتضي الإنصاف القول أنه صنع تاريخًا مشهودًا بناء على رواية تقدمه كصاحب امبراطورية من الإنجازات، لكن أضواء السلطة التي تبهر في انحاء مختلفة من العالم تتحول الى أضواء كاشفة في واشنطن، وهي أضواء تسلطت على ترامب لتظهره في نهاية المطاف امبراطورًا عاريًا لن يعفيه ترشحه الثالث للرئاسة من مواجهة العدالة. 


                     

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها