الإثنين 2022/09/26

آخر تحديث: 11:41 (بيروت)

الخاسر الوحيد من افتتاح معابر الشمال السوري

الإثنين 2022/09/26
increase حجم الخط decrease

حتى ساعة كتابة هذه السطور، تبدو الاحتجاجات "الافتراضية"، على فتح معبر "تجاري" بين المعارضة والنظام، خافتة، فيما تغيب أية احتجاجات شعبية على الأرض، خلافاً لما حدث قبل سنة ونصف السنة، حينما انتشر وسمٌ معارض في مواقع التواصل الاجتماعي، وانفجرت احتجاجات شعبية في شمال غرب البلاد، وصفت فتح المعابر بأنها "خيانة لدماء الشهداء"، وذلك بعيد شيوع أنباء عن تفاهمات تركية – روسية بهذا الخصوص، نفتها أنقرة لاحقاً.


وفيما تسارع "هيئة تحرير الشام"، الخُطى نحو فتح معبر "ترنبة"، في جنوب شرقي إدلب، أُجهضت محاولة لفتح معبر "أبو الزندين" بريف حلب الشرقي. ذاك أن قوى ميليشياوية، على ضفة النظام، لا تريد خسارة احتكار طرق التهريب الناشطة، لصالح المعابر الرسمية. لكن تلك المقاومة ستتعرض للضبط، ويتم إزاحتها من المشهد. إذ أن عاملين تغيرا خلال سنة ونصف السنة، بصورة تجعل عودة تلك المعابر للنشاط، أمراً مرجحاً.


أما العامل الأول فهو معارضة الشارع في إدلب وريف حلب، للتطبيع الاقتصادي مع النظام. فالناس هناك منهكون معيشياً، وكثيرون منهم باتوا ينظرون بإيجابية الى احتمال تدفق سلع من مناطق النظام، بأسعار أرخص، من تلك التي تصلهم عبر قنوات التهريب وتخضع لأتاوات باهظة. كذلك، تراهن قطاعات إنتاجية، زراعية بصورة أساسية، على تصدير منتوجاتها إلى مناطق سيطرة النظام. فيما يبدو أن التجار، وقادة الفصائل، أبرز المراهنين على فتح المعابر. إذ ستنشط الصفقات التجارية بصورة أكبر، وسيتعزز موقع إدلب وريف حلب، كممر ترانزيت، للبضائع التركية، نحو مناطق سيطرة النظام. فيما ستزداد إيرادات الفصائل من المعابر، مع النشاط المرتقب للحركة التجارية بصورة أكبر من تلك التي تتم عبر معابر التهريب.


لكن الأصوات التي تحذّر من مخاطر هذا الانفتاح الاقتصادي، على سكان الشمال المعارض، لا بدّ أن تعلو مجدداً. فملفات المخدرات التي قد تنساب، وكذلك، الاختراقات الأمنية، ستبقى مطروحة للنقاش. 


تلك التحذيرات، سيطيح بها العامل الثاني الذي تغيّر في المعادلة. فأنقرة، قبل سنة ونصف السنة، كانت غير مستعدة بعد، لمخاطرة الانفتاح الاقتصادي على النظام، عبر الشمال السوري، لأسباب أمنية، بصورة رئيسية. هذه الأسباب تم تذليلها مع زيارة مسؤول الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، لدمشق، مؤخراً. وهو ما يوحي به، ذاك الترويج الذي قدمته صحيفة "الوطن" المقرّبة من النظام، قبل يومين، لافتتاح المعابر، بوصفه مسعىً تركياً، للتطبيع الاقتصادي مع النظام.


وفي هذا السياق، من المفيد الإشارة إلى أن حساسية الشارع المعارض لافتتاح معابر تجارية مع النظام، هي مسألة مُستجدة. إذ كانت تلك المعابر ناشطة بشكل رسمي، قبل العام 2020. وكان التبادل التجاري مع مناطق سيطرة النظام، أمراً مقبولاً شعبياً، على نطاق واسع. تغيّر هذا المزاج الشعبي بعد الحملة العسكرية الأخيرة للنظام وروسيا، في ربيع 2020، والتي خسرت فيها المعارضة مناطق واسعة من جنوبي وشرقي إدلب. وسادت بالتزامن، سردية مفادها، أن الواقع الاقتصادي في مناطق سيطرة النظام، سيء للغاية، بحيث كثرت رهانات الانهيار المرتقب للنظام، خاصة بعد فرض قانون العقوبات الأمريكي "قيصر". هذا المزاج الشعبي ذاته، يبدو أنه تغيّر مجدداً، اليوم. إذ تعلو كلمة الاقتصاد، على حساب السياسة. وكذلك تعلو كلمة الطرف الخارجي – التركي، على حساب إرادة الفاعلين المحليين.


لكن رغم ذلك، من المتوقع أن يتصاعد الجدل، في الأيام القليلة القادمة، حول حسابات الربح والخسارة، بين النظام والمعارضة، من زاوية الاقتصاد، من دون أن يؤثر ذاك الجدل على التطورات الجارية على الأرض. من أبرز ملفات ذاك الجدل، أن كفّة الربح في افتتاح المعابر، تميل لصالح النظام. فهو سيحصل على الدولار وعلى البضائع التركية بأسعار أرخص. كذلك سيمرر بضائعه الكاسدة، خاصة الحمضيات، التي لا تجد أسواقاً لتصريفها. لكن على الضفة الأخرى، ستُتاح البضائع السورية لسكان الشمال بأسعار أرخص عبر المعابر الرسمية. وستستفيد مصانع السوريين في جنوب تركيا، التي ستمرر بدورها، منتجاتها إلى مناطق سيطرة النظام، عبر الشمال. ويمكن إقفال ذاك الجدل بالإشارة إلى أن تلك البضائع تُمرر بالفعل، اليوم، عبر معابر التهريب، لكن بتكاليف أعلى. مما يجعل تمريرها عبر المعابر الرسمية، بتكاليف أقل، مكسباً للمستهلك وللمُنتج وللتاجر، على ضَفَتي المعارضة والنظام.


وقد تكون المخاوف المتداولة حيال تمرير المخدرات، أكثر نقاط الجدل التي تستحق الوقوف عندها مطولاً. وإن كان تمريرها متاحاً، بطرق التهريب، إلا أنه قد يتفاقم مع افتتاح معابر تجارية رسمية، وهو ما يتطلب دعماً تركياً، يجب أن تطالب به فصائل الشمال، لتطوير قدراتها على الفحص والتفتيش.


في الختام، فإن كل الأطراف المرتبطة بملف المعابر، مستفيدة من افتتاحها. وإن بنسب مختلفة. فكفّة الربح تميل لصالح النظام بالفعل، لكن أولئك الذين على الضفة الأخرى، سيستفيدون أيضاً. فيما الخاسر الوحيد، هم عرّابو التهريب على الضفتين، الذين ستتراجع مكاسبهم بصورة كبيرة. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها