السبت 2022/09/24

آخر تحديث: 07:12 (بيروت)

بوتين.. والمراوغة بالتعبئة الجزئية

السبت 2022/09/24
بوتين.. والمراوغة بالتعبئة الجزئية
لوحة إعلانية في سانت بطرسبرغ تروّج لخدمة الجيش عليها صورة جندي وشعار مكتوب عليه "خدمة روسيا هي وظيفة حقيقية".
increase حجم الخط decrease

التعبئة "الجزئية" التي أعلنها بوتين، رد عليها الروس باحتجاجات عمت عشرات المدن، وبالمسارعة إلى المغادرة نحو البلدان التي لا تشترط فيزا لدخول الروس إليها. وأسفر تعجل العائلات الروسية المغادرة، لخشيتها أن تشمل التعبئة أبناءها، عن إزدحام سير كبير على المعابر الحدودية مع منغوليا والبلطيق وجورجيا وبلدان آسيا الوسطى، وعن فقدان تذاكر السفر وإرتفاع أسعار بعض الإتجاهات بمعدل  أضعاف. وعلى الرغم من إعلانها جزئية، إلا أن مرسوم التعبئة منح وزارة الدفاع صلاحيات واسعة جداً تسمح بإستدعاء أي روسي في سن التجنيد. ونشر موقع الخدمة الروسية في "الحرة" صباح 23 الجاري نصاً بعنوان "يفرون كما من الطاعون. شبكات التواصل عن موجة النزوح الجديدة". وقال الموقع أن الموجة الجديدة من مغادرة روسيا تشبه الموجة التي أعقبت إعلان "العملية العسكرية الخاصة" الشتاء المنصرم.  ونقل عن  ناشطة نشرت إعلاناً على موقعها تقول فيه بأنها مستعدة لإستبدال تذكرة سفر موسكو ـــــ يريفان بشقة من ثلاث غرف في أفخم أحياء وسط موسكو(مئات آلاف الدولارات). 

صدر مرسوم التعبئة والبند السابع فيه فارغ. ويقول عنه الناطق بإسم الكرملين دمتري بيسكوف بأنه يتحدث عن عدد من تشملهم التعبئة. وتنقل صحيفة Novaya ـــــ اوروبا عن مصادرها في ديوان الرئاسة الروسية بأن عدد المشتملين بالتعبئة يبلغ مليون شخص. لكنهم ينفون في الكرملين هذا الرقم، ويقول وزير الدفاع بأن العدد هو 300 ألف شخص. 

موقع الخدمة الروسية في "الحرة" نقل عن صحيفة Kommersant الروسية بأن موظفي 5 شركات نقل جوي، بما فيها الأيروفلوت، وأكثر من 10 مطارات تلقوا من لجنة التجنيد بعد يوم من صدور مرسوم التعبئة إستدعاءات للتجنيد تشمل حتى الطيارين. وكان ممثلو موظفي شركات النقل الجوي قد تقدموا من رئيس الوزراء بطلب إعفائهم من التجنيد. 

مرسوم التعبئة يمنح وزارة الدفاع تحديد المجندين من كل منطقة. وكان زعيم الشيشان رمضان قاديروف قد أعلن أن الشيشان لن تشارك بالتعبئة، حيث أنها سبق وتجاوزت متطلبات خطتها. وقال بأن الشيشان أرسلت إلى القتال في الجبهة 20 ألف مقاتل، مما يعني أنها طبقت الخطة بنسبة 254%، دون أن يذكر عن أية خطة يتحدث ومن كلفه تطبيقها. 

مرسوم التعبئة ترافق مع الإعلان عن إجراء إستفتاء للإنضمام إلى روسيا بين سكان جمهوريتي الدونباس ومنطقتين أوكرانيتين أخريين لا تسيطر عليها روسيا بالكامل. وجاءت الخطوتان الروسيتان بعد الإنتكاسة العسكرية الروسية في الحرب الأوكرانية بمثابة إعلان بوتين عن تصعيد كبير في الصراع الراهن. 

صحيفة الكرملين vz رأت في الإستفتاءات المتزامنة في المناطق الأوكرانية المعنية بشأن الإنضمام إلى روسيا "عملية منطقية". ونقلت عن بوليتولوغ روسي قوله بأن روسيا سبق وأن إعترفت بإستقلال جمهوريتي الدونباس المعلنتين ذاتياً، وتقرير مصير هاتين المنطقتين الآن ينبغي أن يقرره سكانهما، إذ "لا وجود لسبيل آخر". أما المناطق الأخرى "المحررة" في خيرسون وزاباروجيه فلا يزال وضعهما غير محدد. وينبغي القول بأن الوضع النهائي للجمهوريتين وبقية الأراضي "المحررة" سيبقى وضعها النهائي رهناً بالسلام، ليس في هذه المناطق فحسب، بل وفي أوكرانيا ككل. 

ورأى البوايتولوغ أن ضم روسيا لهذه المناطق بواسطة الإستفتاء يمنح سكانها "ضمانة مستقبلهم" ومستقبل أطفالهم. وهم يريدون إنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ ثمانية أعوام، و"العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا هي محاولة جدية لوقف هذه الحرب بالقوة "على أرض غريبة عن دولتنا". 

أما كيف ينظر الأوكران إلى إعلان التعبئة "الجزئية" من جانب روسيا والعمل على ضم المناطق الأوكرانية إليها، على غرار ما قامت به بضم القرم العام 2014 بعد إستفتاء مفبرك لسكان شبه الجزيرة، فقد نشر موقع الخدمة الروسية في "الحرة" في 21 الجاري نصاً بعنوان "محاولة وقف أوكرانيا. كيف ينظرون في كييف إلى خطوات روسيا الأخيرة". 

قدم الموقع لنصه بالإشارة إلى إعلان بوتين في اليوم عينه  أن روسيا ستقوم بكل ما يلزم لضمان أمن عملية الإستفتاءات، وهدفها الرئيسي في أوكرانيا "تحرير الدونباس". ورداً على مخططات الكرملين تعلن كييف بأن اوكرانيا ستواصل تحرير أراضيها المحتلة، وفي حال إجراء الإستفتاءات، ستتخلى كييف نهائياً عن أية مفاوضات مع موسكو. وسعي موسكو لإجراء ما يشبه الإستفتاءات في الأراضي المحتلة، هو رفع مراهنات موسكو في التفاوض مع كييف والغرب. وهذه، بالطبع، محاولة روسية لتثبيت خط الجبهة الحالي، وروسيا فقدت إمكانية إحتلال أراضٍ أوكرانيا جديدة عن طريق القوة، برأي خبير أوكراني في مقابلة مع الموقع.

ويرى الخبير أن إعلان موسكو عن الإستفتاءات يشي بإستعدادها للتصعيد واتخاذ قرار بضم أراضي أوكرانية جديدة إليها. وفرض التعبئة الجزئية في روسيا يريد منه الكرملين رفع إمكانياته الهجومية. لكن الخبراء العسكريين يرون أن تعبئة السكان المدنيين من المستبعد أن تؤدي إلى نجاحات سريعة على أرض المعركة، ولذلك تبقى الورقة الوحيدة الرابحة بيد موسكو هي إستخدام أسلحة الدمار الشامل، وعلى الأغلب، توجيه ضربة نووية تكتيكية. 

في سياق إعلان التعبئة الجزئية أشار بوتين إلى أنه في ظل تهديد وحدة أراضي روسيا "نستخدم كل الوسائل، بما فيها السلاح النووي". ويقول الموقع أن تصريح بوتين هذا وسواه من كلام مسؤولي الكرملين، يشير إلى أنهم يدرسون في موسكو إحتمال إستخدام السلاح النووي التكتيكي لوقف الهجوم المضاد للجيش الأوكراني. 

وكانت "واشنطن بوست" قد اشارت في 23 الجاري أن الولايات المتحدة حذرت روسيا غير مرة من عواقب ضربة نووية. وحسب "الحرة" بالروسية، قالت الصحيفة أن الولايات المتحدة وجهت أكثر من مرة خلال الأشهر الأخيرة إلى موسكو "تحذيرات غير معلنة" بأن إستخدام السلاح النووي في أوكرانيا سيجر عواقب وخيمة على روسيا. 

 موقع Kasparov المعارض خصص عددي 21 و22 من الجاري للنصوص عن التعبئة "الجزئية" واستفاءات المناطق الأوكرانية المحتلة بشأن الإنضمام إلى روسيا. الكاتب السياسي الروسي ألكسندر سكوبوف المعروف بليبراليته اليسارية نشر في 21 الجاري في الموقع نصاً بعنوان "فن التصعيد". وأضاف الى العنوان الرئيسي عنوانا آخر "محاولات قادة الغرب تفادي التصعيد ـــــ إستراتيجية خاطئة". النص جاء على شكل نقاط أوجز فيها سكوبوف مقولاته الرئيسية. وبدأ بالقول أن "هتلر الكرملين" عازم على مواصلة الحرب بأي ثمن، وذلك لأنها حرب مقدسة ضد النظام العالمي الغربي المدنس. ولم يتبق لديه قوات إضافية لزجها على الجبهة الأوكرانية، ولذلك يفرض تعبئة "جزئية حتى الآن"، يكشف تطور ألأحداث كيف ستكون عليه لاحقاً.

يصر سكوبوف على وصف بوتين ب"هتلر الكرملين"، ويقول بأنه عازم على ضم أربع مناطق أوكرانية إلى روسيا، "أي الإقدام على فعل إحتلال واضح وسط أوروبا" في عملية أكثر إتساعاً ووقاحة من عملية القرم. وهو يعتزم إستخدام هذا الضم لتوجيه الإتهام لاحقاً إلى أوكرانيا بمهاجمة الأراضي الروسية، مما يمنح موسكو الحق ب"الدفاع" عن هذه الأراضي بشتى الوسائل. ونظراً لأن "هتلر الكرملين" لا يملك في الفترة القريبة الوسائل التقليدية لإحداث إنعطافة على الجبهة، فسوف يعود مجدداً إلى التهديد المباشر بالسلاح النووي، في حال لم تتخل أوكرانيا عن النضال في سبيل أراضيها التي أعلنتها موسكو روسية. وعلى خلفية "التهديدات النووية" جاء تعبير "حق روسيا بالدفاع عن أراضيها بشتى الوسائل".



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها