الثلاثاء 2022/09/13

آخر تحديث: 08:25 (بيروت)

لماذا لم ترفع "مشروع ليلى" رأس لبنان عالياً؟

الثلاثاء 2022/09/13
لماذا لم ترفع "مشروع ليلى" رأس لبنان عالياً؟
increase حجم الخط decrease
في حوار طويل مع بودكاست "سردة"، قال حامد سنو المغني الرئيسي في "مشروع ليلى" إن أفراد الفرقة ليسوا بوارد العمل معاً من جديد. أي أنه قال إن الفرقة، عملياً، انتهت.
تنتهي الفرق الفنية في العادة، إما طبيعياً حين ينفضّ جمهورها من حولها، أو بانفراط عقدها بعد أن تصير عبئاً على أعضائها الذين يذهبون فرادى للبحث عن النجومية.
هذا في الغرب. عند العرب، الفرق نادرة وغالباً ما لا تلاقي نجاحاً، إلا حديثاً في حالة الفن البديل الذي يصر على مساحته الخاصة في عالم يسيطر عليه عمرو دياب وزملاؤه وزميلاته. وسبب سنو لتوقف الفرقة لا يشبه أسباب الفرق الغربية أيضاً. أول أسبابه أبسطها، أي يوميات الحياة. الفرقة برغم شهرتها وشعبيتها الواسعة عند الشباب العربي، بقيت هاوية، أعضاؤها بحاجة إلى مدخول لا يمكنهم تأمينه من فنهم البديل. أسفل هذا السبب المباشر، تتناسل أسباب النهاية بعضها من بعض.
كل ما في الفرقة العنيدة سجالي. إداء حامد الغنائي الذي صنع جمهوره هو نفسه الذي صنع له جمهوراً عدوّاً هاله مثلاً أن إداءه يسمى "غناء"، مع أن لا قالب واحداً للغناء والموسيقى بكل أنواعها يفترض ألا تخضع لأحكام قيمية، وإلا وقفت عند نوتة عزفت في التاريخ.
إصرار الفرقة على عدم المساومة لا يقف فقط على الإداء بل ينسحب على صورتها كلها. مثلية حامد المعلنة شأن شخصي لكنه أيضاً شأن الفرقة الفني والسياسي. "مشروع ليلى" تتناول، في الموسيقى والكلمات، وعلى طريقتها الفجة، صلب قضايا جيل بكامله، حقه الفخر بهويته مهما كانت هذه الهوية، والاعتراض على ثبات آبائه الكثر، والتمرد على القيم المعلبة وعلى العقائد وعلى الأحكام النهائية في ما خص الجندر والميول الجنسية.. إلى آخر اللائحة الطويلة. باختصار، حقه بحرية الاختيار.
الفرقة صدامية تماماً، بداية باسمها الملتبس والمبهم. ولأنها كذلك نجحت، ولأنها كذلك انتهت هذه النهاية المحبطة. لأنها تجمع حولها جمهوراً مثيراً لقلق السلطات الدينية والسياسية والاجتماعية التي تريد حتى التحكم بذائقة رعاياها. صارت حدثاً في مصر حين جمعت 35 ألف متفرج رفعت خلاله سارة حجازي علمها وانتهت ورفاقها سجناء رأي. منعت مرتين على التوالي في الأردن. وعلى الأرجح أنها لم ولن تجد خشبة عربية أخرى تقف عليها ما دامت قد منعت بقوة التهديد من الغناء في بلد المنشأ، البلد العربي الوحيد الذي يتفاخر بهامش واسع من الحرية. الحملة التي قامت على "مشروع ليلى" قبل أعوام لم تقتصر على منعها من مهرجانات جبيل. الحملة شاركت فيها الكنيسة كتفاً إلى كتف مع مجموعة متطرفين حبة الكرز في أعلى كعكتهم واحد مثل شربل خليل، بينما غضت باقي القوى الإعلامية والسياسية المسيحية النظر. والمسلمون لم يأبهوا أصلاً لأن الحرب تجري على أرض الجناح الثاني وجمهوره. حرب خيضت في حينها علناً ضد "تدنيس" حامد لأيقونة مسيحية، وضمناً ضد مثليته، وأفكاره -آياته الشيطانية- التي سيجلبها على الشباب المسيحي. الفرقة التي كانت تعيش في فقاعة الجامعة الأميركية وجوارها بدت كما لو أنها تكتشف لبنان لأول مرة. لبنان آخر يهدد بالقتل. لبنان يرفع رأسه عالياً لأن لبنانية تزوجت من نجم أميركي، أو يمينياً عنصرياً فاسداً من جذور لبنانية تعود إلى مئتي سنة خلت، صار رئيساً لجمهورية موز، لن يرفع رأسه بفرقة تروّج للحق في الاختلاف. بل، الموسيقى يجب أن تكون حكماً من مشتقات الرحابنة، والغناء يجب أن يتفرع فقط من شجرة حنجرة وديع الصافي، وصورة الفنان يجب أن تمر بامتحانات مدرسة سيمون أسمر للاستهلاك، والقيم العليا يجب أن تنال ابتسامة الأب عبدو أبو كسم الغالية.
"مشروع ليلى" لم تكن تريد رفع رأس مثل هذا اللبنان بالتحديد عالياً، بل محاولة تجفيف ما فيه من أفكار آسنة. فشلت؟ ليس بالضرورة. لكنها لم تصل إلى نهاية طبيعية لأن بلدها هددها بالقتل. حين يصير أربعة شبان مجرد شاذين من عبدة الشيطان فمن حقهم الانسحاب لأن الرهاب من الاختلاف يقتل.
محبطة نهاية الفرقة. أقرب إلى هزيمة في السياسة، تشبه نهاية فكرة 17 تشرين، لأن لبنان العابس المحافظ التقليدي ما زال فتوّة يحمل عصا غليظة متشعبة الرؤوس والسلطات يهول بها حين يرى قيمه، كائناً ما كانت، مهددة بالاختلاف. وهو دائماً يفضل الثابت السيء، على الاختلاف ولو الضئيل. هذا على الأقل ما تقوله شاشات تلفزيونه إذ تقدم فنانيه كما سياسييه على حد سواء.
محبطة نهاية الفرقة، ولا أمل تقترحه أو تحاوله خاتمة المقال. هذا انهيار تام وعام وشامل، ولا وردة ستنبت في هذه الصحراء القاحلة. الأمل الوحيد الباقي هو ملكة جمال لبنان الحالية، أو المقبلة، أو التي بعدها، لترفع رأس لبنان عالياً في المحافل الدولية، كما رفعته جورجينا رزق، ذات مرة، قبل عامين من اندلاع الحرب الأهلية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها