السبت 2022/08/06

آخر تحديث: 08:50 (بيروت)

"البوتينية"..أيديولوجية روسيا الجديدة

السبت 2022/08/06
"البوتينية"..أيديولوجية روسيا الجديدة
increase حجم الخط decrease

على الرغم من أن الدستور الروسي يحظر إلتزام الدولة بأية أيديولوجيا، إلا أنه ومنذ سقوط الإتحاد السوفياتي والنقاش بشأن الأيديولوجيا محتدم في روسيا: هل هي بحاجة إلى أيديولوجيا، وما هي هذه الأيديولوجيا إن كانت بحاجة إليها، هل جميع البلدان المتطورة تمتلك إيديولوجيا، أم من يمتلكها مذموم ويشكل خطراً على شعبه مستقبله ومحيطه، وسواها الكثير من الأسئلة.  

الأدلجة الصارمة المتزمتة لسائر مجالات الحياة في الإتحاد السوفياتي، أثار إنهيارها ردة فعل سلبية على الأيديولجيا، ليس لدى الروس فحسب، بل أصبحت بمثابة الشتيمة حتى على مستوى العلاقات الفردية. فالشخص المؤدلج أصبح مذموماً ومتهماً بالإنفصال عن الواقع وعصياً على المناقشة وتبادل الآراء، ويتمسك بأيديولجيته التي هي "دائماً على حق". الجدال بشأن الإيديولوجيا في روسيا يتجاوز هذا الإتهام للفرد الذي يحمل قدراً كبيراً من الصحة يضيّق حيز النقاش فيه، ويدور حول حاجة روسيا، أو انتفائها، إلى الأيديولوجيا. وجاءت الحرب على أوكرانيا ــــ "العملية العسكرية الخاصة" ــــــ لتطرح بقوة مسألة وجود ايديولوجيا تعزز تبرير الحرب وتقدم للروس مسوغاً لتحمل العقوبات القاسية والالتفاف حول قيادتهم، وتجعل الجدل الأيديولوجي أكثر احتداماً وإلحاحاً. 

آخر الشهر المنصرم نشرت صحيفة القوميين الروس SP نصاً بعنوان "أي أيديولوجيا تحتاجها روسيا؟". يقول كاتب النص منسق حركة "الجبهة اليسارية" أنه بعد إنطلاق "العملية الخاصة" في الدونباس تجدد النقاش وتكثف بشأن ضرورة صورة جذابة للمستقبل وأيديولوجيا جديدة لروسيا. ويحضر هذا النقاش في جميع وسائل التواصل الإجتماعي وفي كل برنامج بروباغنديي الكرملين الأبرز، ويردده الخبراء، لكن كثرة الحديث عن الحاجة إلى أيديولوجيا جديدة لن يخلق أيديولوجيا، وما كثرة الحديث عنها سوى دعم معنوي للشرائح المتنورة في المجتمع الروسي. لكن لا الغرف السرية للسلطة ولا عبقريي العلوم الفلسفية قادرون اليوم على صياغة أيديولوجيا جديدة لروسيا. وينقل عن بوليتولوغ روسي قوله "ها نحن نشهد من جديد محاولة إختراع الدراجة الهوائية"، فالأيديولوجيات الرئيسية متشكلة منذ زمن طويل، ومروحة الإختيار واسعة: من الشيوعية والليبرالية حتى الفاشية والمحافظة conservatism. 

وبعد أن يستبعد الفاشية ويستعرض في شرح مطول المحافظة والليبرالية التي وقف أتباعها ضد "العملية الخاصة" وأصبحوا "خونة وطنيين"، يقول بأنه لم يتبق من بين الأيديولوجيات سوى الأيديولوجيا الشيوعية المتأقلمة مع الظروف المعاصرة. 

أوائل حزيران/يونيو المنصرم نشرت الصحيفة الرسمية للحكومة الروسية RG حصيلة طاولة مستديرة عقدها معهد خبراء البحوث الإجتماعية بعنوان "أي أيديولوجيا نحن بحاجة إليها". يقول النص بأن البحث عن أيديولوجيا جديدة أو عقيدة قومية يتواصل في روسيا منذ أن إتضح أن الأفكار الشيوعية قد فقدت مواقعها في الوعي الإجتماعي. في أواخر الثمانينات جرت نقاشات مهمة تمحورت حول: من نحن، إلى أين نحن، لماذا نحن. لكن هذه النقاشات إنقطعت مع إنهيار السوفياتي، وتخطاها السؤال ليصبح حينها "كيف نبقى على قيد الحياة". واعتبر سكان الإتحاد السوفياتي السابق أن من الأفضل سلوك الطريق التي عبدتها البلدان الغربية.

أحد الخبراء رأى أن الوقت قد حان لاستكمال ما انقطع، سيما أنه لم يعد هناك من طرق معبدة ولن تكون، والعالم كفّ عن أن يكون واحداً وسوف يتشظى أكثر لاحقاً. واعتبر أن على الروس أنفسهم أن يحددوا ما الذي يجب أن يقوموا به، من دون أن يلزموا أحداً بشيء، وسيحدد الأخرون في ما بناه الروس النقطة التي يرتكزون إليها لبناء العلاقات مع روسيا. 

خبير آخر اقترح إستبعاد مفهوم الأيديولوجيا عن النقاشات والتركيز على القيم المشتركة المهمة لجميع الروس. هذه القيم مرتبطة جداً بالمحافظة: العائلة، السيادة ، التضامن، وهي القيم التي تصف كيف ينبغي أن يكون المجتمع لكي تبقى روسيا قوية، متمتعة بسيادتها، وأن تستمر بالوجود، بل "الوجود الجيد إن أمكن". لكن هذه القيم لا ينبغي أن تغتني بالمحافظة فقط، بل عليها أن تدور أيضاً حول المستقبل وصورته، وكيف على الشعب الروسي أن يبلغه. على هذه القيم الأيديولوجية أن تبدو كدولة إقتصاد إجتماعي قوي، لكنه عادل. 

يضيف الخبير الأول أن على الروس أن يحدوا من التلفت على الجوانب، وأن يخفضوا إلى الحد الأدنى المكون السياسي الخارجي في قيمهم. فالسياسة الخارجية، برأيه، بقيت طويلاً تحل محل  المهم لتطور روسيا كمجتمع ودولة ونظام قادر على الخلق. الأيديولوجيا يجب أن تكون مرتبطة بحل المهمات الوطنية، لا الإلتفات "كيف ينظرون إلينا في العالم". إذا كانت روسيا تسعى للنجاح في تنفيذ مهماتها والصمود تحت وطأة الضغوط غير المسبوقة، فهذا وحده يؤثر على النظام العالمي وعلى علاقات الشركاء الخارجيين بروسيا. والفشل على جميع هذه الإتجاهات يعني أن النظام العالمي سوف يبنى بمشاركة روسيا المنخفضة لأقصى الحدود. 

موقع  Kasparov المعارض نشر في 18 الشهر المنصرم نصاً بعنوان "عبادة بوتين"، وأردفه بآخر ثانوي "في روسيا يقترحون خلق أيديولوجية "البوتينية". قال النص بأن فيلسوف بلاط الكرملين ألكسندر دوغين دعا لترسيخ "البوتينية "مؤسساتيا" كأيديولوجيا رسمية. وينقل عن مركز Center for European Policy Analysis قوله بأنها ليست السنة الأولى التي توجد في روسيا عبادة حقيقية لبوتين. 

ألكسندر دوغين يدعو منذ عشرات السنين لأيديولوجيا "أوراسية" في روسيا. وأفصح أوائل الشهر المنصرم عن أن ما يقصده بهذه الأيديولوجيا هو "مأسسة نهج بوتين، وليس فقط الولاء الشخصي له". 

يرى النص أن "البوتينية كأيديولوجيا" موجودة في روسيا منذ سنوات عديدة. وينقل عن بروفسور جورجي وصفه لمراحل وطرق تشكيل عبادة بوتين منذ العام 2014 على يد الميديا بروباغندا. فقد بدأت العملية بإطلاق البروباغندا وفرض الرقابة الرسمية، ثم تبعها تشكيل صورة بوتين "الزعيم": بوتين لاعب الجيدو، البطل الخارق، المؤمن المسيحي وهكذا دواليك. ويضيف البروفسور إلى هذه العملية خلق المنظمات الشبابية الموالية للكرملين مثل "الحرس الشباب" و"جماعتنا". 

في العام 2011 كانت لا تزال مسألة وجود عبادة لبوتين موضع جدل. وكان معظم المحللين في تلك الفترة  يفترض أنه كان يمكن الحديث عن "هوس بوتين" منذ بداية عهده، لكن الهوس كان يختلف عن عبادة ستالين التي كانت قائمة على الخوف  والتبجيل. 

يستعرض الموقع كيف تطورت عبادة بوتين من "إذا لم يكن بوتين فمن غيره؟"، "لا بوتين، لا روسيا" إلى ترسيخه، بعد غزو أوكرانيا، في صورة "القيصر" و "القائد الإعلى" الذي لا يخطئ وينبغي أن تكون هيبته خارج كل نقاش. البروباغنديون أخذوا يتحدثون عن النظام السياسي الروسي التليد الذي يلعب فيه القيصر الدور الرئيسي مستنداً إلى تطلعات الشعب. ويجري تصوير بداية الحرب على أوكرانيا في هذا النظام بأنه "قرار قيصري حقاً، كان الشعب ينتظره من السلطة.

يقول الموقع أنه إستناداً إلى كل ذلك، من الصعب التصور إلى أي مأسسة للبوتينية يدعو دوغين. من المحتمل جداً أن يكون المقصود ليس تعزيز عبادة بوتين التي بلغت عبادة الفرد الستالينية، بل إلى مأسسة الديكتاتورية الحالية لكي تتمكن من البقاء بعد بوتين ولا تنتهي بموته. ونظراً إلى تشويه البروباغندا لمزاج المجتمع الروسي وتوقعاته خلال هذه السنوات، فإن خطر تحقق هذا السيناريو كبير للغاية. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها