الثلاثاء 2022/08/02

آخر تحديث: 05:50 (بيروت)

غيوم فوق العلاقات الروسية الإسرائيلية

الثلاثاء 2022/08/02
غيوم فوق العلاقات الروسية الإسرائيلية
increase حجم الخط decrease

مرّت العلاقات الروسية الإسرائيلية  بأزمتين معروفتين منذ إستعادتها في العام 1989ــــــ  تأزم العام 1996 بسبب مطالبة روسيا بأملاك في القدس، وأزمة العام 2018 إثر إتهام روسيا لإسرائيل بالتسبب في سقوط طائرة إستطلاع عسكرية روسية. وكما إنقشعت غيمتا الأزمتين (الأولى بوساطة أميركية والثانية باعتذار إسرائيل) وعادت سماء العلاقات إلى صفائها الذي يحرص عليه الطرفان، لا يتوقع أحد أن تنتهي الأزمة الحالية بغير ما انتهت إليه سابقتاها.

في الخامس من الشهر المنصرم صدرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية بعنوان نص مقتضب "روسيا تأمر الوكالة اليهودية بوقف كل عملياتها في البلاد. وصفت الصحيفة الأمر ب"الدراماتيكي"، وقالت أنه صدر عن مسؤولين رسميين في موسكو، وتبحث الحكومة الإسرائيلية في الخطوات التي يمكن أن تتخذها. ونقلت عن مسؤولي الوكالة اليهودية بأن الأمر تلقته في رسالة من وزارة العدل الروسية، ويتم بحثه حالياً في مكاتب الوكالة في إسرائيل بالتشاور مع الخارجية ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي. 

الوكالة اليهودية التي تعنى بتشجيع اليهود في العالم على الهجرة إلى إسرائيل، ليست تابعة للوزارة الإسرائيلية لشؤون اليهود الوافدين إلى إسرائيل. ونتيجة لتسوية أزمة العام 1996،   تعمل بكل فروعها في أرجاء روسيا كمؤسسة قائمة بذاتها لا تبغي الربح، وليس كفرع للوكالة الأم في إسرائيل، كما في مختلف بلدان العالم. 

وعلى عكس ما أعقب أمر السلطات الروسية "الدراماتيكي" من إهتمام في الإعلام الإسرائيلي، لم يولِ الإعلام الروسي إهتماماً يذكر بالمسألة قبل إعلان محكمة في موسكو عن دعوى رفعها فرع العدل الروسية في العاصمة يطلب فيها إقفال مكاتب الجمعية ووقف نشاطاتها المتنوعة في روسيا، وذلك لخرقها القانون الروسي والتسبب في هجرة الأدمغة منها. وحددت المحكمة يوم 28 المنصرم موعداً للجلسة التمهيدية التي تستدعي إليها الطرفان عادة للبحث في إمكانية التوصل إلى حل توافقي. لكن خروج الطرفين من قاعة المحكمة من دون أن يدلي أي منهما بتعليق عما جرى، وتحديد المحكمة يوم 19 الجاري للجلسة الأولى للمحاكمة، يشير إلى أن الطرفين لم يتوصلا إلى الإتفاق على صيغة قانونية للحل، وإن كانت المدة الطويلة نسبياً التي منحتها المحكمة للطرفين تبقي الباب مفتوحاً أمام تسوية ما، سيما أن وفداً إسرائيلياً وصل موسكو عشية الجلسة التمهيدية. 

لم يدل الكرملين بدلوه سوى في 29 الشهر المنصرم، حين نقلت نوفوستي عن المتحدث بإسم الكرملين  قوله بأنه لا يستطيع تقديم أي تعليق على المسألة طالما أنها بيد القضاء، "لكن لدى الكرملين معلومات معينة" عنها. وعلى الرغم من أن الناطقة بإسم الخارجية كررت كلام الكرملين عن الطابع القانوني لمسألة الوكالة اليهودية، إلا أنها أفصحت عن الدافع الروسي الحقيقي لتوقيت إثارة المسألة، وذلك بقولها أن موسكو تأسف لموقف إسرائيل غير البناء حيال روسيا في الأشهر الأخيرة. 

كما نقلت نوفوستي في النص عينه عن رئيس الوزراء الإسرائيلي قوله بأن العلاقات مع روسيا مهمة لإسرائيل، لكن إغلاق مكاتب الوكالة اليهودية سيكون حدثاً جدياً سيترك أثره على التعاون مع موسكو. 

صحيفة الكرملين vz، وفي نصين نشرتهما قبل نهاية الشهر المنصرم، كشفت في عنوانيهما لماذا إختارت موسكو الوكالة اليهودية بالذات، وما هو السقف الذي تهدد به ولا ترغب بلوغه. كان الأول في اليوم الثاني لإعلان المحكمة عن طلب العدل الروسية إقفال مكاتب الوكالة اليهودية "روسيا مسّت عصب إسرائيل الأشد حساسية"، والثاني بعد تصعيد رئيس الوزراء الإسرائيلي لهجته بعد أن كانت متروية "روسيا وإسرائيل على وشك إفتراق محرج (للطرفين)".

النص الأول في 22 من المنصرم، قدمت له الصحيفة بالقول أن روسيا قد تكون البلد الأول في العالم الذي يطرد إحدى المنظمات الأشد أهمية لإسرائيل ــــــ الوكالة اليهودية "سوخنوت". وتنسب إلى مصادر قولها بأن روسيا ليست راضية عن عمل الوكالة الدؤوب في حث الإختصاصيين والعلماء وسواهم من الكادرات التي تحتاجها إسرائيل كما روسيا، على الهجرة إلى إسرائيل. السلطات الإسرائيلية لا ترى أي ضير في ذلك، بل هو واجب مقدس للوكالة أمام بلدها والتقاليد اليهودية بشكل عام. وتشير إلى النسبة المرتفعة لخصوبة المرأة الإسرائيلية بالمقارنة مع البلدان المتطورة، لكن المواليد الجدد ينبغي أن تتحمل إسرائيل كلفة تنشئتهم وتعليمهم، ولذلك هي تفضل إستيراد "اليهود الجاهزين" البالغين والمستعدين لخدمة إسرائيل. وترى الصحيفة أن أهمية الخطوة الروسية، ليست فقط في الحظر المحتمل على الوكالة في روسيا، بل وفي إمكانية أن تتبع بلدان أخرى المثال الروسي، "على الأقل حيث لا يخشى قادتها إتهامهم بالعداء للسامية"، وهو ما يمكن أن يقوض سياسة إسرائيل في إستقبال اليهود من كل بلدان العالم. 

كل هذا الكلام ليس سوى المقدمة لتصل الصحيفة إلى السبب الرئيسي لإثارة روسيا موضوع الوكالة اليهودية الآن. فتقول أنه، على الرغم من إيفاد وفد "رفيع المستوى"، سيكون من الصعب جداً على رئيس الوزراء الإسرائيلي إنقاذ الوكالة اليهودية، وليس فقط لأن العلاقات الروسية الإسرائيلية تعقدت في الأشهر الأخيرة، بل لأن موسكو مستاءة جداً من خطاب يائير لابيد بشأن "العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. 

وبعد أن تورد مقاطع من كلام لابيد بشأن الحرب على أوكرانيا، تقول الصحيفة بأنه من الصعب أن تكون موسكو سعيدة بسماع كلمات "جرائم حرب" موجهة لها من "الشركاء الإسرائيليين. وليس هذا فحسب، بل قارن لابيد روسيا بالرايخ الثالث، وبين أعمال الرايخ بحق المدنيين وأعمال روسيا في أوكرانيا. 

تبقي الصحيفة الباب مفتوحاً لتسوية "الصعوبات الناشئة بين موسكو وتل أبيب"  في حال عودة نتنياهو إلى السلطة بنتيجة الإنتخابات الإسرائيلية المقبلة، بينما لا ترى هذه الإمكانية في حال عودة يائير  لابيد,

صحيفة NG الروسية رأت أن إيران تستغل الوضع الناشيء بين روسيا وإسرائيل بشأن الوكالة اليهودية. فقالت أن وكالة أنباء "تسنيم" نشرت أنباءاً عن إتفاق بين العسكريين الروس والإيرانيين والسوريين، يتسلم بموجه العسكريون السوريون أنظمة صوريخ S-400. واستلام السوريين هذه الأنظمة يعني تراجعاً جدياَ في قدرات إسرائيل على توجيه ضربات في العمق السوري. ومن الواضح أن مثل هذا الأمر سوف يفاقم العلاقات بين روسيا وإسرائيل. لكن الصحيفة تستدرك بأن أنباء "تسنيم" لم يؤكدها لا الجانب الروسي ولا السوري.

وبشأن قضية الوكالة اليهودية ترى الصحيفة أن الحكومة الإسرائيلية لا تأمل من المحكمة الروسية خيراً بقدر ما تأمله من توافقات سياسية. وكدليل على ذلك تنسب إلى الصحافة الإسرائيلية قولها بأن الوفد إلى موسكو سيضم (نُشر النص يوم وصول الوفد) سيضم سكرتير مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إيال هولاتا الذي أمضى 23 سنة برتية رفيعة في الموساد. وقبل مغادرة الوفد الذي تأخرت موسكو لأيام في منح أعضائه تأشيرت دخول، نقلت عن الناطقة الصحافية بإسم مجلس الوزراء الإسرائيلي قولها بأنه، في حال وجود إختلافات في المسائل القانونية بشأن النشاط "المهم" للوكالة اليهودية، فإن إسرائيل جاهزة دائماً للحوار والمناقشة لما للعلاقات الروسية من أهمية.

وتنقل عن مسؤول الوكالة في روسيا بعد محادثته مع قاضي المحكمة قوله أن عمل الوكالة وسط اليهود الروس لن يتوقف، ولن تعمد الوكالة إلى إلغاء نفسها. وحظر نشاطها في روسيا سوف يعرقل عملية ترحيل اليهود إلى إسرائيل، لكنه لن يوقفها. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها