الإثنين 2022/08/15

آخر تحديث: 08:07 (بيروت)

سوريو "التركستاني"

الإثنين 2022/08/15
سوريو "التركستاني"
increase حجم الخط decrease

من اللافت عودة اسم "الحزب الإسلامي التركستاني" للتداول في الأخبار السورية، لجهة الأعمال الحربية أو الغارات ضده أو الانشقاقات في صفوفه، لكن قد تكون المتغيرات على ارتباط أكبر بما يحدث على الحدود الصينية، وليس في الداخل السوري.

في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عقد "الحزب الإسلامي التركستاني" لقاء موسعاً في إدلب ضم قادة التنظيم ومروحة من المسؤولين فيه على المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية وبعض "الأنصار"، أي المقاتلين العرب في صفوفه. حينها، كان اللقاء مثار اهتمام لسببين أساسيين، أولهما أن التنظيم ليس من عادته الظهور بشكل علني، وثانيهما أن التوقيت غريب كونه يأتي اثر عملية ترويض واسعة النطاق أجرتها "هيئة تحرير الشام" في مواجهة المقاتلين الأجانب وفقاً لمعادلة سهلة: إما معنا أو نسحقك.

والاجتماع كان محوره على الأرجح ولاء "التركستاني" للهيئة، بما يُظهره كفصيل ثانٍ يتلقى الأوامر ويُنفذ التعليمات فحسب. هذا صحيح. ولو أضفنا الى هذا الكلام، ما ورد في خبر لـ"المدن" الأسبوع الماضي عن التركستاني، عن انشقاق أمير سابق له هو "أبو إبراهيم" وانسحابه مع مئات المقاتلين "الأويغور"، ما جعل المقاتلين السوريين في صفوفه (الأنصار) غالبية عددية، نكون أمام تصفية لهذه الحالة أو تعريب لها. 

فهل انتهى التنظيم أو هو في طريقه للفناء؟

سببان يدفعان للقول بغير ذلك. أولاً، تفاصيل الانشقاق غير واضحة، ومن هو المقصود بكنية "أبو إبراهيم". بيد أن مثل هذا الانشقاق قد يكون على ارتباط بخلاف داخل التنظيم على أولويات المواجهة مع الصين، أو كيفية إدارة العلاقة مع الهيئة في ظل حملاتها ضد الجهاديين. إلا أن عدم ورود تفاصيل عن الانشقاق كمثل أسبابه أو مسار المنشقين (شكلوا تنظيماً أو انتقلوا الى أفغانستان أو يُخططون لتنفيذ اعتداءات).

ثانياً، خبر الانشقاق ورد كخلفية في سياق الحديث عن "أنصار" الحزب الإسلامي التركستاني، وهم غالباً السوريون الذين يُقاتلون في صفوفه منذ ظهورهم للعلن للمرة الأولى عام 2018، وقد ازداد عددهم خلال الفترة الماضية. إذا كانت الهيئة تنوي تدمير "التركستاني"، هل تترك لهم حرية بناء جيش صغير من السوريين والعرب (وهي بالتالي تُنافسهم على جذب المقاتلين المحليين)؟

من الصعب اعتبار تجنيد التركستاني مقاتلين سوريين منذ أربع سنوات، سوى ضربٍ من التوسع. لو كان هدف التجنيد، الحفاظ على المقاتلين التركستان (الأويغور) والحؤول دون تعرضهم لخسائر بشرية واسعة النطاق، أو تدريب سوريين وعرب للعب دور في مواجهة الصين مستقبلاً، فإن كلا الخيارين يصبان في سياق التوسع.

منذ دخل "التركستاني" الأراضي السورية، كان واضحاً أن التركيز على كسب ود الجهاديين الآخرين، ودفعهم لتبني القضية التركستانية، وهو ما حصل الى حد كبير في السنوات الأولى للنشاط، قبل انقضاض الهيئة على المقاتلين الأجانب. وهذا كان السبب الأساسي وراء نشر مجلة باللغة العربية والعمل على تغطية انتهاكات الصين وتقديمها لجمهور عربي. كان "التركستاني" يُقدم نفسه فداء للقضية السورية، على أساس مقابل يأتي لاحقاً، من دون ضمانات حقيقية أو تأكيدات بالتركيز على القضية الأويغورية لاحقاً. كان العمل مجانياً ربما لأن الحرب السورية وفرت مجالاً للتدريب والتحضير، وهي فرصة لا بد من اغتنامها لمجموعة صغيرة تريد مواجهة قوى عظمى صاعدة في العالم. 

ولهذا الغرض كذلك يُطيع "التركستاني" الهيئة ولا يُخالفها في أمر، تماماً كما يفعل نظيره في أفغانستان مع "طالبان" منذ النشأة. كيف يتجه تنظيم لديه استعداد لتقديم تنازلات في قضية مركزية، للاندثار؟ 

وهنا أيضاً علينا أخذ التطور الأفغاني الكبير خلال السنة الماضية في الاعتبار. منذ ظهور "الإسلامي التركستاني" عام 2015، وحتى صيف العام الماضي، كان وجود المقاتلين التركستان على الأراضي الأفغانية ضعيفاً، سيما مع غياب العتاد وفي ظل الاحتلال الأميركي والضربات العسكرية. 

الآن تعود الساحة الأفغانية بقوة ومعها فرص عديدة. أفغانستان دولة مجاورة لتركستان الشرقية (ولاية شينجيانغ وفقاً للتسمية الرسمية الصينية)، تحكمها اليوم حركة لديها علاقة مديدة مع المقاتلين التركستان الذين بايعوها (ولم يُبايعوا القاعدة).

الحدث الأفغاني قد يُحتم على التنظيم إعادة انتشار وتوزيع قدراته بشكل مختلفة. لهذا فإن كل التقارير الواردة عن حركة "التركستاني" في الداخل السوري، قد تكون مجرد إعادة انتشار أو مناورة، بانتظار أن تتحقق فرصة تركيز أكبر على قضيته المركزية، ربما هذه المرة برفقة أنصاره السوريين والعرب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها