الثلاثاء 2022/08/16

آخر تحديث: 08:33 (بيروت)

سفينة طرابلس كمؤشر لمعركة الحبوب الروسية الاوكرانية

الثلاثاء 2022/08/16
سفينة طرابلس كمؤشر لمعركة الحبوب الروسية الاوكرانية
increase حجم الخط decrease

في مطلع العام المنصرم نشرت صحيفة Asahi اليابانية نصاً بعنوان "روسيا وأوكرانيا: أصدقاء متنافسون في سوق الحبوب العالمي. ما هي الاتجاهات". استعرض موقع نوفوستي لترجمة الصحافة العالمية inosmi تحت عنوان "هل تتعايش روسيا وأوكرانيا في أسواق تصدير الحبوب؟". لكن حرب بوتين على أوكرانيا حولت هذا التنافس بين "الأصدقاء المتنافسين" إلى إحدى أدواتها التي استخدمها بوتين منذ اليوم الأول لاندلاعها لفرض حصار محكم على صادرات الحبوب الأوكرانية ونهبها، ومحاولة تصريفها عبر سوريا. وتسبب الحصار، مع عجز روسيا عن تصدير حبوبها بفعل العقوبات الغربية، بخلق أزمة غذاء عالمية رفعت أسعار الغذاء في العالم، وهددت بالجوع العديد من البلدان الإفريقية والشرق أوسطية. 

لكن روسيا لم تعترف بوجود أزمة غذاء وخطر مجاعة عالمية، بل تتهم أوكرانيا والغرب بخلق أوهام أزمة غذاء وتحميل روسيا المسؤولية عنها. فقد نشرت صحيفة الكرملين vz في 10 الشهر الجاري نصاً بعنوان "الشرق الأوسط يدمّر الأسطورة الأوكرانية عن الجوع في العالم". عادت الصحيفة لقصة السفينة Razoni التي نسبت مواقع إعلام لبنانية ملكيتها لسوريا، وطرحت اسئلة عديدة: ما سبب رفض التاجر اللبناني حمولة السفينة من الذرة الأوكرانية، كيف يمكن لمثل هذه الأحداث أن تنعكس على تنفيذ إتفاقية الحبوب، وماذا يعني ذلك لروسيا؟

ونقلت عن مصدر في إدارة مرفأ طرابلس اللبناني قوله لوكالة "تاس" بأن السفينة تحمل علم سيراليون، وأن التاجر اللبناني رفض الشحنة لتأخرها أكثر من 5 أشهر عن موعد وصولها، وأن السفينة عادت وأبحرت إلى ميناء أرسين في تركيا، وحتى لم تدخل ميناء طرابلس.

تجاهلت الصحيفة حرب روسيا على أوكرانيا التي تسببت في تأخير شحنة الحبوب الأوكرانية إلى لبنان، واعتبرت التأخير سبباً لنعي أوكرانيا كمنافس لروسيا في تصدير الحبوب. فقد نقلت عن إقتصادي روسي تسميته مصدري الحبوب الأوكران ب"شركاء يندثرون"، وليس من المعروف ماذا سيحل بأوكرانيا بعد نصف سنة، في حين أن المستوردين بحاجة لعقود طويلة الأجل. وقد أظهر المصدرون الأوكران أنهم ليسوا أهلاً للثقة، حيث يسمحون لأنفسهم بتأجيل تسليم الصفقة لثلاثة أشهر، بل ونصف سنة، "وإذا دفعتم رعبوناً للصفقة، فليس من ضمانة بأنكم ستستلمون الحبوب الأوكرانية". 

ويرى الإقتصادي أن التجار اللبنانيين سيقيمون علاقات جديدة مع المصدرين الروس، وسيصرفون القمح أو الذرة المستوردة من أوكرانيا بأسعار مخفضة. وفي المستقبل سيتجنبون إبرام عقود جديدة مع أوكرانيا، حيث لا يتوفر بائع يمكن الاعتماد عليه. ومن حيث المبدأ، لن يكون هناك إطلاقاً من بائع في غضون 6 أشهر على الأرجح، بل لن يكون هناك من يقاضى، لا في لندن ولا في ستوكهولم. ولذا من الأفضل "أن تكون أشد صرامة مع مثل هؤلاء المصدرين"، بغض النظر عن كل الأحاديث عن مجاعة عالمية، وعن نقص في الغذاء.

ويضيف هذا الإقتصادي أن اسعار الحبوب إنخفضت في الأشهر الأخيرة، مما لا يصب في مصلحة إستيراد الحبوب الأوكرانية باهظة الثمن. لكن بعد مرور شهرين "سنشهد على الأرجح إرتفاعاً جديداً في الأسعار، على الأقل لأن هذا ما حصل في العامين المنصرمين". لكن، طالما أن الحبوب متوفرة، بلدان الشرق الأوسط التي تدعم أسعار الخبز معنية بالحفاظ على الإستقرار. وفي ظل الأسعار الراهنة، ليس من سبب لعدم وصول الحبوب إلى بلدان الشرق الأوسط في وقتها، وهي مسألة إستقرار سياسي وإجتماعي بالنسبة لها. وأوكرانيا لا تستطيع مساعدتها في حل هذه المسألة. 

خبير روسي آخر تنقل عنه الصحيفة قوله بأن اللبنانيين يستوردون القمح بشكل اساسي، ولن يشتروا الذرة منتهية الصلاحية التي لا تشكل حاجة ملحة للبلد. ومن المستبعد أن تنجح محاولات أوكرانيا مع بيروت بيعها حبوباً مخزنة لمدة طويلة بالأسعار التي تعرضها. 

وتنقل الصحيفة عن خبير ثالث قوله بأنه لا ينبغي البحث عن مؤامرة ما في سلوك بلدان الشرق الأوسط، "فما هو إلا بيزنس". إلا أنها تدمر الأسطورة الأوكرانية عن "المجاعة العالمية". وفي النهاية فمن الأسهل لبلدان عديدة الآن شراء الحبوب من روسيا، "لأن موسكو شريك موثوق يضمن وصول الشحنات في موعدها، ويحافظ على إلتزاماته بموجب العقد".  

أوكرانيا لم تجعل من حبة السفينة Razoni قبة شرق أوسطية تدمّر "أسطورة" المجاعة العالمية. فقد سبق لممثل أوكرانيا الخاص في الشرق الأوسط أن إعتبر في مقابلته مع "المدن" أن دخول السفينة مرفأ طرابلس كان"اضطرابًا مؤقتًا مرّ في العلاقات الأوكرانية اللبنانية الودية تاريخيًا، ونأمل ألا يتكرر مرة أخرى".

في تعليق على نص صحيفة الكرملين المذكور، قال السفير الأوكراني في لبنان إيغور أوستاش ل"المدن" بأن صحيفة الكرملين تؤكد أن المستورد اللبناني رفض الشحنة لتأخرها 5 أشهر، ولا يريد حبوباً مخزنة. للصراحة، نحن نجهل سبب عدم وصول الباخرة Razoni مع شحنة الذرة على متنها إلى لبنان، وذلك لأن مالك الشحنة كانت شركة نمساوية. ومهمة أوكرانيا كدولة كانت في توفير الظروف للبزنس لتصدير السلع الزراعية. وبالفعل كان من المخطط تسليم الشحنة إلى لبنان منذ 5 أشهر، وقد يكون المستورد في لبنان رفضها بسبب الوضع الراهن في السوق اللبنانية. كما لا ينبغي إستبعاد أن تكون الشحنة التي كانت مطلوبة مطلع آذار/مارس انتفت الحاجة إليها في مطلع آب/اغسطس. والسبب الآخر لتغيير السفينة وجهتها قد يكون في تلقي المستورد سعراً أفضل، وهو كثيراً ما يحصل في التجارة البحرية العالمية.

وبعد أن يعرض السفير  رأيه برفع السفينة التي تملكها شركة ملاحة تركية علم سيراليون، يتناول ما تنقله صحيفة الكرملين عن خبراء روس نعتهم المصدرين الأوكران بأنهم "شركاء يندثرون"، ويقول بأنه يريد التوقف عند كلمة "خبراء". فيؤكد صوابية وضع الكلمة بين مزدوجين لأن الأشخاص المقصودين بها يقلبون الحقائق رأساً على عقب، إما عن قصد أو لجهل مطبق بالوقائع. فالشركات الأوكرانية، ووفقاً لشروط العقد الزمنية، حمّلوا شحنة الحبوب على متن السفينة في المواعيد المحددة. ولست "في حال من الأحوال، أحمل المستوردين الأجانب والناقلين مسؤولية تأخير الشحنة. فالجميع يعلم أن روسيا، بعدوانها الشامل على أوكرانيا، أحكمت حصار الموانئ الأوكرانية، محوّلة بذلك العالم بأسره إلى رهينة لديها، واستخدمت الحاجة إلى الغذاء كسلاح. روسيا التي حاصرت صادرات الحبوب الأوكرانية، تحاول بوقاحة تصوير الشركات الأوكرانية "شركاء يندثرون". 

كما توقف السفير الأوكراني عند تأكيد صحيفة الكرملين بأن مصدري الحبوب الأوكران يشرعون الباب لاختفاء أوكرانيا مصدراً للحبوب، ويفسحون المجال أمام روسيا للمتاجرة بحرية بحبوبها. وقال بأن اوكرانيا تسعى بكل جهودها للحؤول دون تفاقم أزمة الغذاء في العالم، فعمدت بأسرع وقت ممكن لتوسيع طرقات تصدير الحبوب البرية عبر الدول المجاورة، مع علمها بمحدودية إمكانية هذه الطرقات على الحلول مكان الطرقات البحرية. 

وبعد أن يشير السفير إلى إدراك أوكرانيا للمخاطر المترتبة على عدم إلتزام روسيا بإلتزاماتها تنفيذ إتفاقية إسطنبول، ويستعرض عدد السفن التي شحنت، أو تستعد، لشحن الحبوب الأوكرانية إلى بلدان العالم، يؤكد القناعة بأن أوكرانيا ستتمكن، بمساعدة المجتمع الدولي، من الإستمرار بكونها "مصدراً موثوقاً للحبوب إلى العالم".







increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها