الإثنين 2022/08/01

آخر تحديث: 06:40 (بيروت)

جيمس بوند الجولاني

الإثنين 2022/08/01
جيمس بوند الجولاني
increase حجم الخط decrease

لافتة هي تحولات "هيئة تحرير الشام"، من تنظيم جهادي اشتُهر بعملياته بالانتحارية والجريئة ضد النظام، إلى مشروع سياسي متكامل يتبنى التعددية ولا تفوته أهمية الاقتصاد وجذب الاستثمارات وتطوير البنى التحتية. صحيح أن "أبو محمد الجولاني" يفهم جيداً ضرورة التحول والتأقلم، واستقى دروساً من سيرة تنظيم "الدولة الاسلامية" باتجاه التدمير الشامل. لكنه يعرف كذلك نقاط قوته، وتحديداً العسكر والأمن، ذاك أن الرجل صاحب خبرة بالعمل الأمني والعسكري والتنظيمي في العراق وسوريا ولديه مجموعة كوادر تنفيذية من كل الجنسيات لا تقتصر علاقاتها وقدراتها بطبيعة الحال على سوريا.

ومن هذا المنطلق تحديداً، ربما وجب التدقيق في الاتهامات الروسية الأخيرة بحق الهيئة، رغم أن لموسكو تاريخاً من التضليل وقليلاً من الصدقية في الكلام الرسمي.

وفقاً لوسائل اعلام روسية، اعتقل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي أخيراً خمسة عناصر من "هيئة تحرير الشام"، في أراضي جمهورية قبردينو بلقاريا (جبال القفقاس) ومقاطعات بينها موسكو بتهمة جمع التبرعات وتحويل الأموال، تحت ستار العمل الخيري. وهذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها مثل هذا الاتهام والاعلان الرسمي. ذلك أن الجهاز عينه كان أعلن مرتين العام الماضي (في نيسان وتموز) إحباط هجمات أعدت لها الهيئة "في سيمفيروبول وأوفا" لتفجير منشآت ومواقع أمنية في بشكيريا وكذلك مؤسسة تعليمية في القرم، واعتقال عشرة عناصر من التنظيم. 

طبعاً، لا تملك الدولة الروسية الصدقية الكافية لأخذ كلامها حرفياً في اتهام الهيئة. لكن ما الفائدة في اتهام دولة عظمى تنظيماً مسلحاً في سوريا، بتجنيد مواطنين على أراضيها للتمويل وتنفيذ عمليات؟ أليس في ذلك اعتراف بالوهن أو بقدرة الطرف الآخر على الاختراق عن بعد؟ 

الهيئة على قوائم الإرهاب العالمية (ومن ضمنها الولايات المتحدة حيث هناك نقاش متقطع حول رفعها من القائمة)، وبالتالي لا يوجد هدف سياسي واضح للإعلان عن تورط الهيئة في التخطيط لعمليات أو نشاطات تمويلية على الأراضي الروسية، إلا في تبرير جدوى الحرب أو البقاء في سوريا للجمهور الروسي. وحتى هذه التبريرات لا تبدو ضرورية في ظل الحرب في أوكرانيا، سيما أن كلفة التدخل الروسي في سوريا منخفضة نسبياً.

لكن هناك ثلاثة أسباب بالإمكان تعدادها لمصلحة العمل الأمني للهيئة على الأراضي الروسية. أولاً، أن الهيئة وليدة تنظيم "القاعدة"، ولديها بالتالي شبكة علاقات أممية ومن ضمنها الأراضي الروسية (مثلاً من خلال مقاتلين مسلمين روس في سوريا). حقيقة أن التنظيم ما زال يحوي كوادر أجنبية رغم أنهم أقلية، تتيح العمل خارج سوريا، وكذلك تتقاطع مع المقاربة الوظيفية والمصلحية الحالية لملف المقاتلين الأجانب عموماً. قيمة أي أجنبي في مناطق الهيئة تكمن في وظيفته وقدرته على خدمة الأهداف العامة للتنظيم، وبالتالي بات المقاتلون الأجانب، مثلهم في ذلك مثل موظفي الشركات، في سباق لإظهار جدواهم. وإذا كانت لديهم قدرة على العمل داخل روسيا، لن تتوانى الهيئة عن الاستفادة من ذلك.

ثانياً، لدى الهيئة قدرة أمنية لافتة. جهاز "الأمن العام" التابع للهيئة هو مديرية مخابرات في مناطق سيطرتها، ولديه قدرة على التجسس ومتابعة التهديدات المختلفة للتنظيم.

ثالثاً، نفذ التنظيم عمليات أمنية الطابع داخل مناطق النظام، وأظهر قدرة على التجنيد والعمل الميداني خارج اطار سيطرته العسكرية. وإذا كانت روسيا تشن غارات على مناطق سيطرة الهيئة، وهي عملياً في حالة حرب معها، لماذا يجب عليها الامتناع عن تنفيذ اعتداءات على الجانب الروسي؟

من الصعب الجزم بمدى قدرة الهيئة على تنفيذ عمليات في الخارج، لكن من الواضح أننا أمام تنظيم تكتمل عناصر تحوله الى "دولة"، من العسكر والقضاء والشرطة للأمن والمخابرات، ويُطور قدراته بوتيرة وبشكل قد يُقنع أطرافاً دولية بجدواه، تمهيداً للاعتراف به كلاعب أساسي أكان في مواجهة النظام، أو كجزء من خريطة الحل في سوريا مستقبلاً. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها