الأحد 2022/07/31

آخر تحديث: 00:10 (بيروت)

الكريستال المخدّر.. سلاح إيراني جديد

الأحد 2022/07/31
الكريستال المخدّر.. سلاح إيراني جديد
مصادرات من الكريستال المخدر في دير الزور (عن شبكة "تواصل" المحلية)
increase حجم الخط decrease
من بين إعلانات متقطعة تخرج بها أجهزة النظام السوري، كشفت الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، ضبط شحنة مكونة من 25 كيلوغراماً من مخدر "الكريستال" على مدخل دير الزور الجنوبي، وهي كمية كبيرة، إذ يكفي الغرام الواحد لنحو عشر جرعات، أو يتعاطاه عشرة أشخاص. الأمر الذي يشير إلى تعاظم جمهور مدمني هذه المادة في منطقة شرق سوريا، خصوصاً أن المادة التي تم ضبطها هي على الأغلب جزء يسير مما يتم ضخّه هناك بطرق منظّمة، وما كشفُها إلا أحد أعراض الصراع بين الأجهزة الأمنية والجهات الإيرانية النافذة على حصص السوق ونسب الأرباح.

والكريستال أو "الشبّو" أو "الآيس" أو "الميث"، هي أسماء لمخدر صناعي من مشتقات الميثامفيتامين، ابتكره اليابانيون في الحرب العالمية الثانية، لإبقاء الجنود في حالة يقظة، خصوصاً الطيارين الذين يحلقون لساعات طويلة. يسبب الإدمان منذ الجرعة الأولى أو الثانية، يرفع ضغط الدم إلى مستوى عالٍ ويؤدي إلى الوفاة، يؤذي بشكل كبير الجهازين الهضمي والعصبي، ويؤدي الى تراجع حاد في الذاكرة، والفشل الكلوي والنقص السريع في الوزن. ميزته إنه يسرّع إفراز الدوبامين في المخ بآلية عمل الكوكايين. ويبدو على المتعاطي ضعف في النطق وتراجع المهارات، والعدوانية والهلوسة والشعور الزائف بالقوة.

يمكن لبعض المصنّعين تركيب هذه المخدّر من مواد شديدة الخطورة والسمّية، متاحة في الأسواق، مثل حامض البطاريات وموانع التجمّد وأدوية الاحتقان ومواد كيمياوية خطرة أخرى تنتج مادة مشابهة جزئياً في تأثيراتها، للمخدّر الأصلي، لكن أخطارها السمّية مضاعفة.

بدأ الحديث عن "الشبّو" في شرق سوريا منذ نحو سنة، عندما تتالت حالات وفاة شبان تحت الثلاثين من العمر بسكتات قلبية مفاجئة، وتزايدت هذه الحالات مع تصاعد حالات قتل غير مبررة، خصوصاً للأقارب، على أيدي شبان متهمين بتعاطي هذه المادة التي كان يحدّ من انتشارها ارتفاع ثمنها ومحدودية عدد المتاجرين بها، لكن الأسعار انخفضت من نحو 200 ألف ليرة سورية للغرام الواحد (أكثر من راتب موظف) إلى نحو 60 ألفاً، مع طرح كميات كبيرة في الأسواق، وازدياد عدد المروجين والتجار.

ويقول أهالي المنطقة أن الشحنات كانت تصل بكميات قليلة مع المليشيات الإيرانية المنتشرة في المنطقة، والتي تروج بشكل أساسي للحشيش المخدّر والكبتاغون، وأن الأسلوب الذي اتّبع في نشر المادة هو ذاته الذي يتبعه مروّجو هذه المخدرات في عموم سوريا والمنطقة، حيث يتم تسريب كميات محددة إلى المجتمع، بثمن منخفض، ثم تنتظر الجهة المروّجة الزبائن الذين يتصاعد عددهم بشكل يومي، إذ يتحول عدد من المتعاطين إلى مروجين وموزعين لتغطية نفقاتهم، ويورطون المزيد من الشبان لتتسع الشبكة وتحصد مزيداً من الأرباح.

السيرة هذه تكررت في جنوب سوريا، لا سيما في منطقة السويداء، وتحديداً في المناطق التي تسيطر عليها مليشيات تابعة للأمن العسكري وللمليشيات الإيرانية، إذ تعتبر المنطقة، إضافة إلى كونها وجهة للاستهلاك والتعاطي، قاعدة انطلاق إلى الأردن ومنها إلى دول الخليج العربي.

وسبق لهذا المخدر الخطير أن فتك بالمجتمع العراقي، فتفيد تقارير الأمم المتحدة أنه المادة الأكثر خطورة وانتشاراً منذ العام 2017، وتؤكد كافة التقارير الدولية والاستقصاءات الصحافية أنه قد وصل إلى العراق من إيران، وتأثرت به بشدة المحافظتان الحدوديتان، البصرة وميسان، وقد استوطن هذا العقار في العراق مع نشوء مصانع سرّية لتركيبه محلياً بخبرات إيرانية. من ناحية أخرى، بدأت التقارير الإعلامية الحديث عن تفشي هذا العقار في مصر، ودول عربية أخرى. لكن المُلاحظ أن لا ذِكرَ له في إيران، ولا يبدو أنه معروف هناك أو أن ثمة من يتعاطاه، مع أنها البلد الذي يصدّره ويصدّر الخبرات والأدوات والمواد اللازمة لتصنيعه، كما أن هذه العقار غير معروف أو مُتداوَل في سوريا سوى في المناطق المناوئة اجتماعياً لإيران ولنظام الأسد.

لا يحتاج واحدنا للكثير من التفكير أو التحليل وربط المعطيات، لاكتشاف حقيقة أن المخدرات بمستوياتها المتصاعدة، هي آلية تعمل بلا توقف على تمزيق أعمق طيات النسيج الاجتماعي في دول المشرق. وأن تفشيها، جنباً إلى جنب مع التمزق السياسي والانهيار الاقتصادي والانفلات الأمني العارم، هو المرحلة الأخيرة من مراحل دفع مجتمعات المنطقة للتحول إلى بيئات إجرامية، لا يأبه العالقون فيها سوى لمَن يمدّهم بجرعة مخدرات إضافية، ولا يخضعون سوى له.

لقد صارت المخدرات أخطر السكاكين الإيرانية الموجهة إلى مجتمعاتنا، والتعامل معها وفق أساليب "مكافحة المخدرات" التقليدية هو مضيعة للوقت. فالمواجهة الفعلية لا بد أن تذهب إلى الهدف الصحيح، وهو قطع اليد السياسية التي تحمل تلك السكين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها