الجمعة 2022/07/29

آخر تحديث: 16:35 (بيروت)

"طالبان" الجديدة تُسمن الجهاديين لبيعهم

الجمعة 2022/07/29
"طالبان" الجديدة تُسمن الجهاديين لبيعهم
increase حجم الخط decrease

كان لافتاً خلال الأسابيع الماضية، عدد التقارير الواردة عن المقاتلين التركستان (الأويغور المتحدرين من ولاية شينجيانغ المعروفة كذلك بتركستان الشرقية). ذاك أن هذه نقطة توتر أساسية بالنسبة للصين، نظراً لوجود المقاتلين الإسلاميين المتحدرين من هذه الولاية الاستراتيجية والغنية بالموارد، في أفغانستان وسوريا على حد سواء. 

في أفغانستان، وهي ربما الأهم نظراً لوجود حدود مشتركة بينها وبين الصين، كان هناك قلق لدى بكين حيال نشاط الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية، سيما أن الولايات المتحدة رفعتها من قائمة المنظمات الإرهابية. السفير الصيني لدى الأمم المتحدة جانغ جون تحدث في شباط (فبراير) الماضي عن آثار الإنسحاب الأميركي على الوضع الأفغاني، إذ تقلق بكين مما تعتبره فراغاً أمنياً قد تصاحبه انعكاسات بالفترة المقبلة. تحديداً، أشار جون إلى القلق الصيني "العميق" من تقارير عن تجنيد تنظيم "الدولة الإسلامية" مقاتلين من الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية. طبعاً، لا تأكيد لهذه التقارير، ومن مصلحة الصين الإشارة الى ارتباط بين الحركة التركستانية من جهة، وبين تنظيم الدولة، لأسباب منها إدانة الخطوة الأميركية الأخيرة.

والمقاربة الصينية حيال هذا الملف تقضي بالتعاون والتقارب مع حركة "طالبان"، من أجل لجم الحركة التركستانية خلال الفترة المقبلة. وهذه غالباً المقاربة الغربية، إذ بعلاقات محدودة وتعاملات على القطعة، يأمل الجانبان الأميركي والأوروبي بضبط "طالبان" والحؤول دون عودة أفغانستان الى قاعدة للتنظيمات الجهادية. واجتماع طشقند بين ممثلي 20 دولة وحركة "طالبان" يهدف الى اتساع دائرة التنسيق لمفاوضات أكثر فاعلية.

لكن هل تلتزم "طالبان"؟

هناك شقان في هذه المسألة، الأول هو في صعوبة رصد طبيعة العلاقة بين "طالبان" والحركات الجهادية، في ظل وجود أجنحة مختلفة داخل الحركة، إذ هناك شكوك حول تقاطعات بين بعضها وبين تنظيم "الدولة الإسلامية". إلا أن من الصعب الجزم في اتجاه دون آخر حالياً.

والثاني سياسي وله علاقة بالمقاربة الحالية لـ"طالبان". الواضح الآن وفقاً للمعلومات المتواترة أن الحركة لا تحرق أوراقها بالكامل. لم تشن عمليات لتصفية التنظيمات الجهادية في الداخل الأفغاني، لا بل هناك تقارير اليوم تتحدث عن نشاط وبناء قواعد بأريحية (للقاعدة والحركة التركستانية)، أي أن الوضع الحالي تحت سيطرة "طالبان" يعود بالفائدة على هذه القوى. لكن ذلك يحدث دون تسجيل أي نشاط معادي للغرب. النتيجة هي أننا سنرى تعافياً لهذه التنظيمات المنهكة، أكان "القاعدة" أو "الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية"، من دون أن يُترجم ذلك الى عمليات على الأرض. هذا الما بين للقوى الجهادية سيمنح "طالبان" أوراقاً أقوى وأكثر فاعلية إذ باتت تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية سيما الإنسانية منها. 

ربما من هذا المنطلق علينا فهم تعاطي "طالبان" مع "الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية"، وتحديداً في ظل التقارير عن بنائها قواعد وتعزيز قدراتها. يُمثل تنظيم أقوى تخشى منه الصين، ورقة أكثر فاعلية لابتزاز بكين. حركة "طالبان" تُسمن الجهاديين لديها ليرتفع ثمنهم في التفاوض والمقايضة مع الصين والغرب.

وربما بات علينا التفكير بشكل مختلف مع هذا الصنف من التنظيمات الجهادية، بصفتها في طور متأخر من التحول والتأقلم مع الواقع. مثلاً، تتصرف "هيئة تحرير الشام" بشكل مماثل في الشمال السوري، وتعمل على القطعة مع حلفائها السابقين لضمان بقائها، إما من خلال تحويلهم لأداة طيعة كمثل التركستان، أو استهدافهم كما يحصل مع "حراس الدين". اليوم، كل من "طالبان" والهيئة صار في مجال مكافحة الإرهاب، والأولى منذ أمد بعيد لاعب أساسي في عالم المخدرات. نحن أمام تنظيمات كثيرة التحول مع تركيز على أولوية البقاء والنجاة على حساب كل القضايا والالتزامات الأخرى مهما كانت أهميتها، لدرجة أن العقيدة تصير تفصيلاً لا لزوم له في تحليل الخطوات المقبلة وفهم طبيعتها ومسبباتها.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها