الأحد 2022/07/10

آخر تحديث: 08:09 (بيروت)

شتاء "الكريبتو": العملات الرقمية في العناية الفائقة

الأحد 2022/07/10
شتاء "الكريبتو": العملات الرقمية في العناية الفائقة
increase حجم الخط decrease

تهاوت أسعار العملات الرقمية في تداولات الأسبوع الماضي الى ادنى مستويات لها خلال سنتين لتخسر أكثر من ثلثي قيمتها وتفقد محافظها الاستثمارية والمالية حوالي ألفي مليار دولار في هبوط لم يقتصر على القيمة الفعلية لها بل أخذ في طريقه العديد من الشركات التي نشأت حديثًا لقطف ثمار الصعود الهائل للعملة الإفتراضية التي تحولت الى ضحية لسوق المال المفترض أنها نشأت وشاعت لتتخلص من تقلباته وتوفر للناس أدوات نقدية غير تقليدية.

في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي تجاوز سعر وحدة "بيتكوين"، أشهر العملات الرقمية، 68 الف دولار ولامس سعر "إيثر" عتبة الـ 3 آلاف دولار أميركي، وبلغت القيمة الدفترية للعملات الرقمية المتداولة ثلاثة آلاف مليار دولار. فتحت هذه الأرقام الخيالية شهية المصارف وبيوت المال التقليدية، ودفعت المستثمرين والمتمولين الى الإعتراف بـ“شرعية" ما دأبوا على اعتباره لسنوات طويلة لقيط دخيل على سوق المال لن تكتب له النجاة ولا النجاح، وكان لإعلان أغنى رجل في العالم، رئيس شركتي "تسلا" و"سبيس إكس"، ايلون موسك شراء بيتكوين بقيمة 1.5 مليار دولار، وقرار شركاته قبول العملات الرقمية في تعاملاتها التجارية ربيع العام الماضي، الأثر الكبير في دخول العملة الجديدة الى نادي الكبار.

وعلى وقع المكاسب السريعة التي حققها المتداولون بالعملات الجديدة غير الخاضعة لأية أحكام تنظم عملها، بدأت المصارف الأميركية ومكاتب الإستثمار في عرض العملات الرقمية ضمن المحافظ الإستثمارية والخدمات المالية التي توفرها لزبائنها فيما توالت أسماء الشركات الكبرى التي أعلنت قبولها كأداة نقدية، واندفع متمولون ومستثمرون الى انشاء شركات لتبادل وتصريف وتسويق العملة الإفتراضية استقطبت آلاف المواهب الشابة والكثير من مخضرمي البنوك والبورصة، وغزت إعلانات "بيتكوين" و"إيثر" وشركات التبادل مثل "كوينبيس" و"باينانس" شاشات التلفزة والمطبوعات وصفحات الانترنت حاملة تزكية فنانين ورياضيين مرموقين، لتقول أن عملة عصر الإنترنت بلغت سن الرشد.

سمح التعافي السريع للإقتصاد الأميركي، من نكسة" كوفيد19" والارتفاع المضطرد في أسعار الأسهم منذ مطلع العام الماضي، بتوفير سيولة إضافية للمستثمرين الراغبين في خوض غمار التجربة الجديدة ونشأت في أميركا وحدها أكثر من ستين شركة جديدة رأسمال كل منها يزيد على المليار دولار. لم يقتصر الحماس الإستثماري على المحترفين بل سرت الحمى الرقمية في اوصال العالم كله رسميًا وشعبيًا الى درجة دفعت رئيس السلفادور الشاب، الفلسطيني الأصل، نجيب بقيلة الى تحويل نحو اربعمئة وخمسة وعشرين مليون دولار من الخزينة العامة الى عملات رقمية، فيما توالت الأخبار والتقارير عن سماح المزيد من حكومات العالم وشركاته باعتمادها مع دخول آلاف المواطنين المعترك الجديد يوميًا، وأفادت الأرقام أن حوالي 100 مليون مواطن في الهند و27 مليونًا في أميركا و17 مليونًا في روسيا و13 مليونًا في نيجيريا و10 ملايين في البرازيل، و1.8 مليون في مصر، و868 الفًا في المغرب، وأقل من نصف مليون في السعودية  يملكون عملات رقمية، وأن 82 بالمئة منهم من حملة الشهادات الجامعية، و79 بالمئة من الذكور، و58 بالمئة دون الرابعة والثلاثين من العمر، و36 بالمئة من أصحاب المداخيل التي تتجاوز المئة الف دولار سنويًا.

لكن رقصة الإنتصار لم تستمر لأن "الموسيقى توقفت" على حد تعبير صحيفة "نيويورك تايمز" التي أشارت الى أن العديد من الشركات الناشئة سارعت الى تسريح موظفيها وعمد البعض منها الى تجميد عملياته. جاء ذلك بعد اعلان "تيرالونا" أكبر شركة تبادل رقمي مرتبط بسعر الدولار إفلاسها، وإعلان شركة "فوايجير" الممولة لشركة "ثريآروز" أن الأخيرة لم تتمكن من سداد قسط مستحق عليها بقيمة 665 مليون دولار، وانها في صدد تسييل أصولها الرقمية لتحصيل المبلغ، وقرار شركتي "سيلسياس" و"كوينفليكس" وقف السحوبات من حساباتهما، أدت هذه الخطوات المتزامنة مع الانخفاض المستمر في أسعار الأسهم في بورصة نيويورك (انخفض مؤشر "داو جونز" أكثر من 15 بالمئة، ومؤشر "ستاندرد اند بوور" 20 بالمئة، ومؤشر "ناسداك" 30 بالمئة)، وسط مخاوف من ركود اقتصادي يتبع التضخم الراهن، الى موجة هروب جماعية من العملات الإفتراضية ساهمت في المزيد من التدهور لينخفض سعر "بيتكوين" الى ما دون الـ 18 الف دولار، وتنخفض قيمة "إيثر" الى حدود الألف دولار، فيما كانت خسائر العملات الأقل شهرة أكثر.

اطلق الإعلام الأميركي على تدهور السوق الرقمية اسم "شتاء الكريبتو" كمرادف لتعبير "سوق الدب" المخصص لإنخفاض قيمة الأسهم في أسواق المال، وعزا أسباب التدهور الى رفع سعر الفائدة، ومؤشرات التضخم والخوف من الركود، الّا أن السبب الذي لا يمكن قياسه ولا يمكن تجاهله ايضًا هو احتضان سوق المال للعملة الجديدة ما أدى الى ارتباط مصيرها بمصيره في مفارقة لافتة حيث أنها قدمت نفسها في الأساس كبديل مضمون لآليات السوق وملاذ آمن من التضخم والركود لأنها غير مرتبطة بمصارف مركزية أو سياسات حكومية، وجاءت الوقائع لتكشف أن السوق التقليدية لا تزال قادرة على استيعاب وتطويع أي مستجدات مرتبطة بالتقنيات الحديثة تمامًا كما استوعبت وحطمّت فقاعة الإنترنت مطلع القرن الحالي، وحوّلت الفضاء الإفتراضي الى اسهم وسندات قابلة للتداول وعرضة للتقلبات، خصوصًا وأن القيمة الإجمالية للعملات الرقمية ليست أكثر من قيمة بعض الشركات الكبرى مثل "آبل"، "تشيس"، "أرامكو"، "غوغل"، "تيسلا" و"امازون".

يتوقع المحللون الماليون أن تتعافى العملات الرقمية تدريجيًا، وبشكل موازٍ لتعافي سوق الأسهم، ويرون أن الكلام عن نهاية التجربة الرقمية في غير محله ولا يتعدى كونه تهويلًا مدروسًا من قبل بعض المستثمرين المقامرين الذين يريدون انهاك العملة الجديدة أكثر قبل أن يشتروها بأسعار بخسة ليحققوا ارباحًا طائلة. الى ذلك يجمع المحللون على أن الفرصة أصبحت سانحة الآن لتقوم السلطات المالية في أميركا على الأقل بوضع احكام وأنظمة ترعى التداول بالعملات الرقمية وتجعل الاستثمار فيها اقل عرضة للمخاطر. صحيح أن العملة الرقمية دخلت العناية الفائقة مؤخرًا، لكنها ليست في طور الاحتضار.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها