الجمعة 2022/07/01

آخر تحديث: 07:08 (بيروت)

العمل النقابي الحرام

الجمعة 2022/07/01
increase حجم الخط decrease

لافت اليوم في خضم أزمة مالية واقتصادية وسياسية مركبة حوّلت غالبية اللبنانيين الى فقراء ومعوزين، أن الغائب الأكبر هو العمال، في مقابل تركيز على حقوق الطوائف (المُتخيلة) والتهديدات الخارجية (وأغلبها كذلك متخيل). باختصار، لبنان اليوم حالة استثنائية على مستوى العالم لجهة جمعه بين التدمير الممنهج لحقوق العمال، وبين غياب كامل للاحتجاج المنظم لأسباب متعددة أهمها تفكيك العمل النقابي منذ تسعينات القرن الماضي، وتحديداً عام 1997 حين فرضت السلطة مرشحها في الاتحاد العمالي العام ضد الثنائي الياس أبو رزق وياسر نعمة (ومن ثم محاكمتهما بتهمة تشويه صورة الدولة). منذ ذلك الحين، فرّخت أكثر من 600 نقابة و62 اتحاداً، لتصير الحركة النقابية اللبنانية عنواناً للا تنظيم والتشتت. 

على مستوى العالم اليوم، تخوض النقابات معارك رفع الأجور لتتناسب مع نسب التضخم المرتفعة نتيجة حرب أوكرانيا. المملكة المتحدة (بريطانيا) أُصيبت بشلل في قطاع مثل النقل نتيجة نسبة تضخم لا تتجاوز عشرة بالمئة، ويخوض الاتحاد العام التونسي للشغل المعركة وحيداً ضد الرئيس الصاعد قيس سعيّد. في المقابل، سجّل لبنان بصمت ودون احتجاجات تُذكر، أعلى نسب التضخم في العالم متجاوزاً زمبابوي وفنزويلا (بلومبرغ سجلت في آب العام الماضي نسبة 137 بالمئة، في حين سجل مكتب الاحصاء المركزي نسبة 215% في شباط الماضي).

العملة الوطنية فقدت أكثر من تسعين بالمئة من قيمتها، وانخفض الراتب الحكومي بالدولار من ألف عام 2019، الى خمسين دولاراً لا تكفي للتنقل، ولم نر الى اليوم تحركاً نقابياً يضغط على السلطة ويُطالبها بتصحيح الأجور ضمن الحد المعقول، فيما تُواصل الحكومة رفع الضرائب وأكلاف المعيشة على الناس. أليس منطقياً حين تُعدل السلطات اللبنانية أسعار الجباية، أن تُصحح كذلك أجور العاملين فيها بكافة قطاعاتهم؟ وماذا عن رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص الذي يُعدل من أسعاره؟ كيف تقبض شركة طيران الشرق الأوسط ثمن التذكرة بالدولار وتدفع للعاملين فيها أجورهم بالليرة اللبنانية أو الدولار البنكي وهو أقرب للعملة الوطنية من الدولار الحقيقي أو الفرش؟

مع التدهور المعيشي الكبير في البلاد، لا يُوجد لحركة الاحتجاج أثر. حتى قبل الأزمة، كانت حصة أجور العمال والتقديمات اليهم من الناتج المحلي وفقاً للأرقام الأممية منخفضة نسبة لدول العالم، إذ سجّل لبنان 30 بالمئة (2016) مقارنة مثلاً بـ56 بالمئة في بريطانيا. هل تتخيلوا كم انخفض هذا الرقم؟

الناتج المحلي انخفض من 55 مليار دولار الى 20.5 نتيجة الانهيار، وفقاً لأرقام البنك الدولي، لكن حصة أجور العمال انخفضت بشكل أكبر لو أخذنا في الاعتبار النسبة الهائلة العاملة في القطاع العام، وتدهور رواتبها ليُوازي الواحد منها خمسة بالمئة مما كان عليه كقدرة شرائية. الأرجح أننا أمام رقم قياسي جديد يُسجل للبنان في سحق الطبقة العامة وحقوقها.

ورغم كل ذلك، لا حركة نقابية تُسجل اعتراضاً على واقع الحال بل تحركات احتجاج مناطقية متفرقة. حتى في الانتفاضة الأخيرة والانتخابات الماضية، تمكنت "منصات" رجال الأعمال رغم أنها تُمثل أقلية بأن تُهيمن على المشهد وعلى التمثيل النيابي عبر وجوه بلاستيكية أغلبها غير معني بحقوق العمال.

من الضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى، تمثيل هذه الشريحة المهمة في وقت تُحاول قوى السلطة اعادة تشكيل الاقتصاد على أسس أكثر وحشية تجاه العمال، وبشكل أكثر ديمومة هذه المرة. خوض المعركة النقابية من الداخل سيكون صعباً، والأجدى اليوم التفكير بالتنظيم من خارج هذه التشكيلات، وبشكل عضوي، أي بالتركيز على الحالة الاعتراضية داخل المؤسسات، والبناء عليها.

مثل هذا النشاط يُعوّل عليه في انتاج حالة بديل تُصحح التمثيل لانتاج عقد اجتماعي جديد، مع أخذ أخطاء السنوات الماضية في الاعتبار، والحؤول دون تسلل جديد لرجال الأعمال ومنصاتهم وخياراتهم الوصولية الخالية من أي مضمون سوى حرمان الغالبية من التمثيل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها