الجمعة 2022/06/24

آخر تحديث: 07:55 (بيروت)

سياسة العراق خارج مؤسساته

الجمعة 2022/06/24
سياسة العراق خارج مؤسساته
increase حجم الخط decrease

كانت استقالة كتلة مقتدى الصدر من مجلس النواب العراقي بعد ثمانية شهور على انتخابها في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، بمثابة اعلان نهاية حقبة سياسية بدأت عام 2003، والاقرار بأزمة نظام غير قابلة للحل. 73 نائباً (من أصل 329) من الكتلة الصدرية لم يجدوا أي طائل من العمل داخل المؤسسة البرلمانية، في ظل التنازع الحاصل مع بقية القوى في ظل إصرار مقتدى على تشكيل حكومة غالبية، وبالتالي الخروج من الإطار التوافقي المرهق سياسياً والفاشل في إنجاز الاستحقاقات الدستورية والخروج بسلطة تنفيذية متجانسة وقابلة للمحاسبة.

هل باتت المؤسسات السياسية غير قابلة للإصلاح، وبالتالي من الضروري العمل من خارجها، إما من خلال الاحتجاج السلمي أو الضغط الميليشيوي؟ في منطقة كالمشرق، اعلان وفاة المؤسسات السياسية، تليه تبعات أمنية، رغم أن الصدر لا يملك مفاتيح التفجير وحده. إذا فُقد الأمل بأي تغيير أكان من خلال الانتخابات، أو حتى عبر الاحتجاج السلمي، ماذا يتبقى غير العنف طريقاً للخروج من الأزمة؟

هذه مرحلة متقدمة وربما لاحقة من الأزمة.

صحيح أن الصدر خاطب أعضاء كتلته قبل استقالتهم، مبرراً قراره "الانسحاب من العملية السياسية" كي لا يشترك "مع الفاسدين بأي صورة من الصور لا في الدنيا ولا في الآخرة". لكنه أعلن أيضاً رغبته في عدم المشاركة بالانتخابات المقبلة "بوجود الفاسدين". بيد أن المشاركة بالعملية السياسية صارت منوطة بإصلاحها وبإخراج "الفاسدين" منها. هي فاسدة حتى إشعار آخر. لماذا؟

في الانتخابات الماضية، فازت "الكتلة الصدرية" بـ73 مقعداً، تلاها تحالف "تقدم" بـ37، وائتلاف "دولة القانون" 33، ثم الحزب "الديمقراطي الكردستاني" 31. لكن تحرك الكتلة الصدرية باتجاه تشكيل حكومة غالبية خارج الإطار التوافقي، اصطدم بقدرة ائتلافية لدى الطرف المقابل، المدعوم ايرانياً، وبوهن في القدرة السياسية، كون الكتلة غالباً غير قادرة على عقد الصفقات والدخول في ائتلافات، على الأقل بالقدر الكافي لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة.

راهن الصدر بعد الانتخابات على تشكيل حكومة غالبية (155 نائباً) تضم تحالف "إنقاذ وطن" بقيادته مع كتلة "تقدّم" (سُنّية) بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي والحزب الديموقراطي الكردستاني. لم ينجح الرهان. نازعه "الإطار التنسيقي" ويضم دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكتلة الفتح الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالي لإيران. لم يعد متاحاً اختيار السلطة التنفيذية وحكم البلاد، سيما في ظل وضع اقتصادي متردي بالبلاد، لهذا جاء خيار الاستقالة.

والمفارقة أن "الإطار" نفسه ورث الحصة الأكبر من مقاعد التيار الصدري بانتخاب "النواب البدلاء"، وحصد 40 مقعداً، وفقاً لإحصاء وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب). وبالتالي بات لدى الإطار 130 نائباً، ما يُعزز موقفه في التفاوض مع بقية الكتل، ويضعه في المقدمة السياسية بالبلاد. وهذه عملية "تصحيحية" لنتيجة الانتخابات، تحققت بفعل التعطيل، تماماً كما يحصل في لبنان. الكتلة الأقوى سياسياً قادرة على استخدام نفوذها لفرض إرادة سياسية و"تصحيح" نتائج الانتخابات. أما الكتلة الأضعف، فهي ولو كانت تملك غالبية، بإمكانها أن تخرج للتفكير ببديل سياسي.

والعراق هنا يُمثل مرآة لما يُمكن أن تؤول اليه الأوضاع في لبنان، مع فشل العملية السياسية وولادة الأزمة تلو الأخرى منها. ذاك أن المؤسسات تُثبت المرة تلو الأخرى خواءها، وأن السياسة تحصل خارجها، وأنها، رغم تمثيلها إرادة الناس، أضعف من أن تحكم مقابل غلبة لمن يحمل السلاح ويملك النفوذ الإقليمي.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها