السبت 2022/06/11

آخر تحديث: 06:29 (بيروت)

حبل السُرّة السوري الأوكراني

السبت 2022/06/11
حبل السُرّة السوري الأوكراني
increase حجم الخط decrease

بعد أيام من إعلان بوتين حربه على السوريين، نشرت هيئة تحرير وكالة رويترز نصاً بعنوان "سوريا وأوكرانيا: جبهتان لحرب روسيا من أجل النفوذ". ورأت الوكالة حينها أنه، ومن خلال القصف الجوي في سوريا، قد تسعى روسيا للحصول على تنازلات من الغرب في الصراع بأوكرانيا. وعلى الرغم من أن دمشق تبعد 3 آلاف كلم إلى الجنوب من كييف، إلا أن أوكرانيا وسوريا هما بالنسبة لبوتين جبهتان في حرب تهدف إلى سد الطريق أمام إندماج أوكرانيا في أوروبا. ونقلت الوكالة حينها عن مسؤولين رفيعي المستوى قولهم بأن الضربات في سوريا قد تستخدمها روسيا للحصول على إعتراف الغرب بضم القرم إليها. 

إستنتاجات رويترز في بداية حرب بوتين على السوريين أصبحت بديهيات لاحقاً، وتراكم فوقها جبل من إضافات التفسير والتوسيع والتفنيد. لكن المستغرب الذي بدا سذاجة موصوفة في ذلك الوقت، هو إفتراض بعض المسؤولين الغربيين حينها أن عملية بوتين كانت تستهدف "المساعدة في حل أزمة المهجرين التي ضربت أوروبا"، وذلك كي يظهر بوتين للغرب كوسيط لا غنى عنه"، حسب رويترز.

وعن التأثير المتبادل بين حرب بوتين في كل من أوكرانيا وسوريا، كتبت صحيفة kp الأوكرانية ( كومسومولسكايا برافدا) في اليوم الثاني للعملية في سوريا نصاً بعنوان "كيف تؤثر الحرب في سوريا على السلم في أوكرانيا". إفترضت الصحيفة أن روسيا قد تكون حصلت على موافقة الولايات المتحدة على عمليتها في سوريا. ونقلت عن عدد من الخبراء الأوكران تردادهم لما قالته رويترز عن هدف بوتين من عمليته في سوريا، لكن أحدهم شكك في نجاح مناورة بوتين السورية للجلوس حول طاولة حل المسائل الدولية. وتمسك آخر بالفرضية المتداولة حتى اليوم من أن روسيا تورطت في المستنقع السوري، وأن خروجها  منه لن يكون يسيراً كما دخوله. لكن الخبير فاته أن روسيا، ولدى دخولها الحرب السورية، لم تلحظ أصلاً سيناريو الخروج منها.

ورأى خبير ثالث علاقة بين إنطلاق عملية بوتين في سوريا عشية إجتماع "رباعية النورماندي" في باريس حينذاك للبحث في صراع الدونباس، ومحاولة بوتين جمع أكبر قدر ممكن من الأوراق الرابحة على طاولة المفاوضات. 

 

Telegramm сanal  hvylya  الأوكراني نشر أواخر الشهر المنصرم نصاً بعنوان "الحرب في أوكرانيا وسوريا: "تفاقم محتمل وتوازن جديد". رأى الموقع أن حرب روسيا في أوكرانيا وعواقبها تطرح بالضرورة مسألة مستقبل الوضع في سوريا، حيث تحتفظ روسيا بتواجدها السياسي العسكري هناك. أوكرانيا وسوريا ــــــ حربان مختلفتان وصراعان بطبيعة مختلفة، لكنهما متشابكتان بصورة وثيقة في السياسة الخارجية الروسية. أحد أسباب تدخل روسيا في سوريا في خريف 2015 كانت رغبتها في تحسين وضعها الدولي بعد العزلة وضعفها جراء عقوبات العام 2014. لقد أصبحت سوريا إحدى المنصات الرئيسية للأزمات التي تبرز روسيا قوتها عليها. فالنصر في المرحلة العسكرية من الصراع، سمح للروس بالحصول على ميزة جيوسياسية كبيرة على الغرب. والإتفاقات المؤقتة بعد الحرب مع إيران، إسرائيل، الأردن وتركيا رسخت دور روسيا كواحد من أصحاب المصالح الرئيسية في المشرق. كما أن النجاح في سوريا سمح لروسيا بإستعادة جزئية لموقعها السياسي الدولي بعد العام 2014، وكذلك إطلاق لعبة سياسية جدية مع الغرب للمساومة على استمالته للتسوية في أوكرانيا والأمن الإقليمي وتقاسم النفوذ في العالم. 

لكن الموقع يرى أن روسيا لم تتمكن من مواصلة اللعبة حتى نهايتها المنطقية. فالحرب في اوكرانيا أدخلت عليها تعديلات جدية، وشطبت عملياً كل الإنجازات التي حققتها موسكو في الحملة السورية. الملف السوري لم يعد مهماً كما في السابق، وغزو أوكرانيا أدى إلى قطع العلاقات بين روسيا والغرب، ووضع بداية لإعادة تقسيم السوق وإحراق الجسور لتواصل سياسي طبيعي بين الجانبين وقطع الحوار بشأن سوريا. 

الوضع في سوريا هادئ نوعاً ما، لكنه هش وأبعد ما يكون عن التسوية السياسية. المفاوضات بشأن التسوية السياسية التي إنطلقت في "منصة جنيف" العام 2019 بضمانة روسيا وإيران وتركيا دخلت في طريق مسدود. كما لم تساعد في هذا المجال "منصة أستانة" بوساطة كازاخستان. الخلافات بين أطراف الصراع وبين مموليهم الخارجيين لا تسمح بالعثور على حل مقبول للجميع، وهذا ما يُدخل مرحلة ما بعد الحرب في طريق سياسي مسدود يفاقم تدريجيا الوضع الداخلي ويهدد بإنفجار جديد بسبب الإحباطات من الحرب غير المنجزة والشعور بغياب أفق للخروج منها. 

يرى الموقع أن وجود روسيا العسكري الناجح في سوريا ترافق مع مشاكل واضحة في الجوانب غير العسكرية في سياستها السورية. ويرى أسباباً عديدة للفشل الروسي هذا. أولها هو غياب إستراتيجية إقتصادية واضحة، مما حال دون كونها لاعباً تجارياً إقتصادياً كبيراً في سوريا بعد الحرب. وإضافة إلى التوظيفات المالية المحدودة في الإقتصاد السوري، كان الدبلوماسيون غالباً ما يلعبون الدور الثاني، وتترك القرارات للعسكريين الذين لم يولوا إهتماماً بالقضايا الإجتماعية والإنسانية. آخر هذه الأسباب كان النظرة إلى سوريا كواحد من الأصول الروسية الذي يساعدها في كسب مقعدٍ متساوٍ مع الغرب على "مائدة الطعام الدولية". وهذا لم يترافق مع عمل دعائي جدي على المستوى الإقليمي،  على الرغم من أن منصات الإعلام الروسية في المنطقة كانت وما تزال تعمل جيداً. 

الموقع الروسي المعارض Rosbalt نشر أواخر الشهر المنصرم أيضاً نصاً بعنوان "ليس مقدراً للصراع السوري أن يتحول إلى "حرب منسية"". رأى الموقع أن الجميع، وعلى خلفية ما يجري في أوكرانيا، بدا وكأنه نسي سوريا، في حين أن العمليات العسكرية السياسية تجري هناك بصورة عاصفة أيضاً. مواقع اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط طرأ عليها تغيير ملحوظ بسبب العملية العسكرية في أوكرانيا. رأت كل من إيران وتركيا فرصاً جديدة لتوسيع نفوذهما في المنطقة، وإسرائيل تتوخى الحذر، حتى يكون ضد مصالح الولايات المتحدة. 

المسألة برمتها تكمن في الأثر الذي تركته، وسوف تتركه لاحقاً، العملية العسكرية في أوكرانيا على اللاعبين الرئيسيين في المنطقة ــــــــ تركيا، إيران وإسرائيل. وحتى روسيا عينها يتأثر وجودها في سوريا بما يجري في أوكرانيا، حيث تكرر بصورة متزايدة وسائل الإعلام ذكر إفتراضات إحتمال تخفيض الوجود العسكري الروسي هناك بسبب سحب جزء من القوات. 

الطبيعة لا تحب الفراغ، خاصة الطبيعة السياسية، ولذلك حتى الإنسحاب الروسي الجزئي يعزز مواقع إيران في سوريا. أما تركيا فهي توسع نفوذها ليس في سوريا فحسب، بل وفي العراق أيضاً الذي قامت مؤخراً بعملية عسكرية ضد أكراده. وهي الآن بصدد الإعداد لعملية عسكرية جديدة ضد الأكراد في شمال سوريا. 

وبعد أن ينقل الموقع عن خبير روسي حديثه عن موقف إسرائيل ونشاطها في سوريا على خلفية الحرب الأوكرانية، ينقل عنه قوله بأن وجود روسيا في سوريا كان يساهم جزئياً في تسوية التناقضات بين هذه الدول. وخروج روسيا المحتمل من سوريا يقلق إسرائيل، لأن تعزيز وضع إيران في سوريا ليس في صالحها. 

كما ينقل الموقع عن خبير روسي آخر قوله بأن التوتر في سوريا سوف يتصاعد، وذلك لأنه ليس لدى الأميركيين وقت لسوريا الآن. لكن الولايات المتحدة، مع ذلك، قلقة جداً من أعمال أنقرة ضد الأكراد السوريين وتريد منها تخفيض وتيرة إستعداداتها للعملية الجديدة. 



 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها