الجمعة 2022/05/27

آخر تحديث: 14:46 (بيروت)

بعض الغاز في الطريق إلى "الأقصى"

الجمعة 2022/05/27
increase حجم الخط decrease

تصريحان مقلقان للأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله والمبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي يُضافان للمؤشرات المتزايدة لاحتمال الصدام العسكري بين ايران وإسرائيل وحلفائهما خلال الفترة المقبلة.

في خطاب نصر الله في ذكرى التحرير، ثبت نصر الله قاعدتي اشتباك جديدتين. الأولى على ارتباط بثروة الغاز في بحر لبنان والحاجة الى "جُرأة" لحمايتها، واختزال حلول الأزمات المحلية باستخراجه. عملياً، نحن أمام ترسيخ دور جديد للسلاح في "حماية" ثروة الغاز، ذاك أن "الحماية" في ظل فشل المفاوضات، تعني عملياً توظيف القدرات العسكرية لدفع الجانب الإسرائيلي الى التنازل. ولكن هل يحصل ذلك؟ الأرجح أننا أمام "مزارع شبعا بحرية" يختزل حزب الله فيها كل الحلول للأزمة اللبنانية، ويربط الحصول عليها بالسلاح والمواجهة. وكأن لسان حال نصر الله أن الخروج من الأزمة يمر بحروب طاحنة حول الغاز، لا بتطوير البنية التحتية والتحول الى دولة منتجة.

وبما أن الحل هنا يبدو بعيد المنال إن لم يكن أكثر من ذلك، يبقى أن نصر الله يضع اليوم قواعد اشتباك جديدة من طرف واحد، ما يرفع من احتمالات الصدام خلال الفترة المقبلة.

النقطة الثانية هي التهديد مجدداً بحرب إقليمية في حال الاعتداء على المقدسات. سبق لنصر الله أن حدد المسجد الأقصى كخط أحمر في خطاب له العام الماضي. لكن بالخطاب الأخير، وردت جملتان فيهما تهديد أوسع نطاقاً وقابلاً للتأويل. في الأولى، تحدث عن أن "أي مسّ بالمسجد الأقصى وبقبة الصخرة سيفجر المنطقة"، والثاني "عليهم أن يعرفوا أن التمادي في العدوان على المسجد الأقصى والمقدسات سيؤدي الى انفجار كبير في المنطقة وما لا تحمد عقباه". التمادي هنا يتيح الكثير من التأويل وبالتالي يُوسّع دائرة الصدام في حال كانت هناك رغبة إسرائيلية أو ربما إيرانية في ذلك.

المبعوث الأميركي الخاص الى إيران روبرت مالي كذلك أعلن ضعف آمال التوصل لأي اتفاق، واستعداد واشنطن لتشديد العقوبات على طهران، وكذلك الرد على "أي تصعيد إيراني مع إسرائيل" وغيرها من الحلفاء. مالي، ومعه بعض الإدارة الأميركية، ما زال يعتقد بأن الدبلوماسية هي أفضل الفرص لاحتواء البرنامج النووي الإيراني، وهي قادرة على تحقيق ما ليس بإمكان الضربات العسكرية إنجازه. لكن في الوقت ذاته، تضيق نافذة حصول الاتفاق ومعها قدرة أنصار الحل الدبلوماسي على إبقاء الأمور في هذا الإطار.

أن نصل إلى مرحلة يتحدث فيها مالي المعروف بتأييده الاتفاق، وبكونه المبعوث المحبب لإيران بهذه اللغة التصعيدية، يعني أننا نقف أمام نفق مسدود وبات الرد الأميركي على الفشل أقرب الينا من انجاز الاتفاق. الخطوة التالية هي تشديد العقوبات مع انضمام الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة في تشديد الخناق على الجانب الإيراني، ما يتطلب رداً من طهران على شاكلة ما رأيناه بعد حملة الضغوط القصوى لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب (اعتداءات على مرافق نفطية ودول خليجية حليفة للولايات المتحدة).

بناء على تجربة سنوات ترامب، ستُؤدي العقوبات الى تصعيد عسكري مع إيران وحلفائها ووكلائها في المنطقة العربية، على أن يكون الرد العربي على مثل هذا التصعيد مختلفاً، في ظل التقارب مع إسرائيل والوعود الأميركية بتعامل مختلف مع التهديدات الإيرانية للحلفاء.

بعد تصريحات مالي ونصر الله، بالإمكان تحديد مسارين يرفعا مستوى التصعيد بالمنطقة. الأول هو التوتر الإقليمي بين المحاور في ظل التقارب بين حلفاء واشنطن العرب وإسرائيل، وهو مواز لفشل المفاوضات بشأن العودة للاتفاق النووي. المسار الثاني هو تبديل قواعد الاشتباك مع إسرائيل لجهة تحويل أي انتهاكات في القدس المحتلة من قضية مواجهة فلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي، إلى رد أو حرب إقليمية تشترك فيها القوى الموالية لطهران. وفي سياق هذا المسار يقع التعاون الواسع بين حركة "حماس" و"حزب الله" لجهة استخدام الأراضي اللبنانية كقاعدة لوجستية وسياسية خارج قطاع غزة للأولى.

المهم أننا أمام مسار تصعيدي على مستوى المنطقة، ولكن ذلك قد يكون دون خط الانفجار الشامل اقليمياً، بل من المحتمل التوجه نحو مواجهة أولية يُحاول كل طرف فيها اثبات قدراته وتأديب الآخر وردعه في مساحة محددة جغرافياً. غالباً اختيار ساحات المواجهة يقع على رؤوس الضعفاء مثلهم مثل الأيتام في توزيع الإرث. ومن يُنافس لبنان اليوم أكثر على مثل هذا الموقع في هذه الظروف؟

لهذا من الضروري قطع الطريق بالسياسة على إسقاط هذه الوظيفة (تحوّلنا الى ساحة) بالمظلة على لبنان تحت مسوغات مختلفة كالدفاع عن المقدسات أو ثروة الغاز، والتركيز على أولوية النهوض بالإصلاح والاقتصاد المنتج، وهو طريق تختار السلطة عدم سلوكه كل مرة لعدم قطع الطريق على الفساد، وفي حالة "حزب الله"، للحؤول دون تحولنا لدولة مفيدة تختار النمو الاقتصادي بدلاً من الحروب والنزاعات الأبدية خدمة لمصالح خارجية.




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها