الخميس 2022/05/26

آخر تحديث: 11:53 (بيروت)

نصر الله إذ يعيد ترتيب الاولويات اللبنانية

الخميس 2022/05/26
نصر الله إذ يعيد ترتيب الاولويات اللبنانية
increase حجم الخط decrease

 

                     لم يكن السيد حسن نصرالله يردّ على أنشودة نزع سلاح "حزب الله" التي طغت على حملة الانتخابات النيابية الاخيرة، عندما أنذر إسرائيل بالأمس بأن "مسيرة الأعلام" التي ينوي المستوطنون اليهود تنظميها يوم الاحد المقبل في القدس المحتلة وتتويجها داخل حرم المسجد الاقصى، ستؤدي الى انفجار كبير في المنطقة، داعياً شعوب المنطقة وحكوماتها ودولها الى الترقب والانتباه والاستعداد والتنبه لما قد يجري حولنا وقد تكون له تداعياته الخطيرة والكبيرة على المنطقة"..

وجّه نصر الله تنبيهاً خاصاً الى لبنان بإعتباره "أكثر بلد معني بما سيجري"، من دون أن يخص أحداً من منشدي أهزوجة "نزع السلاح" أو يذكرهم بالإسم، معتمداً على دقة قراءتهم وإدراكهم وفهمهم، لموقف الحزب ودوره، عندما يحصل الانفجار الكبير في المنطقة، وتظهر تداعياته الخطيرة، قبل أن يكمل لبنان عدّته الانتخابية المحددة، ويدخل شريكاً مباشراً في الحرب الاقليمية المقبلة..إذا ما إندلعت.

كلام نصر الله ليلة الاربعاء، بدا مثل جرس إنذار، دقيق وصاخب، للبنانيين جميعاً الذين أخذتهم الانتخابات النيابية، على حين غرّة، بعيداً عن همومهم الفعلية، سواء منها الخاصة بإنهيار الدولة ومؤسساتها، وإفقار المجتمع بمعظم شرائحه، أو تلك التي غابت عن بالهم لأسابيع، وأهمها إحتمالات الحرب مع العدو الاسرائيلي، لإسباب إيرانية أو فلسطينية، والتحولات الخطيرة التي تشهدها سوريا منذ أن لاحت بوادر الانكفاء الروسي، وما نجم عنها من توسع، أو بالاحرى تنافس تركي ايراني على وراثة التركة الروسية.

أنهى نصر الله فترة الاستراحة الانتخابية، وأعاد الامور الى نصابه الطبيعي، المألوف: كيف يمكن وقف الانهيار الداخلي؟ وكيف يمكن الاعتماد على النفط والغاز في البحر، وتصبح حماية تلك الثروة وإستثمارها، حسب تعبيره، مقدمة النقاش الوطني المطلوب حول الاستراتيجية الدفاعية؟ وهل يمكن للبنان ألا ينتبه الى مسيرة الاعلام الاسرائيلية في المسجد الاقصى..أو الى أن إسرائيل وإيران تخوضان حرب إستخبارات أمنية طاحنة، تدور عملياتها داخل شوارع طهران والقدس وتل ابيب؟؟؟

والحق أن تنبيه نصر الله واقعي أكثر من أي خطاب لبناني آخر، شهدته المعركة الانتخابية الاخيرة، أو تسجله اليوم مرحلة إعادة تكوين السلطة وتشكيل الرئاسات الثلاث على أساس ما أفرزته صناديق الاقتراع.. وهو ما يبدو اليوم وكأنه مسار يتعارض مع عملية التصويت نفسها، والقواعد التي يفترض الاحتكام اليها، ويشبه الى حد بعيد عروض السحر والشعوذة والتنجيم. لكن الاختيار ليس مطروحاً بين واقعية نصر الله، المبنية على القوة والقدرة على تعديل جدول الاعمال اللبناني بسرعة شديدة، وبين السحرة والمنجمين الذين يعدون بالدولة والمؤسسات والقوانين..وهم في معظمهم يعتمدون على دعم حزب الله، وعلى التحالف معه.

    ومن دون الحاجة الى جرس نصر الله، لا بد من التنبه أكثر الى ما يجري في فلسطين، حيث تكثف سلطة العدو الاسرائيلي حملة تجديد وتوسيع المشروع الصهيوني الى مستويات خطرة جدا، لاسيما في القدس والمسجد الاقصى.. بغض النظر عما اذا كانت هذه الحملة ستؤدي فعلا الى إنفجار كبير في المنطقة، أو الى تبادل بعض الصواريخ والمسيّرات على الجبهة الجنوبية اللبنانية إعتباراً من يوم الاحد المقبل، بناء على درجة "حماقة العدو" هذه المرة، كما في كل مرة.

يمكن الاختلاف مع نصر الله حول جميع الاولويات اللبنانية: ما يحتاج أكثر الى"التقرب والانتباه والاستعداد"، هو ما يجري في سوريا، لا ما يحصل في فلسطين. ربما يجوز القول بالتعادل بين الاولويتين، فقط إذا قررت إسرائيل أن تسد بنفسها وبشكل مباشر جزءاً من الفراغ الروسي المتزايد في جنوب سوريا الذي تملأه إيران تدريجياً ..من دون الاتكال على التنسيق والتفاهم مع تركيا مثلاً.

لكن يبقى أن سوريا هي أولوية الاولويات اللبنانية، الخارجية والداخلية طبعا: الهزيمة الانتخابية المهينة لعدد من أقرب حلفاء سوريا اللبنانيين، كانت في جانب منها تعبر عن وهن أو حتى فراغ السلطة في دمشق وتفتت الجغرافيا السورية كلها. وهو ما لا يمكن أبداً إعتباره تفصيلاً هامشياً، في سياق الازمة اللبنانية، التي كانت عناصرها السورية، تؤدي دوراً مؤثراً في تخريب الدولتين وتجويع الشعبين.       

 

 

 

 

 

 

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها