الأربعاء 2022/05/25

آخر تحديث: 07:47 (بيروت)

نقرأ مع علاء

الأربعاء 2022/05/25
نقرأ مع علاء
increase حجم الخط decrease
كانت روايتي الأولى قد صدرت قبل بضعة شهور، حين طلبت مني لينا عطا الله، مديرة تحرير موقع "مدى مصر"، إجراء حوار عن الرواية، وساعتها فضلت لينا أن نجريه وننشره بالعامّية. خرجت "طرق الرب" بقدر لا بأس به من الأخطاء اللغوية وأخطاء الطباعة، هذا غير عثرات الرواية الأولى. ومع هذا، نالت نصيباً من الشهرة، لا لشيء سوى أن وكالة "اسوشيتد برس" نشرت تقريراً عنها بالإنكليزية. لكن الومضة سرعان ما خفتت، ولم يبق سوى التشكك في الذات وأسئلة عن جدوى الكتابة.

في بداية الحوار أو ربما في نهايته، لا أتذكر على وجه الدقة، أخبرتني لينا أنها كانت في زيارة لعلاء في السجن، وأخبرها أنه قرأ الراوية وأعجبته، ولم تكن في حاجة أن تفسر أي علاء هذا. فهمت أنها تعني علاء عبد الفتاح . كان لهذا المديح الضمني أن يشعرني بالارتباك، أو ربما كان شعوراً خفيفاً بالذنب، من النوع الذي ينتاب الناجين.. متى غدا كل هؤلاء السجناء في لائحة أصدقائي الحقيقيين والافتراضيين؟

لم أقابل علاء من قبل، وأستغرب هذا الأمر. فدوائرنا كانت متقاربة، وكان يمكننا اللقاء صدفة على الأقل. بين العامين 2004 و2005، تابعتُ مع غيري مدونة "علاء ومنال"، بكثير من الإعجاب وبكثير من الدهشة. الاندهاش مصدره تلك الجرأة التي كتب بها كلاهما عن السياسة، وعن غيرها. تبدو تلك الأيام غير البعيدة بحساب السنين، وكأنها تنتمي لزمن آخر. وقتها، كان يمكن تقرأ منشورات المدونة، وتعرف أننا بصدد شئ ما كبير على حافة الحدوث، جيل جديد يظهر بلغة فيها جِدّة مقلقة، وبأدوات لم نعرفها من قبل. كانت البلد كلها فيها أربعمئة أو خمسمئة مدونة، في أقصى تقدير، وكانت مدونة علاء ومنال أشهرها. نُدين لكليهما بدَين منسي، نسينا لأن الأحداث بعدها تتابعت بسرعة باتت تصعب ملاحقتها. أما من ينكلون به اليوم، فيتذكرون جيداً، ولذا فهو يدفع ثمناً فادحاً، ومعه آخرون، نيابة عن جيل بأكمله.

بلطفها المعهود، كتبت لي والدة علاء، السيدة ليلى سويف. هي قرأت الرواية أيضاً، وفي واحدة من زياراتها لعلاء تحدثا عنها. كان هو متحمساً أن هناك أسماء جديدة تظهر، وأنه يستطيع متابعة ما يجري في الخارج، وكأن شيئاً لا يفوته في سنين السجن. قالت لي إن عشر دقائق مرت- أي نصف وقت الزيارة أو ربما أكثر- من دون أن ينتبها، استغرقهما الحديث حتى نسيا أنهما في زيارة أو أنهما في السجن وبينهما حاجز، وكأنهما في واحدة من الأيام الهائنة قبل هذا كله، يجلسان في صالة البيت ليتكلما عن الكتب وعن الروايات. الحق أن دموعي انسكبت ليلتها، شعرت وكأنني جزء من العائلة، تلك العائلة التي شعرنا دائماً بأننا جزء منها بأي حال. كتبتُ لها أن هذا يكفيني، لا تعوزني نعمة أخرى من الكتابة.

في الفترة القصيرة التي أطلق فيها سراح علاء، كتب لي هو بنفسه. قال أن الرواية أضحكته كثيراً، وأخبرته أنني خشيت أن تكون مقبضة أكثر من اللازم. وكان ردّه أنها مقبضة فعلاً، لكن كل هذا البؤس القبطي، من فرط عاديته ونمطيته، صار مضحكاً. يقول أنه، ليلة بكاملها، لم تتوقف قهقهاته العالية، صفحة بعد أخرى، حتى أن الأمر أثار فضول السجناء "الجنائيين" وطلبوا منه استعارتها ليفهموا سبب كل هذا الضحك. مرات كثيرة تخيلت تلك الصورة بامتنان كثير وسمعتُ الضحكات، وشعرت وكأنني في غربتي البعيدة، والوحيدة أحياناً كثيرة، يمكنني أن أكون قريباً وأشارك شيئاً عزيزاً معه ومع آخرين لا أعرفهم. ولم تمر سوى بضعه أسابيع على تلك المحادثة، حتى عاد علاء إلي السجن، بلا كُتب هذه المرة، ولا ساعة لمعرفة الزمن، ولا فرصة للتريض ورؤية الشمس.

اليوم يمر أكثر من خمسين يوماً على إضراب علاء عن الطعام، في محبسه، حتى يحصل على حقوقه الأساسية. أما خارج السجن فيُساهم محبوه في حملة إلكترونية عنوانها، "نقرأ مع علاء"، ينتقي فيها كل من المشتركين عنوان كتاب يهديه له حتى يقرأه معهم. لسبب لا أستطيع تحديده، لا أنجح في الاستقرار على عنوان أهديه له. كل ما أرجوه هو أن يخرج قريباً، وتأتي الفرصة لأخبره وجهاً لوجه كيف أنني ممتن له لأسباب كثيرة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها