السبت 2022/05/21

آخر تحديث: 07:02 (بيروت)

ماراتون العقوبات الروسي الإيراني

السبت 2022/05/21
increase حجم الخط decrease

في حديث هاتفي مع بايدن آخر السنة المنصرمة، حذر بوتين نظيره الأميركي  من أن روسيا سوف تقطع  علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة في حال فرض عقوبات جديدة عليها. وجاء تحذير بوتين هذا رداً على تأكيد بايدن من أنه لم يتبقَ أمام واشنطن سوى خيارين: أو الدبلوماسية أو لجم روسيا بواسطة العقوبات. لكن بوتين لم يقطع العلاقات الدبلوماسية، مع أن العقوبات على روسيا متواصلة بشكل شبه يومي منذ بداية الحرب على أوكرانيا، وليس من قبل الولايات المتحدة فحسب، بل ومن جانب جميع الدول الديموقراطية المتطورة. فقد أعلن مفوض الإتحاد الأوروبي للشؤون الإقتصادية منذ أيام أن الحزمة السادسة من العقوبات مجمدة "مؤقتاً" بسبب خلافات داخل الإتحاد بشأن الحظر الشامل على إستيراد النفط والغاز من روسيا، حسب الخدمة الروسية في "الحرة" الأميركية. 

رُزم العقوبات توالت مطراً على روسيا بعد شن بوتين حربه على أوكرانيا، وجرفه سيلها إلى المرتبة الأولى بين البلدان التي تتعرض للعقوبات، وتتفوق على إيران في حجمها وتشعباتها المالية والإقتصادية والعسكرية. فقد نشر المجلس الروسي للعلاقات الدولية  RIAC على موقعه في 18 الجاري نصاً بعنوان "سيناريو إيراني سريع الوتيرة لروسيا". يقول واضعو النص الثلاثة (ما يندر في صحافتنا) أنه في يوم إنطلاق "العملية الخاصة" ضد أوكرانيا سارع عدد من كبار المسؤولين الأوروبيين والأميركيين للدعوة لتشديد العقوبات على روسيا. وفي الوقت عينه إقترح وزراء خارجية دول البلطيق إدانة ذلك بشدة من قبل المجتمع الدولي بأسره، وفرض أقسى العقوبات ضد روسيا، بما في ذلك طردها من نظام SWIFT وعزلها سياسياً.

يرى أحد واضعي النص أن سيناريو العقوبات الروسي شبيه بسيناريو العقوبات التي تفرض على إيران. لكن، على الرغم من أوجه الشبه بين السيناريوهين، ثمة فروق في سرعة كل منهما. فالعقوبات التي  فًرضت على إيران خلال عشر سنوات جرى فرضها خلال أسابيع على روسيا، وهي "أشد عمقاً" منها. في إيران تم طرد البنك المركزي من نظام التحويلات المالية  SWIFT،ولم يتم المس بالمصارف الأخرى على غرار ما جرى في روسيا. 

ويرى مشارك آخر في وضع النص أن روسيا وإيران تتشابهان في كونهما بلدين مصدرين للنفط والغاز، وأهمية عائدات هذه الصادرات متشابهة في كلا البلدين. ووجه الشبه الآخر يتمثل في الشبكة الواسعة من قوانين العقوبات التي أخذ الباحثون الأميركيون يدعونها "عنكبوت قوانين العقوبات" حيال إيران، والذي أخذ يتشكل عنكبوتاً مماثلاً حيال روسيا الآن. كما يرى الرجل أن روسيا وإيران متشابهتان أيضاً في العدد الكبير من الأفراد والكيانات القانونية التي تخضع للعقوبات، مع رجحان كفة روسيا. كما تتشابه الدولتان في حجم ضوابط التصدير الواسعة على الصادرات، والتي تتقدم فيها روسيا على إيران. 

لكن هذا المشارك يرى فروقا جوهرية  بين الحالتين تتمثل أولها في أسباب فرض العقوبات. في الحالة الإيرانية تتراوح هذه الأسباب من البرنامج النووي والصواريخ وحقوق الإنسان وصولاً إلى مسألة الديموقراطية وسواها. أما في الحالة الروسية فالسبب الرئيسي هو الصراع المسلح، والذي يصعب التوافق بشأنه أكثر مما بالنسبة للبرنامج النووي، وذلك لتفوق عدد بارامترات التوافق بشأنها. 

يعدد الرجل البلدان والعقوبات التي فرضها كل بلد، وينقل عن وزير الخارجية الأميركي قوله بأن الولايات المتحدة ستواصل فرض العقوبات على روسيا "طالما ذلك ضروري". وقرار فرض الحظر على صادرات النفط والغاز الروسية قد اتخذ عملياً، لكن ليس كل البلدان بوسعها الإنضمام إليه. في حالة المجر المسألة سياسية على الأرجح، فالصداقة الشخصية بين بوتين والرئيس المجري تجعله ينسف الحزمة السادسة من العقوبات الأوروبية المؤجلة حتى الآن. لكن قرار هذه الحزمة قد اتخذ، ولن تعرقل تنفيذه إعتراضات المجر وسلوفاكيا اللتان تطالبان بإستثناءات  وتعويضات ما لاعتمادهما الواسع على النفط الروسي. 

يفترض أحد كتاب النص أنه في حال تحسن الوضع الجيوإستراتيجي قريباً، سيحاول الإتحاد الأوروبي التراجع عن كل ما يتعلق بالنفط والغاز، ثم تلي المصارف. لكن في حال  استمر الوضع متوتراً، فسوف يكون من الصعب على روسيا العودة إلى سوق الطاقة في الإتحاد الأوروبي.

يشير الموقع إلى أن إلغاء العقوبات، ولو جزئياً، سيكون صعباً، ويتعين توقع تشديدها وتشديد الرقابة على الإلتزام بها. والعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل "العملية الخاصة" محتملة فقط في حال إنفراج الوضع الجيوإستراتيجي. وعملية الإلغاء قد تصطدم بعدد من العوائق البيروقراطية والموقف السياسي لعدد من البلدان، مما سيمدد العملية لوقت طويل.

الطرفان الروسي والإيراني يساندان بعضهما بوجه العقوبات الغربية، لكن كلاً منهما يتحين في الوقت عينه فرص التكسب من العقوبات على الآخر. فقد نشر موقع وكالة الأنباء الإقتصادية الروسية prime  أواخر الشهر المنصرم نصاً بعنوان " رجال الأعمال الإيرانيين يقيمون فوائد العقوبات ضد روسيا". نقل الموقع عن نائب رئيس لجنة تصدير النفط في غرفة التجارة الإيرانية مصطفى موسوي تصريحه بأن العقوبات الغربية ضد روسيا قد تتيح لإيران تصدير المزيد من السلع إلى السوق الروسية، وإقتطاع حصة كبيرة منه. وقال الموسوي بأن ظروف الحرب مع أوكرانيا ستمهد الطريق لإيران لاقتطاع حصة "ليست سيئة" من السوق الروسية، وتصدير المزيد من السلع إلى هذا البلد، وتتوفر لإيران إمكانيات تطوير التجارة معه. لكنه أشار إلى أن العمليات المالية هي مشكلة إيران الأهم في تبادلها التجاري مع روسيا. والقيود التي فرضها فصل المصارف الروسية عن نظام SWIFT سيخلق الكثير من المشاكل لروسيا، مما سيحتم "علينا" ضرورة التخطيط جيداً لتطوير التبادل التجاري معها.

في مطلع الشهر المنصرم نشر موقع قناة التلفزة الروسية RTVI نصاً بعنوان "إيران إقترحت على  روسيا طرق التحايل على العقوبات الأميركية". فقد نقل الموقع عن نائب حاكم البنك المركزي الإيراني للشؤون الدولية محسن كريمي قوله بأن إيران، استناداً لتجربتها الغنية تحت العقوبات خلال السنوات الأخيرة، اتخذت التدابير الضرورية للتخلص من نفوذ الهيمنة الأميركية والدول المعادية، واقترحتها على الجانب الروسي. وأضاف كريمي أن السلطات الإيرانية ترغب في القيام بعمليات تجارية مع روسيا بالروبل والريال، وأشار إلى أن "الإمكانيات والإتفاقيات متوفرة".

يقول الموقع  بأن بعض البلدان تبحث في إمكانية التبادل التجاري مع روسيا بالعملات الوطنية مثل الهند وتركيا. ويدعم قوله هذا بالإشارة إلى تصريح كل من السفير السوري والنيجيري في موسكو عن إستعداد بلديهما للتبادل التجاري مع روسيا بالعملات الوطنية. 

يستعرض الموقع تطورات الوضع الإقتصادي الإجتماعي في إيران وفنزويلا بظل العقوبات، ويؤكد أن روسيا تتميز عنهما بسعة السوق الداخلية والإعتماد الأقل على الخامات والإمكانيات الأكبر للإنتقام من الغرب. لكنه يستدرك بالقول أنه ، على الرغم من أن نصيب الفرد من الناتج الإجمالي في روسيا من غير المحتمل أن يتدنى إلى مستوياته في إيران وفنزويلا، إلا أنه لا ينبغي إستبعاد إحتمال إنخفاضه النسبي.  

روسيا أيضاً ليست ضد الإفادة من العقوبات الغربية على إيران. فقد نشرت صحيفة الكرملين VZ  في خريف العام 2018 نصاً بعنوان "اتضح كيف استفادت روسيا من العقوبات الأميركية على إيران". ونقلت عن صحيفة أميركية قولها بأن روسيا كانت المنتصر الرئيسي من تجديد العقوبات الأميركية على إيران، حيث إستغلتها لزيادة مبيعات نفطها. 



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها