الثلاثاء 2022/05/17

آخر تحديث: 08:19 (بيروت)

بوتين في مربع ستالين

الثلاثاء 2022/05/17
بوتين في مربع ستالين
increase حجم الخط decrease

حين سُئل الرئيس الفنلندي عن رأيه في كيف سترد روسيا على إنضمام بلاده إلى حلف الناتو، قال إن سبب هذا الإنضمام "كانت هي نفسها. أنظروا إلى المرآة". وأضافت رئيسة وزرائه، في ظهورها معا الرئيس للإعلان عن الإجراءات الأخيرة للإنضمام إلى الناتو، قائلة: "لا يمكننا أن نبقى عُزّلاً ضد روسيا التي لا تمتثل للقوانين الدولية". 

الخدمة القفقازية في "الحرة" الأوروبية نشرت على موقعها الناطق بالروسية ekhokavkaza نصاً بعنوان "روسيا دفعت فنلندا والسويد إلى الناتو". قال الموقع بأن فنلندا والسويد تتخليان عن حيادهما، والناتو مستعد لإستقبالهما على وجه السرعة. هددت روسيا باتخاذ إجراءات ذات طبيعة "عسكرية تقنية" ضد هلسنكي. مثل هذه "الإجراءات" تحولت إلى حرب شاملة ضد كييف، لكن الناتو يؤكد لكل من فنلندا والسويد بأنهما ستحصلان من جميع أعضاء الحلف على ضمانات لأمنهما في الفترة الفاصلة بين تقديم الطلب وإنضمامها الرسمي للحلف.

يقول الموقع بأن السويد حافظت على حيادها طيلة قرنين من الزمن، وتحافظ عليه فنلندا منذ 80 عاماً تقريباً. وقبل غزو روسيا لأوكرانيا كان مواطنو البلدين يرفضون رفضاً قاطعاً الإنضمام إلى أي أحلاف عسكرية. لكن الوضع تغير جذرياً بعد 24 شباط/فبراير المنصرم، حيث تشير إستطلاعات الرأي إلى أن 76% من الفلنديين يؤيدون الآن الإنضمام إلى الناتو، ولا ترفضه سوى نسبة 12% فقط.

الأوكران عاتبون على الناتو الذي شرع "الأبواب المفتوحة" لكل من فنلندا والسويد، لكنه أوصدها بوجه أوكرانيا. الرئيس الأوكراني عبّر عن "الأسف لعدم عثور الناتو قبل الحرب على مكان لأوكرانيا في الحلف". ويقول بأنه مقتنع بأنه لو كانت أوكرانيا قبل الحرب جزءاً من الناتو لما كانت الحرب لتقع، "أنا مقتنع بذلك".

الخدمة الروسية في BBC نشرت لمراسلها في شؤون الأمن نصاً بعنوان "التوسع الإسكندنافي لأوروبا: يجعل أوروبا أقوى وأكثر أمناً، أم أنها ستواجه تهديدات جديدة؟". يقول موقع الخدمة أن أمين عام الناتو صرح بأن الحلف سيرحب بالسويد وفنلندا ب"ذراعين مفتوحتين"، فنلندا والسويد بلدان ديموقراطيان متطوران مؤهلان لعضوية الناتو، وانضمامهما سوف يستغرق الحد الأدنى من الوقت. 

ينقل الموقع عن القائد السابق لقوات المشاة الأميركية في أوروبا ترحيبه الحار بهذه الإضافة للناتو، وبأنه ليس لديه أدنى شك في فوائد هذا الإنضمام بالنسبة للغرب. ويرى أن القوات المسلحة في البلدين "جيدة جداً"، مؤهلة، حديثة وتمتلك نظام تعبئة مجرّب.

روسيا، أو بالأحرى بوتين برأي الموقع، لا يعتبر الناتو حلفاً دفاعياً، بل، على العكس تماماً، يرى فيه تهديداً للأمن الروسي. وكان يراقب بقلق كيف كان الناتو، بعد سقوط الإتحاد السوفياتي في العام 1991، يتوسع نحو الشرق مقترباً أكثر فأكثر من موسكو. وحين كان ضابطاً صغيراً في KGB، كانت موسكو تسيطر على كل ما كان يجري في بلدان أوروبا الشرقية، وكانت القوات السوفياتية متواجدة في معظم الدول الأعضاء في حلف فرصوفيا. لكن معظم هذه البلدان انتهجت الخيار الغربي وانضمت إلى الناتو. لروسيا حدود شاسعة جداً، ولا يحدها الناتو سوى في 6% من هذه الحدود، ومع ذلك يرى بوتين أن الناتو يحاصر روسيا ويهددها. وقبل أن يرسل قواته إلى أوكرانيا، طالب بوتين بإعادة النظر بخريطة الأمن الأوروبي، وأصر على سحب قوات الناتو من جميع بلدان أوروبا الشرقية والتوقف عن ضم أعضاء جدد إلى صفوفه، حسب الموقع.

ويرى الموقع أن غزو بوتين لأوكرانيا أفضى إلى نتائج عكسية تماماً. فخلال عقود طويلة كانت فنلندا والسويد تفاخران بحيادهما، وهما تنتميان للثقافة الغربية. لكنهما، وحتى الأحداث الراهنة، لم تفكرا في إزعاج جارهما الضخم الذي يمتلك السلاح النووي. غير أن غزو أوكرانيا أرغمهما على تغيير وجهة نظرهما بسرعة، وأخذ الشعبان والحكومتان يتساؤلون: ألم يكن أكثر أمناً لو كانوا تحت سقف الناتو الذي تقول المادة 5 من إتفاقية التحالف بأن الهجوم على أي بلد عضو يعتبر هجوماً على الجميع.

موقع إسرائيلي ناطق بالروسية ويتابع المواقع الإعلامية والتواصل الإجتماعي الناطقة بالروسية، نشر لمدون نصاً بعنوان "في تذكر الحرب الفنلندية: روسيا تعيش في مربع ستالين". قدم المدون لنصه بالتأكيد أن حرب روسيا ضد أوكرانيا وحرب الإتحاد السوفياتي ضد فنلندا تتضمنان أوجه تشابه أكثر بكثير من أوجه الإختلاف، 80 عاماً (83 عاماً) والطرق هي عينها. وقال في تذكر حرب الإتحاد السوفياتي ضد فنلندا بأن التاريخ يعيد نفسه، فالكرملين يعمل في مربع ستالين، يستخدم البروباغندا الكاذبة نفسها والاستفزازات عينها المصممة لأولئك الروس الذين يثقون بالسلطات على نحو أعمى، ولا يستطيعون التفكير الناقد، والقسم الأعظم منهم لم يتغير كثيراً خلال كل تلك السنوات الطويلة.

بعد أن يشير المدون على القراء "أحكموا بأنفسكم"، يورد ما كتبته البرافدا قبل أسابيع من بداية الحرب من أن السوفيات سيرسلون إلى الجحيم "السياسيين المقامرين"، ولن يوقفهم شيء في الطريق لتوفير الأمن للإتحاد السوفياتي محطمين كل العقبات ومن يقف في وجههم. ثم يسأل "هل الخطاب معهود؟"، ويورد مرة مرة أخرى عنوان نص للصحيفة عينها قبل أيام من نشوب الحرب "مهرج في منصب رئيس وزراء"، ويقول بأن المقالة كانت بمثابة إشارة إنطلاق حملة بروباغندا ضد فنلندا. وبعد هذه الاستشهادات التاريخية من الصحيفة المركزية للبلاشفة يكرر المدون سؤاله للقراء: "كيف؟ ثمة تشابه؟ خاصة في ما يتعلق بالمهرج". 

يقول المدون أنه في اليوم عينه قُصفت بالمدفعية منطقة سكنية سوفياتية مجاورة لفنلندا، سارعت القيادة السوفياتية لتحميل المسؤولية للجانب الفنلندي. وأضيف حينها إلى ماكينة البروباغندا السوفياتية تعبير "الفنلنديون البيض" ( على غرار الروس البيض أعداء البلاشفة الحمر") المماثل كلياً للتعبير الحالي "النازي الأوكراني" الشائع في بروباغندا بوتين. 

يتوسع المدون في سرد حوادث قصف الأراضي السوفياتية، والتي كانت فنلندا تنفي مسؤوليتها عنها وتؤكد أن القصف من المناطق السوفياتية، بل وكانت تعلن عن إستعدادها لتحقيق مشترك لا يوليه الجانب السوفياتي أي إهتمام. ويقارن بين حوادث القصف وتفجيرات الأجهزة الأمنية الروسية للأبنية السكنية في مدن روسيا قبل حرب الشيشان الثانية، وكيف وظفتها ضد الشيشان في التمهيد للحرب عليهم. 

يواصل المدون مقارنته بين بروباغندا ستالين في الحرب على فنلندا وبروباغندا بوتين في حربه على أوكرانيا، ويلتقط تطابقات مذهلة في البروباغندا وسبل إدارة الحرب في الحالتين. ويستشهد مرة أخرى بصحيفة البرافدا في مدينة لينينغراد (بطرسبورغ الآن)، وما نشرته بعد يومين من الحرب على فنلندا. وقالت حينها بأن جيشي عالمين متناقضين اشتبكا مع بعضهما: الجيش الأحمر"الأكثر سلمية"، "الأشد بطولة وبأسا"، والمجهز بالأعتدة الحديثة؛ وجيش الحكومة الفنلندية العميلة الذي يجبره الرأسماليون على القعقعة بالسلاح. 

لكن، وبعد شهر على الحرب واصطدامه بمقاومة مستميتة من الفنلنديين، تكبد الجيش الأحمر "عشرات الألوف" من القتلى والمتجمدين في صقيع غابات فنلندا. ويشير إلى أن القيادة الستالينية أصدرت أمراً للقوات السوفياتية قالت فيه بأنهم يدخلون فنلندا ليس كمحتلين، بل كأصدقاء ومحررين للشعب الفنلندي من نير الملاكين والرأسماليين. 

يختتم المدون مقارناته بالإشارة إلى أن الكرملين يهدد من جديد فنلندا التي تسعى للإنضمام إلى الناتو لحماية نفسها من روسيا-بوتين التي فقدت صوابها. ويتساءل هل بوسع بوتين خوض حرب جديدة كفيلة بإرجاع روسيا إلى حدود 1940 ( لم يكن ستالين قد ضم بعد أوكرانيا الغربية البولونية ودول البلطيق).

 


 



 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها