الخميس 2022/04/28

آخر تحديث: 17:17 (بيروت)

ثلاثة شعوب على متن سفينة غارقة

الخميس 2022/04/28
ثلاثة شعوب على متن سفينة غارقة
© Getty
increase حجم الخط decrease

وحدة الحال اللبنانية السورية الفلسطينية، التي تجسدت في كارثة غرق زورق المهاجرين من طرابلس الاسبوع الماضي، لا تجيز التفريق  بين الضحايا، الذي ابتلعهم البحر، او الذين أعادهم الى سطحه، جثثاً أو ناجين. فالتوق الى الهجرة بحثاً عن رجاء وخلاص جديدين، يحتمل الاعتماد على ثلاثة مقاييس مختلفة لمقاربة تلك التراجيديا الانسانية المؤلمة.

وما يضاعف من حجم هذه الكارثة أنه ليس هناك حتى اليوم رقم نهائي لعدد ركاب الزورق، وبالتالي لعدد المفقودين، الذين يبدو أنه لم يكن لديهم أقارب علموا بمحاولتهم الهجرة، أو استفسروا بعد عن مصيرهم.. ثمة تقديرات تفيد بأن العدد النهائي يتراوح بين 84 وبين 85 راكباً، بينهم ما لا يقل عن أحد عشر سورياً وخمسة فلسطينيين، أما البقية فهي لحوالى ستين لبنانياً. ونجا من اللبنانيين والسوريين 45 راكباً. أما الفلسطينيون الخمسة فأنهم غرقوا جميعاً، مع أنه لا يستبعد ان يكون فلسطينيون آخرون في عداد المفقودين!

أعداد ونسب الضحايا وهوياتهم هي في حد ذاتها جديرة بالتأمل:

الفلسطينيون الخمسة (أو أكثر)، كانوا أقلية على المركب، لانهم بلغوا على ما يبدو نهايات رحلة العذاب مع التهجير والنزوح والهجرة، وهي رحلة كانت ولا تزال تشكل هويتهم وجنسيتهم وجواز سفرهم الفريد من نوعه. لم يبق في لبنان، من اللاجئين الفلسطينيين، سوى من تقطعت بهم سبل الهجرة، أو بلغوا مرحلة اليأس من المغادرة، الى بلدان الشتات التي تغطي الكرة الارضية من أقصاها الى أقصاها.

السوريون الذين إلتحقوا منذ عشر سنوات او أقل بتلك التجربة الفلسطينية، وباتوا ينافسونها، سجلوا حتى الآن أرقاما قياسية، سواء باعداد النازحين او المهجرين، أو حتى بالانتشار الجغرافي الواسع. لكنهم يشبهون الفلسطينيين في أن هجراتهم الكبرى، لا سيما بعد التدخل العسكري، الايراني ثم الروسي، كانت في معظمها برية، ولم يكن البحر المتوسط إلا الخيار الاخير لغالبيتهم الساحقة التي إضطرت الى الهجرة السريعة ولم تكن تملك تكاليف السفر بحراً.

الانطلاق من لبنان، جاء متأخراً، سواء بالنسبة الى الفلسطينيين الذين كانت هجرتهم (البحرية) الكبرى من الاراضي اللبنانية في أعقاب الغزو الاسرائيلي في العام 1982، او بالنسبة الى السوريين الذين كان أغلب نازحيهم نحو لبنان، في السنوات العشر الماضية، هم الاشد فقراً الذين لا يستطيعون توفير الكفاف، سوى بالعمل اليومي، أو من الاغنياء الذين اعتمدوا مطار بيروت كمحطة نحو اللجوء الى الغرب.

البحر اللبناني الذي كان المخرج الفلسطيني الاخير، في الثمانينات، لم يصبح مفراً سورياً سوى في السنوات القليلة الماضية، عندما سدت تقريبا، أبواب الهجرة البرية نحو تركيا او الاردن او حتى العراق. وهو ما ادى الى زيادة عمليات التهريب من المرافىء اللبنانية، الشمالية خاصة، بمعدلات لم يسبق لها مثيل، لا سيما في العامين الماضيين. ومعها طبعا زادت كوارث غرق أو اغراق زوارق اللاجئين المتجهين الى تركيا وقبرص وبقية البلدان الاوروبية.

واصبحت هذه التجربة من العلامات المميزة للبنان، الذي كان منذ تأسيسه بلداً منتجاً ومصدراً للمهاجرين(المغتربين، الكلمة المشتقة من الغربة ومن الغرب معاً). لكن هذه الظاهرة التاريخية كانت في الغالب ظاهرة مستحبة، ومنشودة، (باستثناء تلك الهجرات التي اعقبت الحروب، او المجاعة..) ولم تكن تتطلب القفز في مياه البحر المتوسط بحثاً عن ملاذ آمن. كان مرفأ بيروت في الماضي ثم مطارها الآن، المكان الذي يرتاده اللبنانيون جميعا، مرات عديدة في السنة لوداع المهاجرين، او استقبال الزوار منهم.

أعداد اللبنانيين اليائسين الى حد الارتماء في موج البحر، آخذة في الازدياد. وهذا ما تثبته كارثة الاسبوع الماضي، التي جمعت بينهم وبين اشقائهم السوريين والفلسطينيين، في مغامرة ثلاثية محزنة، تاركة خلفها صرخة مدوية: إحفظوا على الاقل، الارقام والاسماء والاجناس والاعمار والصور ..التي فقدت في قاع البحر. فهذا حق الشعوب الثلاثة معاً، ومطلبها الوحيد.   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها