الخميس 2022/04/28

آخر تحديث: 10:32 (بيروت)

"الهرم" و"حرب الحوالات" في سوريا

الخميس 2022/04/28
"الهرم" و"حرب الحوالات" في سوريا
increase حجم الخط decrease

إنها مسألة حياة أو موت، بالنسبة للنظام السوري. فحوالات السوريين القادمة من الخارج لأهاليهم في الداخل، هي الشريان الرئيس لإمداد النظام بالعملة الصعبة. وما حدث أمس الأربعاء، يكشف مدى ضيّق هذا الشريان، وإلحاح حاجة النظام لهذه العملة. حتى لو كان ذلك يعني مزيداً من ارتفاع الأسعار، وتراجعاً في سعر صرف الليرة السورية. فمصرف سورية المركزي، على الأرجح، يراهن أن تكون تلك الأضرار الجانبية، مؤقتة. لذا قرر خوض "حربٍ" مع السوق السوداء للحوالات، قبل أيام من عيد الفطر.


 أن تقرر أكبر شركة حوالات مُرخّصة (الهرم)، بيع "دولار الحوالات" للسوريين، بسعر أعلى من السوق السوداء، ومن دون أجور تحويل (لأربعة أيام)، هي مفارقة غير مسبوقة، تخالف معادلة لطالما حكمت سياسات المركزي في إدارته للكتلة النقدية في البلاد، والتي تقوم في إحدى جوانبها، على دعم سعر صرف الليرة، عبر تخفيض سعر "دولار الحوالات" القادم عبر القنوات المُرخّصة، ليكون أقل من نظيره في السوق السوداء.


لكن هذه المعادلة، تسببت دوماً بنزيف الحوالات لصالح السوق السوداء. فالسوريّ الذي ينتظر حوالة من الخارج، غير مستعد لخسارة 500 ليرة –وسطياً- في كل دولار "ثمين"، قادم إليه. لذا، كانت شريحة كبيرة من السوريين مستعدة للتعامل مع سماسرة الحوالات في السوق السوداء، رغم مخاطر تحميلهم جُرماً أمنياً، جراء ذلك. 


وتسلّم مكاتب وشركات الحوالات المُرخّصة في مناطق سيطرة النظام، "دولارات الحوالات" الخارجية، بالليرة السورية. وتذهب الدولارات إلى خزينة المركزي. ويشكّل رمضان، وتحديداً، الأيام الأخيرة منه، موسماً "ذهبياً" لهذه السوق، إذ تتضاعف الحوالات، لتصل إلى أكثر من 10 ملايين دولار، يومياً، وفق تقديرات غير رسمية.


وأمس الأربعاء، أعلنت شركة "الهرم"، بيع "دولار الحوالات" للسوريين، بـ 3950 ليرة للدولار الواحد. أي بسعر أعلى من السوق السوداء، بـ 60 ليرة على الأقل. كما وأعلنت عن تسليم هذه الحوالات "مجاناً"، لأربعة أيام، حتى مساء السبت القادم.


لا يمكن ل"الهرم" أن تقدم على هذه الخطوة، من دون ضوء أخضر من المركزي. ويؤشر ذلك إلى نفوذ هذه الشركة بالتحديد.


وخلال العامين الأخيرين، ازدادت أهمية شركات الصرافة والحوالات المُرخّصة في ميزان حسابات المركزي السوري. وفي آب/أغسطس الفائت، صدر القرار الشهير، الذي ألزم المستوردين بتمويل صفقاتهم بالقطع الأجنبي، عبر قنوات محددة، أبرزها، وأكثرها واقعية، شركات ومكاتب الصرافة المُرخّصة. ومؤخراً، أصدر المركزي تعميماً يكلّف فيه تلك الشركات بتمويل أجور شحن البضائع المستوردة، أيضاً. 


لكن، من بين شركات ومكاتب الصرافة والحوالات المُرخّصة المتبقية في مناطق سيطرة النظام -بعد الحملة التي شنها على تلك الشركات قبل عامين- كان لشركةـ "الهرم"، خصوصية جليّة. الأمر الذي دفع عاملين في هذا القطاع، إلى ربط تلك الشركة بأسماء متنفذة داخل النظام. وقبل السقوط المدوّي لـ رامي مخلوف، قبل عامين، كنت تسمع من يتحدثون عن أن "الهرم" تعود –سراً- لـ رامي. أما بعد انكشاف "عورة" الرجل، بات البعض ينسبها لدائرة نفوذ، ماهر الأسد. هذه التخمينات التي لطالما ربطت "الهرم" بمتنفذِي النظام، لها مبرر. فالشركة تحولت بقدرة قادر، إلى ماردٍ يكاد يأكل سوق الصرف والحوالات، الرسمي، في مناطق سيطرة النظام.


قبل نحو ثماني سنوات، كانت "الهرم" مجرد شركة صرافة وحوالات، بارزة، في السوق السورية. أسسها، عام 2007، فؤاد عاصي، رجل الأعمال البارز، والذي ترأس في وقتٍ ما، إدارة مجلس المصدّرين السوريين، والجمعية الوطنية لمكاتب الشحن. وفي منتصف العام 2013، شن النظام حملة ضد الشركة، انتهت بإغلاق فروعها الرئيسية، بالشمع الأحمر. لكن، ومنذ العام 2014، تغيّر شيء ما، ما يزال مُبهماً، لا تفسير له إلا أن فؤاد عاصي نجح في نسج شراكات مع متنفذين كبار داخل النظام. فـ "الهرم"، أخذت تنمو بشكل سريع، لتفتتح نحو 125 فرعاً، في مختلف المحافظات السورية. بل وأصبحت الشركة وكيلاً حصرياً لتسليم مدفوعات بعض المنظمات الدولية الناشطة في مناطق سيطرة النظام، ومنها "الأونروا". وتستطيع أن تسمع تقديرات من عاملين في سوق الصرافة والحوالات، مفادها أن "الهرم" تحتكر 70% من سوق النقد السوري، حتى في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ودول الجوار.


وهذا أحد الأسرار الذي أتاح ل"الهرم"، أن تتحول إلى ذراعٍ أساسي للمركزي السوري. فالشركة تنشط بشكل ملحوظ للغاية في دول الخليج ومصر ودول أوروبية وتركيا. ورغم نفيها ذلك، للشركة فروع بأسماء مستعارة، في مناطق سيطرة "قسد" بـ "شرق الفرات"، وفي مناطق سيطرة المعارضة، بشمال غرب البلاد.


لذلك، لا يمكن لوم من ينسبون ذاك "المارد" في سوق الصرف والحوالات، إلى ماهر الأسد، أو إلى رامي مخلوف، سابقاً. إذ لطالما كان حصول ناشطين محددين داخل قطاع الأعمال في سوريا، على صفقات ومعاملة تمييزية، مؤشراً على شراكاتهم الخفيّة مع متنفذين كبار داخل النظام. 


وفي هذه الساعات، نستطيع الرهان على أن شريحة كبيرة من السوريين المهجّرين والمغتربين، تتدافع لإرسال حوالاتها لأهلها في الداخل، عبر "الهرم". إلا إذا كانت لديهم مخاوف أمنية تتعلق بهوية المُستلم للحوالة. إذ تسلّم "الهرم" البيانات المتوافرة لديها، بشكل دائم، للسلطات الأمنية. وفي حال غياب مخاوف أمنية كهذه، ترتفع الجدوى الاقتصادية من اعتماد هذه القناة للحوالات. وبذلك يسجّل المركزي نقطة لصالحه على حساب السوق السوداء. 


أما بعد العيد، فالأرجح، أن "الهرم" ستخفض مجدداً سعر "دولار الحوالات"، لتعود إلى سياسة المركزي القديمة. فالأخير كان مستعداً لدخول هذه المجازفة، بشكل مؤقت فقط -كما سبق وأشرنا في بداية مقالنا- لأنها سترفع "دولار السوق السوداء"، وستزيد من الأسعار، مع ضخ كتلة نقدية أكبر من الليرة السورية في الأسواق. أما على المدى المتوسط والبعيد، لا يمكن للمركزي انتهاج هذه السياسة بشكل دائم، خشية أن تؤدي إلى تضخمٍ مُضاف، يزيد من سوء الأوضاع المعيشية للسوريين. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها