الثلاثاء 2022/04/26

آخر تحديث: 07:51 (بيروت)

بوتين يجلي الروس من...الغرب!

الثلاثاء 2022/04/26
بوتين يجلي الروس من...الغرب!
increase حجم الخط decrease

من الصعب تخيل ما يمكن أن تتفتق عنه مخيلة السلطة الإستبدادية من تهويمات لتدعيم مواقعها. وآخر ما تفتقت عنه سلطة الكرملين منذ أيام، هو تفسير الدعم الغربي لأوكرانيا في مواجهتها لعدوان الكرملين بموجة متصاعدة من روسافوبيا تجتاح بلدان الغرب، مما قد يستدعي إجلاءاً "طوعياً" للروس المقيمين في هذه البلدان. وروسافوبيا، كما تفسرها الخدمة الروسية في ويكيبيديا، هي الموقف المتحيز، المشكك، العدائي تجاه الشعب الروسي، روسيا، اللغة الروسية، إتجاه خاص في الرهاب الإثني. وبرأي بعض الإختصاصيين روسافوبيا، كما معاداة السامية، غالباً ما تكون بمثابة أيديولوجية متكاملة، أي مجموعة خاصة من الأفكار والمقولات لها بنيتها، نظام مفاهيمها، تاريخ تكونها وتطورها، وكذلك تجلياتها الخاصة المميزة. 

كيف "يزدهر" كل هذا في الغرب، خصص له حزب سلطة الكرملين "روسيا الواحدة" ندوة عبر تقنية الفيديو الخميس المنصرم. ورأى نائب رئيس مجلس الإتحاد الروسي كونستانتين كوساتشيف في الندوة أن موجة روسافوبيا المتصاعدة في بلدان الغرب، قد تستوجب إتخاذ تدابير إحترازية لإجلاء المواطنين الروس من هذه البلدان، "في حال تبين أن حياتهم لم تعد تطاق هناك".  ولعل الرجل أدرك مقدار السخرية الذي تحمله الفكرة، فاستدرك وقال بأنها "قد تبدو متطرفة"، لكن الوضع يتطور بسرعة ويتخطى الخطوط الحمر "للأخلاق واللياقة البشرية". 

للروس العائدين "طوعا" إلى روسيا تاريخ حافل منذ أيام ستالين وحتى بوتين. شاعرة روسيا الكبيرة مارينا سفتايفا عادت من فرنسا في ثلاثينات القرن الماضي لتلتحق بزوجها الذي سبقها لإطمئنانه كعميل KGB (أعدم لاحقاً)، تم إحكام عزلها ولم تجد ما تقوت به نفسها وطفلها، مما جعلها تنتحر. أمثال سفتايفا أكثر من أن يحصوا في تتلك الفترة، تماماً كما هو الحال الآن مع سلطة بوتين التي إعتقلت المعارض ألكسي نافالني على سلم الطائرة وهو عائد من رحلة شفائه من تسميمه من قبل أجهزة بوتين. فئة المعارضين العائدين لمجابهة الإستبداد لم تكن معروفة أيام ستالين وسلطة البلاشفة، لكنهم كثر الآن، حيث يتركون أسرهم وأعمالهم في الغرب ويعودون، وهم على يقين بأن المعتقلات والتهم الملفقة بإنتظارهم. 

موقع Kassparov المعارض، وفي اليوم التالي لندوة حزب "روسيا الواحدة"، نشر نصاً بعنوان "عن "الإجلاء من بلدان الغرب"، وألحقه بآخر ثانوي "ليس في العالم بلد أكثر روسافوبيا من روسيا بوتين". يقول الموقع بأن السيناتور كوساتشيف أنجب فكرة أخرى "رائعة" تقترح "أجلاء الروس من البلدان الغربية". ويبرز على الفور سؤال منطقي: مَن مِن الروس المقيمين في الغرب على عقل سليم وذاكرة سوية يقبل طوعاً أن يعود إلى روسيا بوتين المعاصرة؟ هؤلاء تنتظرهم حياة في ظل أشد العقوبات وضغط الدولة الدائم؛ البطالة واختفاء السلع المتزايد؛ جو من الكراهية والخوف. في روسيا الناس محرومون من حق المواطنة والحريات الأساسية، ومحاولة الخروج في إحتجاج سلمي تنتهي بضرب رجال الأمن"الميامين" وفبركة الدعاوى السياسية.

ينهي الموقع كلامه بتأكيد على أن الكرملين حول روسيا إلى مستنقع كبير يسعى بما أوتي لتوسيعه، حيث يحتل أراضي الدول المجاورة ويجر إليه (المستنقع) من تمكن أن يخرج منه في يوم من الأيام. 

سيرغي دافيديس الذي كان يترأس "برنامج الدفاع عن المعتقلين السياسيين" في مركز ميموريال الذي حظرته السلطة في وقت سابق من هذا العام، قال ل"المدن" بأن البروباغندا الروسية الرسمية تنشط حالياً في نشر موضوع روسافوبيا في العالم. وبلغ الأمر أن صرح نائب رئيس مجلس الإتحاد الروسي كونستانتين موساتش أنه قد تبرز الحاجة إلى إجلاء الروس عن بلدان الغرب في ظل تصاعد روسافوبيا. 

ويقول الناشط بأن نظام بوتين الذي شن حرباً دموية عدوانية ضد أوكرانيا، يحاول تصوير هذه الحرب وكأنها تلقى دعم كل الشعب الروسي. ولتبرير هذه الحرب للشعب الروسي يتحدثون عن روسافوبيا رهيبة في الغرب. هذا مع العلم أن من المحتمل أن مئات آلاف المواطنين الروس الرافضين للحرب المجرمة قد غادروا البلاد خلال هذه الأسابيع، ويستطيعون بخبرتهم الشخصية أن يدحضوا مقولات بروباغندا الكرملين الكاذبة. وهم يدركون جيداً ، مع ملايين الروس الذين يقيمون منذ زمن في الغرب، أنه لا يوجد أي روسافوبيا جماعية. الموقف السلبي له ما يبرره تمامًا بسبب رموز العدوان الإمبراطوري والأشخاص الذين يدعمون هذا العدوان، بينما يشعر المواطنون الروس العاديون الذين يعارضون الحرب بالتضامن والدعم.

 قول البروباغندا بإجلاء الروس من الغرب من الصعب نعته بأي صفة أخرى سوى الهراء. وربما يكون من الأفضل لو أن الكرملين أجلى من الغرب مناصري الحرب العدوانيين، لكنه يشكك في العثور بينهم على راغبين في ذلك. مناصرو الكرملين هؤلاء يفضلون التعبير عن دعمهم من بعيد. 

موقع Rosbalt المعارض المدرج على قائمة العار "عميل أجنبي" نشر نصاً بعنوان " "روسافوبيا تزدهر": في مجلس الإتحاد يحذرون من إجلاء الروس المحتمل من بلدان الغرب". ينقل الموقع عن نوفوستي ما قاله كوساتشيف، ويقول بأنه سبق أن أقرت روسيا خطة إجلاء طوعي للمواطنين الروس المقيمين في البلدان الأجنبية. وفقاً لهذه الخطة كانت السلطات تأمل حتى العام 2030 بإعادة ليس أقل من نصف مليون روسي سبق أن غادروا البلاد. وكانت الخطة تقضي بتنظيم إعادة التوطين بتقديم ضمانات رسمية على حساب الموازنة الإتحادية، وتكليف لجان مؤقتة من الداخلية والخارجية إعادة الروس.

صحيفة الأعمال الروسية Vedomosty التي كانت يوماً مستقلة، كتبت نصاً بعنوان ""روسيا الواحدة" تخطط لإقامة مكتب تنفيذي للدفاع عن حقوق المواطنين"، وألحقته بآخر ثانوي "وبحسب الحزب، تملي ضرورته روسافوبيا غير مسبوقة". ينقل الموقع عن نائب رئيس اللجنة البرلمانية لشؤون "الدول المستقلة" قوله في ندوة حزب "روسيا الواحدة" بأن "علينا جميعاً" تنسيق العمل وإقامة مقر أركان واحد للنظر في شكاوى المواطنين بشان روسافوبيا في الغرب وإتخاذ القرارات، بما فيها التشريعية لتقديم المساعدة القانونية لهم. 

وبعد أن تشير الصحيفة إلى تأييد كوساتشيف لإقتراح إقامة مكتب تنفيذي، تنقل عنه قوله بأنه من الضروري الآن، وإن كان ذلك إجراء وقائياً، أن "ننظر" في القنوات التي قد تلزم لنقل "مواطنينا" إلى موطنهم، وتسهيل إجراءات الدخول إلى روسيا.

كما تنقل الصحيفة عن نائب وزير الخارجية ونائب رئيس لجنة "روسيا الواحدة" لشؤون التعاون الدولي ودعم المواطنين الروس في الخارج يفغيني إيفانوف قوله بأن مواطني روسيا إصطدموا ب"روسافوبيا حياتية غير مسبوقة" وغياب ردة فعل السلطات الغربية عليها. وأشار إيفانوف إلى أن جميع حالات التمييز يتم توثيقها بدقة، وثمة 24 مركز مساعدة قانونية للمواطنين الروس منتشرة من البلطيق حتى بلجيكا والأردن. 

موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 9 نشر بالروسية نصاً بعنوان "في روسيا تذكروا الأخلاق وتحدثوا عن إجلاء مواطنيهم من بلدان الغرب". يستعيد المواقع كلام كوساتشيف عن إزدهار روسافوبيا في "ما يسمى" الغرب، وتتخطى بسرعة "الخطوط الحمر للأخلاق واللياقة البشرية. ويقول أنه لسبب ما لم يتذكر كوساتشيف ضرورة إجلاء المدنيين المسالمين من مدينة ماريوبول. 

يشير الموقع إلى حديث بوتين إلى الحائزين على جوائز في حقل الثقافة، حيث يقول بأن التمييز يتطور في البلدان الغربية تجاه كل ما له علاقة بروسيا، وتزدهر "ثقافة الإلغاء". 


  



     

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها