الخميس 2022/04/21

آخر تحديث: 18:23 (بيروت)

وقائع تحقيق إسرائيلي..عن المسجد

الخميس 2022/04/21
وقائع تحقيق إسرائيلي..عن المسجد
increase حجم الخط decrease

 يسأل المحقق العسكري الاسرائيلي أحد الشبان الفلسطينيين المعتقلين من حملة الرباط داخل المسجد الاقصى: ما الذي جاء بك الى المسجد؟ متى بدأت الصلاة؟ هل تعرف ان تصلي؟ هل يمكن ان تدلني على وجهة القِبلة؟ لكن الشاب المعتقل لا يجيب على الاسئلة الاستفزازية، مكتفياً بابتسامة ساخرة من المحقق، الذي يتعرف للتو على وجوه فلسطينية جديدة بين المرابطين في المسجد، الذين كانوا في ما مضى من كبار السن، الورِعين، قبل ان يلتحق بهم شبان في مقتبل العمر، يتقدمون اليوم المواجهات مع الاحتلال، ويمثلون  ظاهرة مثيرة في الصراع.

التحقيق العسكري، الذي سربه الاسرائيليون، تزامن مع تسريبات أخرى لمقاطع فيديو تظهر أولئك الشبان وهم يلهون في المسجد الذي يحتل مكانة مقدسة، بل حتى وهم يلعبون كرة القدم، على السجاد الاحمر المخصص للصلاة والمصلين، وأخرى تظهر إعتراضات من مشايخ الاقصى وكباره الذين يحذرون المرابطين الشبان من أن المسجد مكان للصلاة والعبادة وليس للترفيه والتسلية..وهي تسريبات أثارت دهشة بعض العرب والمسلمين الذين لا يعرفون تاريخ المساجد ولا دورها في الاجتماع الاسلامي في حالات الحرب والسلم، ولم يلتفتوا الى ذلك الحرص الاسرائيلي الطارىء، والزائف، على قدسية المكان الذي بات يسمى في بعض الاعلام العربي الرسمي بإسمه اليهودي المصطنع: جبل الهيكل.

ويبدو أن الشبان المرابطين في المسجد ليسوا بالفعل من الاتقياء ولا من المتزمتين. ولعل بعضهم لم يقرب الصلاة. لكن المؤكد أنهم جميعاً شدوا الرحال الى الاقصى، بدافع يعادل الايمان والتدين، الدافع الوطني، الذي يقارب الحرم القدسي بوصفه رمزا وطنيا ودينيا، والذي يستقطب فلسطينيين مسيحيين من الضفة الغربية واراضي ال48، قطعوا الاحتفالات بعيد الفصح لكي يشاركوا في الاعتصام داخل الجامع. ويخطئ من يختزل معركة القدس إلى معركة دينية، فهي قضية وطنية، قضية تحرر من الاحتلال ونظام الأباتهايد، وليست صراعا بين الإسلام واليهودية. فلا المستوطنون المهاويس يمثلون اليهود، ولا المدافعون عن الأقصى يمثلون المسلمين إلا معنويا وأخلاقيا، فالأنظمة المطبعة مع إسرائيل يقودها مسلمون، وفي حكومة إسرائيل حزب تقوده حركة تسمي نفسها حركة إسلامية.

في تاريخ النضال الفلسطيني الطويل نماذج متعددة من ذلك الاستقطاب، الذي يسلم بالاقصى كعنوان رئيسي للهوية الوطنية ومحور مركزي لعاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة، لكن المستجد هو أن تتم المرابطة في المسجد، في ظل جو سياسي إسلامي، لم يبد حتى الآن على الاقل، حساسية خاصة تجاه الاعتداءات الاسرائيلية المتلاحقة على الحرم القدسي والتي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي.. لاسيما عندما كان العالمان العربي والاسلامي يهبّان هبة واحدة، لدى سماع صرخة: الاقصى في خطر!

ما يهم الآن، هو أن إسرائيل، حسب روايتها، تكتشف نوعاً جديداً من المرابطين الفلسطينيين، المسلمين غير الاسلاميين بالمعنى السياسي للكلمة. ويبدو أنها كانت تمهد لإتهامهم بتدنيس حرمة المسجد الاقصى، وموقعه في الديانة الاسلامية كأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.. وربما كانت تسعى الى تبرير غزوات المستوطنين اليهود للحرم القدسي اليومية، بإعتبارها دفاعاً ضمنياً عن إحدى حواضر الاسلام التي تحتل المركز الثاني في العقيدة وفي التاريخ الاسلامي، يتولاه متطرفون يهود تعدهم الحكومة الإسرائيلية متدينين أتقياء، يقتحمون الاقصى فقط لطرد الكفار الفلسطينيين، الذين يسيئون الى المسجد والهيكل المزعوم في آن معاً.

لا شك ان للأقصى أهمية دينية، تنتفض له مشاعر الناس الدينية، ولكنه أيضا جزء من معركة تحرير القدس، وتحرر الفلسطينيين. ولو لم يكن محتلا، لو كان مسجدا في دولة مستقلة، لما كان هناك مانع ان يزوره اليهود وغير اليهود بوصفه أيضا معلماً حضارياً للسياحة. لكنهم يقتحمونه كمحتلين، ويدنسونه ليس لأهداف دينية، بل لتثبيت سيادة إسرائيل عليه. ولا شك أن هناك مهاويس يريدون تحويله إلى هيكل او تقاسمه، ولكن وحده واقع الاحتلال يجرئهم على مجرد التفكير في هذا الأمر، فضلا عن محاول تعويد الناس على اقتحاماتهم للأقصى، يضاف إلى ذلك تعامل أنظمة العرب المسلمين مع الأمر وكأنه خصومات موسمية، واستعداد بعضهم للاعتياد على هذه المشاهد.

التحقيق مستمر، وكذلك الصراع، وهو إذ يعيد القدس والاقصى الى واجهة الاحداث، فإنه لا يكسب المواجهة الحالية بعدها الديني، كنزاع بين المسلمين واليهود على مكان مقدس. ثمة في الجانب الفلسطيني، أفق وطني تفتحه وقائع المعركة العفوية غير المتكافئة، وغير المحددة بأي إطار سياسي. وثمة في الجانب الاسرائيلي، أفق ديني ينفتح عمداً لكي يعوض فراغ السياسة وإقفال مساحة التفاوض.. حتى على موقع القدس ومسجدها.

لكن وقائع التحقيق ومجريات المواجهة، تشي بأن العدو الذي لجأ الى هذه الادوات والاساليب، خسر الجولة الحالية من معركة الأقصى، وأدرك كما يبدو حدود قوته في التعامل مع شبان فلسطينيين يخوضون الصراع في إحدى أهم ساحاته، كجزء من نضال  وطني لا يتوقف ولا يهزم.            

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها