الجمعة 2022/12/09

آخر تحديث: 19:06 (بيروت)

اللعب التافه بالوقت الضائع

الجمعة 2022/12/09
اللعب التافه بالوقت الضائع
increase حجم الخط decrease

عُقدت الجلسة الانتخابية التاسعة أمس لتزيد من كمية الملل حيال هذا الحدث بكل أبعاده، إذ من الواضح أن الافرقاء السياسيين الأساسيين ينتظرون "صفقة" أو انعطافة ما في الخارج تُتيح الاتفاق على اسم لرئاسة الجمهورية. عملياً، نحن في الوقت الضائع، والفولكلور الانتخابي بمثابة لهو. 

أولاً، الخيارات السياسية الأساسية غير مقنعة انتخابياً، وهذا على ارتباط بطبيعة تكوين البرلمان اللبناني، ولا غالبية لأحد الأطراف فيه. "حزب الله" غير قادر على انتخاب رئيس للجمهورية خارج الاجماع المسيحي، وحليفه "التيار الوطني الحر" مثله مثل الخصوم السياسيين في هذا الاستحقاق، ومن الصعب تطويعه لانتخاب سليمان فرنجية. وفرنجية، رغم كونه المفضل لدى التنظيم، لا حظوظ له سوى بسلسلة صفقات سياسية على غرار ما حصل مع الرئيس السابق ميشال عون، وهذا لا يبدو ممكناً خلال الأسابيع والشهور المقبل لأسباب إقليمية مع ارتفاع منسوب التوتر بين إيران وخصومها، وتحديداً السعودية.

الخيارات الأخرى المقبولة لدى أطراف مختلفة مثل قائد الجيش، أيضاً غير منطقية في ظل تصاعد التوتر، سيما أن "حزب الله" لا يرغب في تكرار تجربة الرئيس السابق ميشال سليمان وموقفه ضد مشاركة التنظيم في الحرب السورية. المنطق يفترض عدم قبول التنظيم برئيس يتمتع بعلاقة جيدة مع الولايات المتحدة. حتى لو عادت إيران الى الاتفاق النووي، خيار الموافقة على ميشال سليمان ثانٍ ينطوي على مخاطر في حال فوز جمهوري بالانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة. هذا يحصر "حزب الله" بخيارات محدودة ويدفعه للمماطلة والضغط على خصومه بالفراغ والتداعيات الأمنية له.

ثانياً، الوضع الإقليمي متأزم، مع دخول الاتفاق النووي مرحلة الإنعاش، وتوقف المحادثات السعودية-الإيرانية، وأخيراً، تشكيل حكومة يمينية متشددة في إسرائيل. كيفما نظرنا اليه، الوضع الإقليمي متأزم جداً. لا مجال أمام خرق في الجدار، والأرجح أننا أمام احتمال عودة العنف نهاية العام الجاري. 

كيف اذن بالإمكان تجاوز الانقسامات الإقليمية وتحقيق خرق في الجدار؟ تتجه المعادلة السياسية اليوم نحو لعبة "من يصمد أكثر؟"، بين "حزب الله"، من جهة، وخصومه من جهة ثانية. أدوات هذا النزاع السياسي تتمثل بالفراغ والتعطيل وكذلك تدهور واسع في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بما يُنتج توترات طائفية لا بد أن تنفجر عنفاً. والوصول الى هذه النقطة في الصراع، لن يطول على الاطلاق، بل سيسبق الفراغ في مواقع رئيسية الصيف المقبل.

على هامش هذا الصراع، سيكون التكتل المفكك للنواب المستقلين، وهو بأغلبهم اختاروا تحييد أنفسهم عبر اختيار مرشحين مغمورين، ومقاربة الاستحقاق الرئاسي وكأنه مسابقة ملك جمال، وتفويت الفرصة الذهبية التي تُمثلها. في نهاية المطاف، لا يملك هؤلاء النواب أحزاباً أو شبكات دعم أو رعاية خارجية تضمن ديمومتهم. كان بالإمكان استغلال الفراغ الرئاسي من خلال اختيار مرشح مناسب، والعمل من خلاله على توجيه رسائل للرأي العام عن السياسات الممكن تحقيقها على كل المستويات، أكان سياسياً أو اقتصادياً أو مالياً أو بيئياً. نحن أمام رأي عام أرهقته الشعارات والخطابات السياسية، ويرغب في رؤية حلول سريعة لأزماته.

واختيار مرشح مناسب ضروري، بغض النظر عن الاصطفافات السياسية. مثلاً، القبول بميشال معوض مرشحاً رغم عدم امتلاكه لا المواصفات المطلوبة ولا دعماً وازناً، خطأ، ذاك أن الرجل بعيدٌ عن كونه وريثاً سياسياً، لا يمتلك أي مؤهلات أو تاريخاً من النجاحات أو القيادة في زمن الأزمة (قائد الجيش مثلاً يمتلك بعض هذه المواصفات). جملة المواقف والشعارات لا تكفي، سيما في ظل تاريخه الحافل بالتحالف مع خصوم يختلف معهم مثل "الوطني الحر" كي يصل الى البرلمان. ذاك أن معوض يُمثل جيلاً ورث في السياسة شكلياتها واجتماعياتها، من دون أن يحمل جديداً في خبرته وثقافته سوى شعورٍ غير مبررٍ بالاستحقاق، وهذا حال أغلب ورثة الساسة اللبنانيين.

من الضروري على من تبقى من النواب المستقلين، التركيز لا على الشخص، بل على الرسالة والمواقف والبرنامج المفصّل، واستغلال الفراغ وفولكلوره الممل، بالإشارة عبر مرشحهم الرئاسي الى سياسات بديلة وإصلاحية بالإمكان اتباعها في مجالات حيوية من قطاع الطاقة المشلول، إلى إعادة هيكلة المصارف، مروراً بسياسات تحفيز الاقتصاد ووضعه على سكة النمو مجدداً، وأيضاً في السيادة وضرورة احتكار السلاح في يد الدولة. يجب أن تكون كل جلسة فرصة للحديث عن الفرص الضائعة، وجريمة الفراغ المتواصلة.

في لعبة السياسيين اللبنانيين وانتظارهم تبلور صورة إقليمية مختلفة، هفوات بالإمكان استخدامها لتسديد أهداف في مرماهم، لكن اللعب التافه الذي رأيناه خلال الأسابيع الماضية، لا يُبنى عليه في السياسة، ومن المطلوب تفاديه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها