الأربعاء 2022/12/07

آخر تحديث: 07:43 (بيروت)

نتنياهو كقضية إشكاليةٍ في واشنطن

الأربعاء 2022/12/07
نتنياهو كقضية إشكاليةٍ في واشنطن
increase حجم الخط decrease

استبقت الإدارة الأميركية إعلان بنيامين نتنياهو تشكيل حكومته الجديدة بمكوناتها العنصرية المتطرفة، بتوجيه رسالة علنية واضحة اليه عبر أكبر مؤسسة يهودية أميركية معادية لليمين الإسرائيلي وسياساته  الداخلية والإقليمية، وأوفدت أعلى مسؤول من أصل يهودي فيها، وزير الخارجية انتوني بلينكن ليشارك في المؤتمر السنوي لمنظمة "جاي ستريت" ويكون المتحدث الرئيسي في خطوة لا تفتقر الى الرمزية في المكان -واشنطن العاصمة-أو الزمان-قبل اعلان الحكومة الجديدة في تل ابيب- وهي إشارة يفهمها نتنياهو جيدًا، لأن الرئيس جوزيف بايدن عندما كان نائبًا للرئيس باراك أوباما، نفذ المهمة ذاتها عام 2013، ليعلن التجافي البارد الذي استمر حتى وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض عام 2017، وتكريس اسرائيل كقضية خلافية في الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ تأسيس الكيان.

لا تحتاج معرفة المغزى السياسي لهذه الخطوة الى كثير العناء، فقد اعلن عنها يوم الأربعاء في الثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر، لتتم بعد أربعة أيام فقط، الأحد في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر، لم يكتفِ بلينكن بالتلميح فصرّح في كلمته التي ألقاها بأريحية وارتياح، بما يرتاب واشنطن من مخاوف. توجه الى المؤتمر الذي ينعقد بالحضور الشخصي للمرة الأولى منذ عام 2019، مخاطبًا المدير التنفيذي لـ "جاي ستريت" السفير السابق جيرمي بن عامي الذي وصفه بالصديق القديم والزميل: "أود أن أشكرك على التزامك الأكيد بتعزيز العلاقات بين أميركا وإسرائيل، وعلى رؤيتك ودورك القيادي.. والى جميع المشاركين هنا، أشكركم على ما تفعلون من أجل السلام والديمقراطية". 

أضاف: "اليوم أود أن اعلمكم كيف أن إدارتنا تعمل لتعزيز القيم والمصالح المشتركة في صميم العلاقات الأميركية-الإسرائيلية في وقت حساس. من خلال تعزيز أمن إسرائيل والإعتراف بأن لا سلام ممكن دون إسرائيل آمنة وقوية، وتعميق الإندماج الإسرائيلي في المنطقة..وفي عالم يتمسك بقوة بحل الدولتين لشعبين، ومعارضة أية خطوات تضعف من تحقيق ذلك، واتخاذ خطوات عاجلة تحسن من عيش الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء". وبعد أن عدّد التزامات ادارته لإسرائيل وشراكتها معها، مذكرًا بسلة التفاهم في عهد أوباما عام 2016، تطرق الى الوضع في ايران مجددًا تعهده بمساندة الشعب الإيراني الذي يواجه "النظام الذي يشكل الخطر الأكبر على إسرائيل، ويهدد بمحوها عن الخريطة، ويستمر قي تزويد أذرعه والإرهابيين مثل حزب الله وحماس المستنفرين دائمًا مثل ايران برفضهم لحق إسرائيل في الوجود، هذا النظام الذي يقوم مجددًا بقمع تظاهرات شعبه السلمية بوحشية، وفي الوقت نفسه يسلح ويدرب القوات الروسية على المسيرّات التي يستخدمها الرئيس بوتين لقتل المدنيين الأوكران وتدمير البنى التحتية. نحن نقف مع الشعب الإيراني وخصوصًا النساء اللواتي يتظاهرن بشجاعة استثنائية، وننسق مع حلفائنا لمعاقبة المسؤولين عن الإنتهاكات بما فيها قتل مهسا أميني".

وأشار بلينكن الى أن ادارته لا تزال تؤمن بالحل الدبلوماسي للملف النووي الإيراني، وتعمل على تمتين علاقات إسرائيل الدولية، منوهًا باتفاق الترسيم بين إسرائيل ولبنان، وقرار المملكة العربية السعودية اعتماد الأجواء المفتوحة التي تسمح للطيران المدني الإسرائيلي بالعبور، وترتيب "آي 2 يو 2" الذي يضم إسرائيل والهند ودولة الإمارات وأميركا، لكنه لفت الى أن كل الفوائد والتطبيع بين إسرائيل وجيرانها "ليست بديلًا عن السلام مع الفلسطينيين (في رد غير مباشر على مقولة نتنياهو الشهيرة: لقد قمنا بالتطبيع مع العرب من وراء ظهر الفلسطينيين). علينا أن نستفيد من التطبيع لتحسين حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، هذا ليس موقف أميركا وحسب بل موقف الدول العربية التي اقامت علاقات مع إسرائيل، وهذا ما يلتزم به الرئيس بايدن من خلال حل الدولتين، لأننا نؤمن بأن الفلسطينيين والإسرائيليين لهم الحق، مثل بقية الشعوب، في نفس الحقوق والفرص". 

ومع تجديد التزامه بالقدس عاصمة لإسرائيل قال بلينكن: "كما قال الرئيس بايدن خلال زيارته للقدس، المدينة أساسية للرؤية الوطنية للشعبين وينبغي أن تكون لجميع أهلها. نحن نعرف أن فرص قيام الدولتين في اللحظة الراهنة تبدو بعيدة وقد يراها البعض واهية، لكننا ملتزمون بتوفير أفق من الأمل". أخيرًا تطرق بينكن الى الموضوع الأكثر حساسية معتبرًا الانتخابات الإسرائيلية حرة ونزيهة مذكرًا بتعهد نتنياهو بتشكيل حكومة "تعمل لصالح كل سكان إسرائيل دون استثناء" وقال أن بايدن ابلغ نتنياهو في اتصال التهنئة أنه يتوقع من حكومته أن تعمل معنا لتعزيز القيم المشتركة والتأكيد على القيم الديمقراطية والحريات الشخصية وتوفير العدالة لكل سكان إسرائيل، "وسنحاكم الحكومة بناء على سياستها وليس بناء على أشخاصها، وسنتحدث معها بصراحة وصدق كما فعلنا خلال سبعة عقود". وشدد على أن الإلتزام بتوفير أفق من الأمل لحل الدولتين يعني منع أي طرف من اتخاذ تدابير أحادية تزيد من التوتر أو تستبعد الحل، وتعهد بإدانة الأعمال الإرهابية واستهداف المدنيين ومحاسبة من يقوم بذلك! واعرب عن قلقه من العنف المتصاعد مؤخرًا في الضفة الغربية والذي يمارسه المستوطنون والفلسطينيون داعيًا الى الكف عنه، وشدد على معارضته لتوسيع المستوطنات أو سياسة الضم في الضفة أو أي تغيير للأمر الواقع في الأماكن المقدسة أو أعمال الترحيل وتدمير البيوت والتحريض على العنف.

وعقب تذكيره برفع مستوى التمثيل الأميركي لدى السلطة الفلسطينية من خلال إنشاء منصب ممثل خاص للشؤون الفلسطينية في وزارة الخارجية وتكليف هادي عمر به، وتعداد المشاريع والمنح التي تقدمها الإدارة للشعب الفلسطيني ختم بالقول علينا أن نبقي شعلة الأمل متقدة من خلال إثبات أن الأمور قابلة للتحسن"

وكان بن عامي حذر في كلمته التي قدم فيها بلينكن من أن حكومة نتنياهو العتيدة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل ستسعى الى التحكم غير الديمقراطي والدائم بملايين الفلسطينيين واتهم مؤسسة "ايباك" كبرى المنظمات الصهيونية الموالية لإسرائيل باستخدام ورقة معاداة السامية في وجه من يرفض السياسة الإسرائيلية والدعوة الى الدفاع عن إسرائيل "ظالمة او مظلومة"، وطالب إدارة بايدن  برفض المستوطنات والعقاب الجماعي وازدواجية المعايير القانونية بين الإسرائيليين اليهود والعرب وسياسة الضم أو تغيير وضعية المسجد الأقصى والقوانين المجحفة بحق الفلسطينيين، مذكرًا بمواقف اليهود الأميركيين المناصرة لحقوق السود والأقليات ومنددًا بما يسعى اليه اليمين الإسرائيلي. 

وفي قرار معبّر عشية انعقاد المؤتمر، اضافت منظمة "جاي ستريت" الى شعارها المكون من ثنائية " أميركيون مؤيدون لإسرائيل، مؤيدون للسلام" اللازمة الثالثة "مؤيدون للديمقراطية" لتشير الى الفالق الذي أحدثه نتنياهو طوال عقد ونصف العقد وبلغ أشده مع دونالد ترامب الذي أعطى اليمين الإسرائيلي أكثر مما يحلم به، قبل أن يستيقظ على واقع لا مفر منه.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها