الثلاثاء 2022/12/06

آخر تحديث: 06:05 (بيروت)

كيف سترد روسيا على فرض سقف لسعر نفطها؟

الثلاثاء 2022/12/06
كيف سترد روسيا على فرض سقف لسعر نفطها؟
increase حجم الخط decrease

وأخيراً إستقر الإتحاد الأوروبي على قرار واحد بشأن فرض سقف على سعر النفط الروسي في الأسواق الأوروبية ، بعد أن إنقسمت الدول الأوروبية بين مؤيد ومعارض لمثل هذا الإجراء. فقد توصل سفراء دول الإتحاد في 2 الجاري إلى توافق على فرض سعر 60$ لبرميل النفط الروسي يدخل حيز التنفيذ في 5 منه، وتقضي بنوده بمنع الشركات الغربية تقديم الخدمات المالية والتأمين لناقلات النفط التي تنقل النفط الروسي، بإستثناء تلك المحملة بنفط يعادل السعر المفروض أو ما دونه. 

وكالة تاس نشرت إثر صدور القرار تقريراً عن حجم الصادرات الروسية من النفط وحصة أوروبا والولايات المتحدة منها. وقالت بأن هذا الحجم بلغ العام المنصرم 229,9 مليون طن بمردود مالي بلغ  110,1 مليار دولار، وتم تصديره إلى 39 بلداً في العالم. والصين هي المستورد الأكبر، يليها الإتحاد الأوروبي الذي تبلغ وارداته 108,1  مليون طن بمردود يبلغ 50,9 مليار دولار وتبلغ نسبته 47% من حجم الصادرات الروسية. وتبلغ نسبة النفط الروسي المصدر إلى الولايات المتحدة نسبة  3% من مجمل واردات النفط الأميركية. وتتصدر هولندا ثم ألمانيا البلدان الأوروبية المستوردة،  واللافت أن واردات النفط الروسي إلى أوروبا قد إنخفضت عما كانت عليه في العام 2012، حيث كانت حينها  67% من إجمالي صادرات النفط الروسي. 

وتنقل تاس عن منظمة أوبك أن روسيا أصبحت في العام المنصرم البلد الثاني المصدر للنفط بعد السعودية، ويبلغ حجم صادراتها 10,9% من إجمالي صادرات النفط إلى السوق العالمية. 

لتحديد سعر برميل النفط تُعتمد العقود الآجلة علىى نفط برنت، ويتحدد سعر النفط الروسي ماركة Urals ياقل بمعدل  1-2$ من سعربرميل نفط برنت. 

الحديث في الغرب عن تحديد سقف لسعر النفط الروسي في الأسواق الأوروبية بدأ منذ الربيع المنصرم، حين نقلت الفايننشال تايمز في 26 نيسان/أبريل عن مصدرها فكرة فرض هذا السقف. وتقول تاس أن المرة الأولى التي تمت فيها مناقشة هذه الفكرة على مستوى رفيع، كانت حين أكد رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي في أيار/مايو مناقشتها مع الرئيس الأميركي جو بايدن خلال المحادثات بينهما. وفي 20 من الشهر عينه أعلنت  وزيرة  الخزانة الأميركية جانيت يلين أن وزراء مالية G7 وحكام المصارف المركزية في المجموعة ناقشوا فكرة إنشاء كارتل لمستوردي النفط الروسي من أجل فرض سعر لهذا النفط. 

منذ أن بدأ الحديث في الغرب عن فرض سقف لسعر النفط الروسي، تمسكت روسيا بمقولتين ميزتا كل ردودها الرسمية والإعلامية على السقف، حيث رأت فيه تدخلا في آلية عمل السوق، وافترضت أن البلدان الأخرى المصدرة للطاقة قد تتعرض للإجراء الغربي عينه. فقد نقل المجمع الإعلامي الروسي الكبير RBC في مطلع أيلول/سبتمبر المنصرم عن تلغرام السفارة الروسية في واشنطن قولها بأن واشنطن تروج "لمفهوم معاد للسوق" لتحديد سقف لسعر النفط الروسي، وموسكو لا تنوي بيع نفطها بشروط مغايرة للسوق. وقالت السفارة  أن  الولايات المتحدة ضربت أولاً إستقرار أسواق الطاقة العالمية بفرضها عقوبات على روسيا، ثم قررت منع حصول نقص في مصادر الطاقة الروسية في الأسواق العالمية، مع السعي لأقصى تخفيض في عائدات النفط والغاز في الموازنة الروسية. 

ورأت السفارة أن الولايات المتحدة، وبعد أن رسخت إبتكارها لفكرة فرض سقف لسعر النفط، يحاول ممثلوها  بالحيل وأحيانا بالإبتزاز فرض آلية "سقف سعر" على بلدان ثالثة. لكن، بدل مصادر الطاقة الرخيصة الموهومة، فإن إستخدام  مثل هذه الآليات يهدد فقط بمزيد من الإنهيار في سوق النفط. 

صحيفة الإزفستيا نقلت عن كبير خبراء إتحاد صناعيي النفط والغاز الروسي ورئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب الروسي (البرلمان) قولهما بثلاثة سيناريوهات للرد الروسي على تسقيف سعر النفط الروسي. يقول الخبير أن السيناريو الأول "الأكثر نعومة" يفترض أن روسيا سترد بضبط النفس. وهذا يعني أن روسيا ستستفيد من تلك الثغرات التي تتركها في هذه القيود جميع البلدان الأعضاء في G7 والإتحاد الأوروبي. وهذه الثغرات عديدة في القيود، وذلك لأن جميع هذه البلدان تدرك جيداً أنها لا تستطيع الإستغناء عن النفط الروسي ومشتقاته.

لكن الخبير يقول أن "السناريو الناعم" لن يتحقق، وذلك لأن روسيا لن تعمد إلى الإستفادة من مثل هذه الثغرات. ويرى أن روسيا سوف تستفيد من فرض سقف على سعر النفط، فهي "فرصة رائعة" لروسيا، ومن دون أن تفقد ماء الوجه، لكي ترفض الشارين غير المناسبين والمعادين لها المتمثلين في الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وسواهما. وبالتالي ستصبح جميع الإتفاقيات  مخترقة، ويمكن إعتبارها "ليست ذات أهمية". وأخيراً بوسع روسيا، برأي الخبير، الخروج من "الموقف السخيف" الذي وجدت نفسها فيه بفضل هذه الإتفاقيات. 

رئيس لجنة الطاقة في البرلمان الروسي يرى أنه في ظل تحديد سقف للسعر، لم يعد من المربح لروسيا أن تمد بالنفط ومشتقاته. ولذلك يقول بسيناريو آخر يفترض رفض روسيا تصدير النفط ومشتقاته للبلدان التي ستفرض هذه القيود. 

لكن البرلماني يقول بسيناريو ثالث بوسعه إركاع كل السوق العالمية للنفط ومشتقاته. فروسيا بوسعها أن تؤثر ليس فقط في إمدادات النفط ومشتقاته من روسيا، لكن ومن دول العالم الأخرى أيضاً. فهي تشارك في إتفاقية أوبك +، وتستخدم بنشاط موقعها الرائد في هذه الإتفاقية. وهو يعتقد أن الإحتمال كبير جداً في تمكن روسيا من المساهمة في حظر توريد النفط  ومشتقاته من دول إتفاقية أوبك + لجميع البلدان التي تفرض سقف سعر على النفط الروسي، من دون أن يذكر ما دأبت المصادر الروسية أن تردده من خشية هذه البلدان من أن يفرض عليها هذا السقف في أي لحظة تراه الولايات المتحدة مناسبة.

موقع الخدمة الروسية في  BBC يقول أن بولندا لم تقتنع بسقف 60$ لبرميل النفط الروسي سوى يوم الجمعة في 2 الجاري، حين صدور قرار الإتحاد الأوروبي الذي يتطلب موافقة جميع أعضائه. والمعروف أن بولندا كانت تصر مع بلدان البلطيق على سقف 30$ للبرميل، ولم تقتنع بالسقف الجديد إلا بعد أن تقرر أنه مؤقتاً، ويتضمن آلية إعادة النظر به لكي يبقى أقل بنسبة 5% أدنى من السعر الجاري في السوق لبرميل النفط. 

يشير الموقع إلى أن روسيا تصدر الآن حوالي 3, 5% برميل يوميا إلى الغرب، وقد بخفض الحظر الشامل هذا الحجم إلى حوالي الثلث، وليس فقط إلى بلدان G7. فالحظر لا يشمل فقط شراء النفط ومشتقاته من روسيا، بل يشمل الشحن والتمويل والتأمين على أي إمدادات بالطرق البحرية لمختلف البلدان. ونتيجة لذلك سوف ينخفض نصيب روسيا في سوق الطاقة العالمية حتى العام 2030 إلى 13% من 20% السنة الماضية، وسوف تربح من الحظر الولايات المتحدة وبلدان الشرق الأوسط، أما روسيا فسوف تخسر حوالي 1تريليون$، حسب توقعات وكالة الطاقة الدولية. 

ويختتم الموقع نصه بالتأكيد أنه، إضافة إلى النفط، طالت العقوبات الأقسى في التاريخ التجارة والأموال وبوتين نفسه، لكن الغرب، وخاصة الإتحاد الأوروبي،  يتحركون بحذر على هذه المساحة الجديدة في التجربة العالمية، محاولين العثور على توازن دقيق بين مصالحهم الخاصة  والرغبة في ثني الكرملين عن الرغبة في الهجوم على جيرانه. 



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها