الأحد 2022/12/25

آخر تحديث: 08:35 (بيروت)

الاتفاق النووي الايراني يحتضر في أوكرانيا

الأحد 2022/12/25
الاتفاق النووي الايراني يحتضر في أوكرانيا
increase حجم الخط decrease

لم تكن مفاوضات استئناف الاتفاق النووي المتعثرة بين أميركا والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي وبين ايران تحتاج الى تصعيد الرئيس الأوكراني فلودومير زيلنسكي ضد الجمهورية الإسلامية في خطابه "التاريخي" أمام الكونغرس قبل أيام والذي أتهم فيه ايران بمساعدة روسيا في تدمير النية التحتية لبلاده، للتأكد من الاتفاق ينتظر التشييع، لأن ما أعلنه الرئيس جوزيف بايدن عن "وفاة" الاتفاق في دردشة مع متظاهرين مناوئين لطهران في كاليفورنيا أوائل الشهر الماضي، لم يكن زلة لسان بقدر ما كان تعبيرًا عن تحوّل جوهري في مقاربة واشنطن للملف الإيراني ككل، من خلال تخفيف الزخم الدبلوماسي "الإيجابي" الذي كان سائدًا حتى أول الخريف الماضي، وتعزيز الضغط السياسي والدولي وزيادة العقوبات من بوابتي القمع العنيف للإحتجاجات الشعبية، وتزويد ايران لروسيا بالطائرات المسيرة والصواريخ المتوسطة المدى.

تجلى هذا التحوّل بوضوح في المؤتمر الصحافي السنوي الذي عقده وزير الخارجية انتوني بلينكن يوم الخميس الماضي، لإستعراض إنجازات وزارته خلال 2022 وتطلعاتها للعام المقبل. خلت مداخلة بلينكن الطويلة من أي ذكر لإيران مع انها لحظت قضايا كثيرة في الشرق الأوسط منها السودان واليمن وقمة النقب واتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل ومساعي التطبيع مع الدول العربية، الّا أن أول سؤال طرح عليه كان من مراسل اسوشييتد برس عن ايران فكرر أن السبيل الأفضل للتعامل مع “تحدي البرنامج النووي الإيراني هو الدبلوماسية، لقد انخرطنا في دبلوماسية مكثفة. لكن إن لم تكن ايران مستعدة أو قادرة على القيام بما هو ضروري للعودة الى الإلتزام، عندها يصبح ذلك جزءً من المعادلة".

لم يكن الجواب كافيًا للصحافيين فاتبعوه بسؤال أكثر تفصيلًا: "كيف توفق بين قولك ان الدبلوماسية هي الخيار الأفضل، وبين قولك أن التركيز الآن ينبغي أن يكون على الشعب الإيراني وما يطالب به ويسعى اليه من حقوق، ما هي الرسالة التي تريد ايصالها، وكيف ستتعاملون مع حكومة، كانت الوحيدة غير روسيا، التي قال زيلنسكي انها تقوم باعمال إرهابية من خلال الطائرات المسيّرة؟" رد بلينكن بشكل مفصل مشيرًا الى ان العالم الآن يركز بشدة على "ما يجري الآن في ايران، لا زلنا نشعر بقلق بالغ إزاء اطلاق النار على المتظاهرين السلميين خصوصًا النساء والأطفال... ونرى الإعتقالات الجماعية والمحاكمات الصورية والاعدامات واستخدام العنف الجنسي، هذه انتهاكات لن تمر بلا عواقب ونعمل على توفير استمرار التواصل بين الإيرانيين والعالم الخارجي"، وبعد أن أشار الى العقوبات الجديدة على مسؤولين إيرانيين تطرق الى مسألة تزويد روسيا بالمسيرات "مساهمة في العدوان ضد أوكرانيا في اختراق للقرار الدولي رقم 2231"، والى "دور ايران في الأنشطة المزعزعة للإستقرار في المنطقة ودعم المجموعات الإرهابية"، مشددًا على أن أميركا لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي قائلًا: "الدبلوماسية هي الحل الأمثل، لكن ايران ليست مستعدة أو قادرة على العودة الى الالتزام بالإتفاق، لذلك سنواصل النظر في الوسائل التي تضمن بطريقة أو أخرى، عدم حصول ايران على سلاح نووي".

في اللغة الدبلوماسية، يعني الموقف الأخير الوصول الى حائط مسدود للمفاوضات، على الرغم من مشهدية التفاوض بين وزير الخارجية الإيراني والإتحاد الأوروبي على هامش قمة عمان الأخيرة، فالمسألة ليست في عمان ولا في الدوحة، المضيفة للشوط الأخير من التفاوض قبل تعثره، ولا في فيينا. سيقود أي تحليل موضوعي الى حقيقة أن المفاوضات خُنقت باليد الإيرانية في أوكرانيا، قبل أن تجهز عليها اليد الأميركية في المكان نفسه لاحقًا. عندما بدأ فلاديمير بوتين حربه على أوكرانيا في شباط/ فبراير الماضي، كانت المفاوضات في أوجها، وكانت إدارة بايدن بعد عشرة أشهر من التفاوض المكثف تحاول بكل امكاناتها، اغراء النظام الإيراني الذي آلت قيادته الى المتشددين بانتخاب إبراهيم رئيسي وتمنحه الوقت الكافي ليستقر ويرتاح. بدا لبرهة من الوقت أن هذه السياسة التي أدت الى تبادل السجناء والتخفيف المشروط من بعض العقوبات تؤتي ثمارها، وشاعت التكهنات باقتراب التوصل الى حل، وجري تبادل المطالب والشروط في أجواء متفائلة.

شكل العدوان الروسي على أوكرانيا نقطة تحول في موقف طهران التي رأت فيه، كما أشاع اعلامها والإعلام الذي يدور في فلكها، نهاية لوحدانية النفوذ الدولي في واشنطن والعودة الى نظام القطبين الذي ستكون موسكو فيه القطب الثاني. وعلى وقع التوقعات الغربية بسقوط كييف الوشيك، ومسارعة مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الأميركية والغربية عمومًا الى طرح سيناريوهات إرضاء بوتين الذي اجتاح جورجيا، واستباح سوريا واحيا أنظمة الإستبداد من حوله قبل أن ينفصل بأقاليم من أوكرانيا ويضم شبه جزيرة القرم بلا عواقب حقيقية، صعدت ايران من شروطها واعادت اليها بنودًا سبق لها أن تخلت عنها، فهي الآن حليفة لروسيا التي هي طرف أساس في الاتفاق النووي الأصلي، وما دام جارك بخير أنت بخير!

فاجأ الشعب الأوكراني وقيادته وقواته المسلحة العالم كله بصمود لم يكن احد يتوقعه. لم تسقط كييف، واضطرت القوات الروسية التي انتشرت في ارتال تشبه العروض العسكرية أكثر من التشكيلات القتالية الى الانسحاب بطريقة مذلة وعشوائية. غيّر بوتين أهدافة، لم يعد يريد "تطهير أوكرانيا من النازية!" صار الدفاع عن الأقاليم الإنفصالية هو الهدف، وحتى في ذلك وبعد إعادة الإنتشار والتموضع، وتغيير القيادات والتكتيكات، واصلت القوات الأوكرانية إجلاء المحتلين، وبدت القوات الروسية، التي كان الإعلام عمومًا يصورها على أنها جبارة، مضعضعة وفوضوية ومربكة، ولم ينفع استدعاء الإحتياط في تغيير الصورة، واضطر الجيش الأحمر الى اتاحة المجال لمرتزقة "فاغنر" ليدافعوا عن المحاور الحساسة دون جدوى. 

انقلبت الصورة وكان على واشنطن أن تتبنى انتصارات الأوكران، فهي المورد الأول والممول الرئيس لهم، فيما وجدت طهران نفسها في موقف يستدعي نجدة بوتين بدل الإستعانة به، فأمدته بالمسيرات والصواريخ عندما بدأ في البحث عن مصادر تسليح. في هذه النقطة بالتحديد، ردت واشنطن التحية لطهران، وصارت المسيرات القضية الأهم بالتزامن مع الإحتجاجات الشعبية الأوسع نطاقًا في ايران منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية. ففي أوكرانيا فوتت ايران فرصة رفع العقوبات، وفيها أيضًا وجدت أميركا مخرجًا لائقًا من مفاوضات غير مثمرة.

الآن استعادت واشنطن المبادرة، لكن البرنامج النووي الإيراني مستمر، وفي تل ابيب رئيس وزراء متطرف فقد ورقة المزاودة على بايدن في ذلك الملف، وجه الخطورة في هذا أن المنطقة لا تتحمل اعصارًا جديدًا، بينما يبدو كل الأطراف مستعدين للمغامرة.                  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها