الإثنين 2022/12/19

آخر تحديث: 09:50 (بيروت)

مونديال الكابتن ماجد

الإثنين 2022/12/19
مونديال الكابتن ماجد
ميسي وكأس العالم على عارضة المرمى (غيتي)
increase حجم الخط decrease
هكذا إذن.

بعد مباراة مجنونة كتلك التي قامت وقعدت بين الأرجنتين وفرنسا، يعود كأس العالم ليذكرنا بأنه الحدث البشري الأعظم، على الإطلاق.
هذه الدراما كلها. الصراخ والدموع والصلوات المرفوعة بكل اللغات والأديان إلى السماء. نوم أمم بأكملها حزينة، وسهر أمم أخرى حتى الصباح، تختتم بمباراة آتية من عالم الرسوم المتحركة. وتضيق التمنيات حتى تصير حميمة، مع البطل الذي يجب أن تنتهي الحلقة به فائزاً وسعيداً. وأن يرتقي ليونيل ميسي إلى الاسطورة. موجات المشاعر التي ترتفع وتهبط مع كل هدف من الأهداف الستة، ثم مع ركلات الجزاء. المباراة التي تُعصر حتى آخر قطرة فيها. هذه ليست كرة قدم. هذه مدينة مسحورة، تخرج من مخبئها كل أربع سنوات مرة. تدخلها البشرية لشهر كامل. تختلط الأعراق بالأعراق واللغات باللغات. كما لو أننا في ممرات وصالات انتظار مطار عملاق، الفارق الوحيد فيه هو أن لا أحد يضجر هنا، لأن تسلية قصوى تقدم للمتفرجين من طرف الكوكب إلى طرفه. بهجة لا تشبهها بهجة. أبطال يولدون وآخرون تنتهي حياتهم المهنية مباشرة على الملأ. هدير ضجيج هائل، لكن مستساغ. دموع بكل أنواعها. حكاية ملحمية تبنى فصولاً مباراة بعد مباراة، وصولاً إلى نهاية لو أنها مُتخيلة لاتهمت بالمبالغة، أن أهداف تعادل تسجل في اللحظات الأخيرة وأن نتائج تقلب رأساً على عقب. أن لا شيء مما يتوقعه المتفرجون، الخبراء منهم والعاديون، يتحقق. أن لاعباً يوصف بأنه الأفضل في تاريخ اللعبة بقي لديه خانة واحدة لم يملأها وهي رفع كأس العالم، فيرفعه. أن هذا الشهر الغرائبي يبدأ وينتهي، وبين نقطتي البداية والنهاية، ثمة ما يشبه قطار مدن الملاهي الأفعواني، يدور في كل الاتجاهات قاطعاً أنفاس راكبيه، ثم يقف فجأة، وينتهي كل شيء، وأول ما يفكر فيه ركابه، هو أن عليهم الانتظار أربع سنوات أخرى، كي يصعدوا مجدداً، ويخوضوا هذه الجولة من الهستيريا الرائعة.
هل دائماً كان كأس العالم كذلك؟ الشغوفون باللعبة يعرفون أكثر من الموسميين بالطبع. هؤلاء الذين يحفظون أسماء المدربين وخططهم وموقع كل لاعب في الملعب وربما سلسلة الأخطاء التي ارتكبها مدرب ما، في العام 1994 حين بدّل لاعباً بلاعب، أو ارتكب خطة لا ترتكب. هؤلاء سيكون لديهم مخزون من النقاشات يخوضونها بمتعة لا توصف خلال الأشهر المقبلة. العاديون يتذكرون الخاتمة، غرق جاك في التايتانك حين أهدر روبرتو باجيو ضربة الجزاء، أو "تشي" دييغو مارادونا وهو يسجل الهدف الثاني في انكلترا قبل ذلك بثماني أعوام، ويُحمل في النهائي كأس العالم، أو حتى الخسارة اللعنة الأبدية التي منيت بها البرازيل أمام ألمانيا. العاديون حتماً سيتذكرون هذا المونديال، لأنه كان أقرب إلى ما يتمنون منه أن يكون، مليئاً بأحداث لا تنسى، مثل كرتون الكابتن ماجد، مثل هدفي كيليان إمبابي في دقيقيتين، ثم هدف ميسي الثالث، ورد إمبابي عليه و.. ماذا؟ هل حقاً هذا ما يفوتهم لأنهم قرروا أنهم لا يهتمون بهذه اللعبة إلا مرة كل أربع سنوات؟ ما الذي في الخارج يستأهل الذهاب إليه بدلاً من البقاء والفرجة التي يقلق فيها الواحد على قلبه من الإصابة بذبحة، ومع ذلك يبقى مشدوداً حتى آخر نفس؟ أي سعادة بديلة تعطي ما يعطيه المونديال في هذا الشهر؟ السعادة المؤقتة الوهمية، لكن الخلّابة.
انتهى المونديال. ماذا الآن. ستملأ الكوكب حالة فراغ عاطفي. حالة خنقته قبل عامين فقط، حين ساده صمت عميق وخوف أعمق من فيروس كورونا. الآن، وبعدما ساحات مدن عن بكرة أبيها بصخب الناس، وأعلنت البشرية رسمياً أن زمن الرعب من الفيروس انقضى، ينتهي المونديال، ويفيق النيام، وكثير منهم، بينما ينظرون حولهم يفكرون، لو أنهم ينامون السنوات الأربع المقبلة، ويفيقون، فإذ بهم مجدداً في هذا القطار المجنون. ومن جديد..

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها