الأربعاء 2022/11/09

آخر تحديث: 10:32 (بيروت)

"كوب27" ومقايضات الغسيل الأخضر

الأربعاء 2022/11/09
"كوب27" ومقايضات الغسيل الأخضر
يمكن للناشطين التظاهر في شرم الشيخ المعزولة.. فيما تستمر الحملات الأمنية خارجها (غيتي)
increase حجم الخط decrease

باستضافة مدينة شرم الشيخ لفعاليات مؤتمر المناخ "كوب27"، يسعى النظام في مصر لاستعادة بعض من مكانة البلاد في ساحة الدبلوماسية الدولية. الحدث الكبير والتاريخي، لا يجتذب فقط عشرات من قادة الدول، ومئات من الجهات الحكومية والإقليمية ومؤسسات المجتمع المدني حول العالم، بل أيضاً على الأرجح سيختتم أعماله بعدد من الاتفاقات في ما يخص مستقبل الكوكب، والتي ستحمل اسم "شرم الشيخ" لوقت طويل بعدها، ليبقى اسم المدينة المصرية في لوائح الاتفاقيات وجولات المفاوضات، مرتبطاً بجهود مكافحة التغير المناخي والتضامن/التخاذل الدولي في سبيل ذلك. على مستوى محلي، يجد النظام في ذلك المهرجان الدبلوماسي، فرصة للدعاية الداخلية، وسط إخفاقاته على أكثر من مستوى وأزمة اقتصادية تتفاقم بمعدلات تبدو وقد خرجت عن السيطرة.

أنصار النظام يحتفون بخرائط الطيران الجوي المزدحمة فوق مطار شرم الشيخ، وصور تكدس المسافرين في قاعاته، دلالة انتعاش سياحي مقبل. أما الحكومة فلا تتوانى عن توظيف المناسبة للترويج السياحي الأخضر، فشرم الشيخ مدينة صديقة للبيئة بحسب الخطاب الحكومي، وهو الممكن تحقيقه بالطبع حين يتعلق الأمر بالمدينة المسورة والمحرّمة على معظم المصريين، وعلى حساب بقية المدن المصرية "غير السياحية" حيث تصل نسب التلوث، وبالأخص تلوث الهواء، لمستويات خطرة. لكن حتى دعاية التسويق الأخضر تلك، ومع أنها تخص مدينة بعينها، فهي لا تتجاوز الصّورية، فبعدما ثُبتت ألواح شمسية لتوليد الطاقة من أجل أعمدة الإنارة في المدينة، توقفت عن العمل سريعاً، والآن ما زالت ألواح الطاقة المتجددة منصوبة بشكل ديكوري فيما أعمدة الإنارة في الحقيقة موصولة بشبكة الكهرباء.

المزيد من الحركة الجوية، المزيد من السياح، تنشيط الزيارات للمحميات الطبيعية بوصفها "سياحة بيئية" هو على النقيض تماماً من أهداف "كوب 27" وما تمثله أجندة المناخ. إلا أن الحكومة المصرية المتعثرة لا تستطيع أن تفكر سوى تحت قدميها، وهي تواجه أزمة وراء أزمة، ولا يتجاوز أفق حلولها اقتصاد الخدمات البسيط والرخيص، المُعرّض دائماً لتأثير التقلبات الخارجية.

في المقابل، يستغل معارضو النظام والمنظمات الحقوقية، المؤتمر، للضغط على الحكومة المصرية بشأن سجلها المشين في مجال حقوق الإنسان، وتجد السلطة نفسها في حاجة لمقايضة صورية أخرى. فداخل المدينة المعزولة بشكل شبه كامل عن بقية البلاد، يمكن لأعضاء الوفود المشاركة التظاهُر، في مساحة بعينها وجدول زمني محدد وبالطبع بإخطار مسبق، أما في الخارج فحملة أمنية جديدة تضيف مئات لأعداد المحبوسين والمختفين قسرياً.

مثلها مثل الكثير من دول الجنوب، تواجه مصر المخاطر الأكبر والأكثر آنية جراء التغير المناخي. يتوقّع لارتفاعات درجات الحرارة المتوالية، أن تغرق أجزاء من الدلتا والمدن الساحلية المصرية في المدى المتوسط، بالإضافة إلى ازدياد رقعة التصحر والجفاف بمعدلات أسرع من اليوم. في  المدى الطويل، ربما تصل درجات الحرارة في الجنوب إلى مستويات غير صالحة للحياة. وبينما تواجه دول في المنطقة، وخصوصاً الدول الخليجية، تبعات أسرع وأكثر جذرية، فإن مصر لا تتمتع بالموارد الاقتصادية التي تتمتع بها تلك الدول النفطية من أجل التكيف مع آثار التغير المناخي، وحيث تظل الانبعاثات الكربونية المحلية في الحدود الآمنة، فيما تقع المسؤولية الأكبر على تلك الانبعاثات والضرر البيئي الواسع الذي لحق بالكوكب على عاتق دول الشمال والدول المهيمنة على إنتاج الوقود الأحفوري وأسواقه.

وبفعل هذا الاختلال في أوزار المسؤولية ومقادير الضرر، وتحت سقف طموحات منخفض بشأن مخرجات المؤتمر، فإن الدول الغنية، والمتقاعسة عن الوفاء بالتزاماتها السابقة، تقاوم مُطالَبات دول الجنوب بتعويضات الضرر والخسائر. ولا يبقى أمام دول مثل مصر، سوى القبول بمقايضات استعمارية جديدة، تتنازل بها عن حصتها من الانبعاثات الكربونية للدول الأكثر تلويثاً للبيئة، مقابل استثمارات وتسهيلات مالية وقروض للتكيف مع الاحتباس الحراري، لتستمر عملية تلويث البيئة على حساب الدول الأفقر، مرتين، مرة بحرمانها من حصتها الكربونية وتوسيع الفوارق العظيمة في التنمية ومستويات المعيشة، ومرة ثانية بتحملها القسط الأكبر من تبعات الكارثة البيئية.

هنا أيضاً لا تستطيع الحكومة المصرية سوى انتهاز فرصة المؤتمر للحصول على أكبر قدر من المكاسب قصيرة المدى، المتمثلة في تمويلات مشاريع خضراء واستثمارات بيئية، لسد نسبة ولو صغيرة من الفجوة التمويلية، وذلك من دون تجهز حقيقي لأزمة الاحتباس الحراري المصيرية، ولا حلول جذرية لعجز الموازنة العامة المتمادي في الاتساع. فيبدو وكأن مقايضة النظام في مصر، لا تتم بالحاضر لصالح المستقبل، ولا بالعكس، بل تقايض الاثنين معاً مقابل التشبث بالسلطة ليوم آخر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها