السبت 2022/11/05

آخر تحديث: 05:53 (بيروت)

الكاهانيون الجدد

السبت 2022/11/05
الكاهانيون الجدد
increase حجم الخط decrease

في أيار (مايو) العام الماضي، قاد النائب الإسرائيلي إيتمار بن غفير، المحسوب على التيار الكاهاني العنصري، حملة تحريض في القدس المحتلة تتجاوز النهج الإسرائيلي المعتاد، وهو انجاز مشاريع الاستيطان والتضييق على الفلسطينيين والتوسع "على نار خفيفة"، ومن دون إثارة الكثير من الضجيج على المستوى الدولي. حينها، بعد وقوع الاستفزازات وانطلاق الاحتجاجات، أبلغ قائد الشرطة الإسرائيلية كوبي شبتاي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن بن غفير وأنصاره "هم السبب" في أعمال العنف التي انتشرت الى مناطق عرب 48، ومن ثم الى قطاع غزة. لكن هذا السياسي الإسرائيلي الصاعد حينها رد بطلب اعفاء شبتاي من منصبه، ذاك أن الحل كان باستخدام الشرطة عنفاً للسيطرة على الوضع. لا حل سوى ذلك.

بالنسبة لنا في المنطقة، نجاح بن غفير يُمثل تهديداً نظراً لإيمانه وتنظيمه بأولوية "طرد" الفلسطينيين (ومن ضمنهم عرب 48)، وسط احتمال بأن يحصل على وزارة أساسية مثل الأمن، ما يجعله عملياً أوسع نفوذاً وقدرة. لكن، في المقابل، باتت الاعتداءات في القدس مُكلفة للاحتلال الإسرائيلي على مستويات مختلفة، بدءاً من الداخل، وانتهاء بتصدع شبكة العلاقات العربية والغربية، علاوة على احتمال اندلاع مواجهة عسكرية.

إلا أن الضرر الأكبر هنا يبقى على المستوى الداخلي، ذاك أن عودة نتنياهو مع كتلة يمين متطرف وازنة، تُعد بمثابة "انقلاب" بما أنها ستشمل تحولات في بنية الدولة. في مقابلات لصحيفة "يديعوت أحرونوت" مع مصادر في حزب الليكود، من الواضح أن الهدف الأساسي تصفية المحكمة العليا ومعها المؤسسة القضائية لمصلحة الكنيست، على أن يحصل ذلك سريعاً. وهذا كذلك من أهداف بن غفير ورفيقه بتسلئيل سموتريتش (زعيم الصهيونية الدينية). تعزيز سلطة الكنيست (نقل صلاحيات من المحكمة العليا للبرلمان) تُتيح لهذين السياسيين الصاعدين (ولديهما قاعدة تُطالب بالمزيد من التشدد) فرض قوانين تمييز أو ترحيل جديدة من دون أن تُواجه عقبات من المحكمة العليا.

في المقابلة عينها مع "يديعوت أحرونوت"، سأل الصحافي مصدره في الليكود "ما يمنع الائتلاف من تمرير تشريعات صادمة لناحية التمييز"، فأجابه "هل تقصد رمي العرب جميعاً (خارج إسرائيل)؟"، ثم تابع أن "في بلد يُمرر فيه مثل هذا القانون، ليس بإمكان المحكمة العليا المساعدة بعده، وعليك أن تثق بالكنيست من الآن فصاعداً وليس بقضاة لم يختارهم أحد". في حال إقرار هذه التعديلات، يكسب نتنياهو قدرة على التحكم بمسار تحقيقات الفساد بحقه، في مقابل تنازلات لمصلحة الكتلة الكاهانية.

طبعاً مثل هذا الكلام يرد اليوم غالباً على ألسنة أي ائتلاف يميني حاكم (ومن ضمنهم بعض القادة الأوروبيين)، بما أن القضاء يضع بعض العراقيل أمام تنفيذ أجندات تُخالف روحية النصوص الدستورية والقوانين، فيما التوجه الأساسي لدى النخبة الإسرائيلية هو نسخ سياسات الاحتلال مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، الى الداخل بعناوين مختلفة (بحق فلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية).

لكن لهذه التركيبة الشعبوية أيضاً وجهاً آخر سلبي الطابع، عبّر عنه الوزير السابق أفيغدور ليبرمان في تصريح نقلته الصحيفة ذاتها، ونصح فيه موظفين في المالية الإسرائيلية بأن يعيدوا ساعاتهم للوراء ألفي سنة، لأنها وجهة هذا الائتلاف الحكومي. التشدد الديني والسياسي لا يُوفر وزراء محترفين، ولا يضع سياسيات محترفة. 

ومثل هذا الدور، وإن كان يعيد نتنياهو للسلطة موقتاً، ستكون له تبعات مستقبلية على شعبيته مع تراكم التوقعات بالفشل وكذلك بضغوط أميركية محتملة عليه، على غرار ما حصل في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وقد يدفع أي فشل في الحكم والاقتصاد، وما يُخلفه من ضغوط داخلية، ائتلاف نتنياهو باتجاه الهروب للأمام من خلال مواجهات عسكرية، والمزيد من التوتر في الداخل ومع الإقليم، وهذه من اختصاصات بن غفير وشركائه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها