السبت 2022/11/26

آخر تحديث: 06:58 (بيروت)

أردوغان يستثمر في ضعف بوتين

السبت 2022/11/26
أردوغان يستثمر في ضعف بوتين
increase حجم الخط decrease

يرى بعض المحللين السياسيين  أن أردوغان لم يكن ليقدم على عمليته العسكرية الأخيرة دون إخطار "صديقه" الروسي واتهامه بالتقصير، لو لم يكن على قناعة بأن بوتين أصبح قليل الحيلة. لكن أردوغان بدأ قصف شمال العراق وسوريا دون إخطار بايدن وبوتين بعمليته، وأعلن عن التحضير لعملية برية في الشمال السوري تلي القصف الحالي الذي يتوقع بعض الخبراء أن ينتهي أواخر العام الحالي، من دون أن يلتفت إلى الإعتراضات الأميركية والروسية الصريحة والجدية على مثل هذه العملية. فقد سبق الإعتراض الروسي على العملية البرية التركية المحتملة مثيله الأميركي، حين أعلن الممثل الخاص للرئيس الروسي في سوريا ألكسندر لافرنتيف على هامش إجتماع منصة أستانة الأخير أن التحركات التركية قد تؤدي إلى تصعيد العنف، وأعرب عن أمله في أن تجد أنقرة "وسائل أخرى لحل الأزمة". 

الإعتراض الأميركي الأخير جاء في التصريح المكتوب الذي وزعه في 23 الجاري مدير المكتب الصحافي في البنتاغون الجنرال باتريك رايدر، حيث رأى أن القصف التركي للشمال السوري في إطار عملية "المخلب ــــــ السيف" يمثل تهديداً لأمن العسكريين الأميركيين، وتفاقم الوضع في شمال سوريا والعراق يعرض للخطر سنوات من التقدم في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي. 

كما وزع في اليوم عينه الناطق الصحافي بإسم الخارجية الأميركية نيد برايس بياناً مكتوباً دعا فيه إلى "خفض التصعيد الفوري في شمال سوريا"، وأعرب عن "القلق الأميركي العميق" من العمليات العسكرية الأخيرة التي تزعزع الوضع، وتهدد "هدفنا المشترك" في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، وتعرض للخطر السكان المدنيين والعسكريين الأميركيين. وأضاف برايس بأن الولايات المتحدة تتفهم مخاوف تركيا المشروعة بشأن أمنها حيال الإرهاب، لكنه أعرب عن القلق العميق "الذي رددناه بانتظام"  بشأن عواقب التصعيد في سوريا على القتال ضد الدولة الإسلامية، وعلى سلامة المدنيين على جانبي الحدود. 

روسيا تعترض على العمليات العسكرية التركية، وتلوم أردوغان لإتهامها بعدم تنفيذ تفاهمات 2019، وتواصل التعبير عن رغبتها المزمنة في خروج تركيا من حلف الناتو. فقد نقلت وكالة الأنباء الإلكترونية الروسية riafan عن المؤرخ التركي محمد بيرينجيك قوله لوكالة نوفوستي أن الوقت مناسب لطرح مسألة خروج تركيا من حلف الناتو بعد إنفجار إسطنبول. ونقلت الوكالة في 16 الجاري عن نوفوستي قول المؤرخ بأن الولايات المتحدة تقف وراء الإنفجار في إسطنبول. إضافة إلى إتهام الولايات المتحدة بالوقوف وراء الإنفجار، قال المؤرخ بأنها تدعم علناً حزب العمال الكردستاني الإرهابي PKK. ويقول بأن واشنطن تخصص ميزانية للحزب، وهو ما يعتبره دليلاً لا شك فيه على أن الأميركيين يقومون بتدريب مقاتلي الحزب. 

ويقول المؤرخ أن الولايات المتحدة تهدد الأتراك في شرق المتوسط أيضاً، وتحاول كسر شوكة أنقرة بواسطة الأعمال الإرهابية. ويرى أن تركيا لا تستطيع القضاء على هذه التهديدات وهي في منظومة الناتو. ويعتقد أن خروج تركيا من الناتو مسألة ملحة الآن وتربط بأمنها. 

هيئة تحرير صحيفة NG الروسية نشرت في 23 الجاري نصاً بعنوان  "حول العملية الخاصة التركية والمثال الروسي"، وأردفته بآخر ثانوي "الأعمال الروسية عجلت في التفكيك الفعلي لمنظومة الموازين وقوى التوازن". قالت هيئة التحرير أن الرئيس التركي أعلن بأنه سيقضي على التهديد الذي تشكله التنظيمات الكردية المسلحة، ولا يجروء أحد على الوقوف بوجه بلاده وهي تحارب الإرهاب. وأشارت إلى أن الزعيم التركي برر العملية الخاصة الجديدة بالقول أن روسيا "لم تنفذ وترفض تنفيذ تعهدها بتنظيف شمال سوريا والعراق من الإرهابيين". والحديث يدور حتى الآن عن الضربات الجوية وإستخدام المدفعية، لكن أردوغان لم يستبعد إستخدام القوات البرية أيضاً. 

تقول هيئة التحرير أن العملية الخاصة التركية هي رد على التفجير في إسطنبول منذ مدة قريبة. وترى أن تركيا لم تكن حليفاً لروسيا في الأشهر الأخيرة، لكنها بقيت، وهو أمر ليس قليل الأهمية، الطرف الذي لا يفرض عقوبات، مسترشداً بمصالحه الخاصة فقط. وعلى الأرجح أن العلاقات الروسية التركية ستستمر لأن موسكو وأنقرة تخطتا خلافات أكثر عمقاً في الماضي القريب. لكن أردوغان يعرف بالتأكيد متى وبأي شكل يمكنه الكشف عن مطالبه من روسيا، ويبدو أن الوقت ملائم لذلك الآن. 

وترى هيئة التحرير أن الزعيم التركي يستفيد من برودة العلاقات الروسية مع الغرب لزيادة نفوذه، وطموحاته يعرفها الجميع جيداً. فهو يروج باستمرار لأفكار "العالم التركي"، تركيا دولة إقليمية قوية، لاعب ذو أهمية في البحر المتوسط والشرق الأوسط والقفقاز وآسيا الوسطى، وعلى نطاق أوسع في العالم الإسلامي. وهو مستعد للدفاع عن هذه المكانة والمصالح التي يعلنها بكافة الوسائل، بما فيها العسكرية، ولم يخف ذلك قط. وعلى كافة الأطراف أن تعرف وزن من تعزز، وهي تقبل بدور الرئيس التركي كوسيط في مختلف العمليات، من المفاوضات بين موسكو وكييف إلى "صفقة الحبوب". 

لم توضح هيئة التحرير لماذا تسمي القصف التركي على الشمال السوري والعراقي "العملية التركية الخاصة"، لكنها تقارن في نصها القصف التركي مع "العملية العسكرية الخاصة" الروسية، وتفادت بذلك  (وهي الصحيفة الموالية، بالرغم من تسميتها "الصحيفة المستقلة")، ذكر كلمة "حرب" وإدراجها على قائمة "عميل أجنبي. وتتساءل هيئة التحرير ما إن كان أردوغان بحاجة ليشعر بثقة أكثر في النفس لكي يلجأ إلى استخدام القوة في سوريا والعراق، وتجيب بالإيجاب هي نفسها عن تساؤلها. وأتاح لها هذا التساؤل "المتواضع" فتح النار على الناتو ومعاييره المزدوجة في إدانة إستخدام القوة حين يتعلق الأمر بأحد أعدائه ــــ روسيا الآن، والإمتناع عن ذلك حين يتعلق بأحد أعضائه ـــــ تركيا.

موقع قناة التلفزة الأميركية currenttime التي  تبث من براغ، نشر في 22 الجاري نصاً بعنوان ""روسيا ضعيفة". هل ينشب صراع جديد بين بوتين وأردوغان". طرح الموقع على رئيس تحرير أسبوعية Poistne الروسية البوليتولوغ التتري رسلان آيسين السؤال ما إن كان ينضج صراع جديد بين بوتين وأردوغان. قال رسلان بأنه يعتقد بأن إتجاهاً جديداً من الصراع بين الزعيمين ينضج بشكل أو بآخر، وذلك لأنه كان يجري تأجيل كل حلول التناقضات بين روسيا وتركيا: من منطقة البحر الأسود إلى سوريا والعراق وليبيا، وإلى أوكرانيا. وبالنسبة لتركيا حان الوقت الآن، حيث شعر أردوغان أن بوتين قد ضعف،  ولن يكون بوسعه  الرد كما فعل في العام 2015 وحتى في العامين 2016 ــــــ 2017، حين كانت هناك اشتباكات حقيقية بين أنصار روسيا وتركيا، وحتى بين التشكيلات المسلحة الرسمية للطرفين.

ويرى رسلان أن أردوغان يعالج الآن مشكلة بالغة الأهمية بالنسبة له ــــــ مشكلة الأكراد السوريين. معظم الكرد الأتراك متدينون، وغالبيتهم من أنصار الحزب الحاكم في تركيا، ولذلك يعتقد بأن أردوغان سوف يمارس الضغط على بوتين، ومن غير المحتمل أن يتمكن بوتين من الرد بشيء ما جدي. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها