الأربعاء 2022/11/02

آخر تحديث: 11:26 (بيروت)

إنتخابات أميركا:ديموقراطية في خطر

الأربعاء 2022/11/02
إنتخابات أميركا:ديموقراطية في خطر
increase حجم الخط decrease

تجري بعد أقل من أسبوع، بالتحديد يوم الثلاثاء في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، انتخابات تشريعية وإقليمية في الولايات المتحدة ألأميركية يفترض أنها أهم انتخابات تشهدها البلاد بعد الحرب الأهلية قبل أكثر من 162 سنة. لن تحسم هذه الدورة الإقتراعية مصير الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ المهمين جدًا في تسيير أمور الدولة فقط، وانما قد تؤدي في السياق الراهن الى دق أكبر اسفين في أساس الديمقراطية إذا تمكن أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب الرافض للإعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، من الفوز بمناصب حساسة في الولايات غير محسومة الولاء. هذا الفوز يعني في نظر الديمقراطيين وجزء من الجمهوريين أن الديمقراطية نفسها، كأساس للحكم، في خطر.

يقوم النظام السياسي الأميركي كما هو معروف على أساس الثنائية الحزبية، ما يعني أن كل التلاوين العقيدية ينبغي أن تنضوي تحت رايتين؛ الليبراليون يمثلهم الحزب الديمقراطي ـ والمحافظون يمثلهم الحزب الجمهوري، ليس بين هذين الفريقين من احتمال ثالث يمكنه أن يغير المعادلة التي طالما تباهى أنصارها بقدرتها على تأمين استقرار سياسي تفتقده النظم القائمة على الأغلبية البرلمانية التي تطيحها إنقلابات المزاج بين التحالفات الحاكمة كما في المانيا وإسرائيل مثلًا أو داخل الإئتلاف نفسه كما في بريطانيا وأستراليا وكندا التي تواجه فجأة تعيير السلطة التنفيذية أو الدعوة الى انتخابات مبكرة عند فقدان الثقة بالطاقم الحاكم أو برأسه.

لم تشهد أميركا منذ استقلالها عام 1776، بإستثناء الحرب الأهلية (1860-1864) تهديدًا جديًا لنظامها السياسي حتى اليوم، أو بالأحرى منذ وصول ترامب الى الرئاسة عام 2016. تواجه أميركا الآن سؤالًا مصيريًا واضحًا؛ هل هي أمينة لمبادئ إعلان الإستقلال ومن بعده الدستور، أم أنها ستنكص على اعقابها العنصرية وتذهب مذهب أوروبا قبل مئة سنة وتجنح الى الفاشية والهندسة الاجتماعية والإنعزال بدل التعددية والديمقراطية والإنفتاح. لو كان السؤال مطروحًا على لجنة مركزية أو مكتب سياسي أو حاكم مستبد لكان الجواب بسيطًا، لكن عندما يكون الجواب في صناديق الإقتراع، لا بد من شيء من التوجس والخوف. بنيتو موسوليني وصل الى الحكم بأصوات الإيطاليين في انتخابات حرة، وأدولف هتلر وصل الى الحكم بأصوات الألمان في انتخابات حرة. في الحالتين كانت تلك الانتخابات هي الأخيرة بعدهما والباقي في سجلات التاريخ، وهذا ما يحاول الحريصون على مستقبل الديمقراطية في أميركا تفاديه.

صحيح أن ترامب ليس على أية لائحة انتخابية في هذه الدورة التي ستختار كل أعضاء مجلس النواب الفدرالي و34 من أصل 100 عضو في مجلس الشيوخ، لكن الخطر الأكبر لمناصريه الرافضين لأصول اللعبة الديمقراطية يكمن في انتخابات الولايات التي تخوض 36 منها انتخاباتها العامة التي تختار فيها الحكّام وأمناء السر (بمثابة وزراء الداخلية) والمدعين العامين (بمثابة وزراء العدل) والمناصب الإدارية الأخرى ومعظمها له علاقة بتسجيل أو احتساب الناخبين وإعلان نتائج الانتخابات المنوطة دستوريًا بسلطات الولايات حتى الانتخابات الرئاسية التي لا يزال ترامب يرفض الإعتراف بنتائجها.

تشير الإحصاءات المعتمدة منذ أكثر من 60 سنة، الى أن حزب أي رئيس يخسر في الدورة النصفية الألى من الانتخابات التي تجري بعد فوزه الأغلبية في مجلس الشيوخ وحوالي 26 مقعدًا في مجلس النواب. يعني هذا عمليًا أن على الرئيس أن يواجه بعد سنتين من انتخابه سلطة تشريعية معارضة له. لم يشذ عن هذا السياق سوى جورج بوش الإبن في انتخابات 2002، بعد الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من أيلول 2001 التي وضعت أميركا على سكة تعبوية وحربجية استثنائية. هل يعني هذا أن إدارة جوزيف بايدن ستواجه العام المقبل، عند انعقاد الدور التشريعي الجديد، عداء الكونغرس بمجلسيه، خصوصًا وأن الجمهوريين يحتاجون الى إكتساب أربعة مقاعد نيابية فقط؟ الجواب ليس محسومًا حتى في الأيام القليلة الفاصلة عند موعد الإقتراع.

يراهن الجمهوريون على المعطى المعيشي للفوز حيث معدلات التضخم الاقتصادي مرتفعة وأسعار الوقود والمواد الغذائية تؤلب الناخبين ضد الإدارة الحالية، كما يراهنون على السلوك التقليدي للناخبين الذين يحلو لمحترفي العلوم السياسية أن يقولوا أنهم يبغون، عن قصد، موازنة السلطة التنفيذية بسلطة تشريعية معارضة تحاسبها. لكن للديمقراطيين والليبراليين رأي آخر مفاده أن الخوف على الديمقراطية أولًا، وإنجازات إدارة بايدن في فترة وجيزة ثانيًا، ما يمكن اعتباره كعنصر لاغٍ للتقليد، وبالتالي يمكن للديمقراطيين أن يحتفظوا بكلا المجلسين في الكونغرس.

يبدو هذا السيناريو، من وجهة نظر استطلاعات الرأي، بعيد المنال. لكن استطلاعات الرأي منذ العام 2016 موضع تشكيك حين لم يتوقع أحد فوز ترامب الذي أصبح رئيسًا ولم يزل، بعد خسارته التي لم يعترف بها، أهم شخصية سياسية في المشهد الأميركي. يتنازع استطلاعات الرأي الراهنة اتجاهان؛ ألأول يتوقع احتفاظ الديمقراطيين بالأغلبية في مجلس الشيوخ فقط، والثاني والأكثر تفاؤلًا يتوقع الإحتفاظ الكونغرس ككل. يعود السبب في هذين التوقعين غير المتوائمين مع النتائج القديمة الى قرار المحكمة الدستورية العليا في حزيران الماضي برفع الحماية الدستورية المستندة الى مبدأ الحرية الشخصية عن حق الإجهاض الذي كان مضمونًا بقرار من المحكمة نفسها منذ العام 1973. هذا يعني أن صوت النساء الحاسم سيصب لمصلحة الديمقراطيين كما حصل في ولاية كنساس المحافظة التي رفض ناخبوها منع الإجهاض بأكثرية واضحة العام الماضي.

بين أسعار البنزين والسلع وبين مصير الديمقراطية نفسها، والتي لم يجد الديمقراطيون تجسيدًا رمزيًا سهلًا لها، تخوض أميركا انتخابات مصيرية تتراوح نتائجها المحتملة بين إيطاليا التي اختارت جورجيا مولوني الأكثر فاشية منذ بينيتو موسوليني، وبين البرازيل التي تخلت عن استبداد جايير بولسونارو وأعادت الى الرئاسة لولا دي سيلفا الذي هزم التحامل اليميني عليه والذي أدخله الجن لسنتين بتهم فساد تبين قضائيًا أنها كيدية يمينية. هل تتكرر تلك المعجزة في أميركا؟ لننتظر.

  

      

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها