الأحد 2022/11/20

آخر تحديث: 07:30 (بيروت)

الاستقرار لا المغامرة.. حقبة نتنياهو الخامسة

الأحد 2022/11/20
الاستقرار لا المغامرة.. حقبة نتنياهو الخامسة
لترسيخ صورته كأحد ملوك إسرائيل، إلى جانب هرتزل وبن غوريون ودايان (غيتي)
increase حجم الخط decrease
تنوعت التوقعات حول السياسات التي سينتهجها رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في حقبته الخامسة التي يحتمل أن تستمر أربع سنوات مقبلة بفضل التحالف الذي يقوده. ويبرز من الاحتمالات ما يفيد بإمكانية شنه حرباً على إيران، وهي مغامرة كبيرة، ليس من المرجح أن يعمد إليها السياسي المخضرم المعروف بتقلبه. إذ، على الرغم مما يبدو عليه تحالفه من ثبات، إلا أنه يقع في مشهد إسرائيلي غير مستقر ومبني على توازنات دقيقة غير قابلة للعبث، والأقرب إلى البداهة هو أن ينتهج سياسات واقعية ترسخ نهائياً صورته كأحد ملوك إسرائيل إلى جانب الصفوة المختارة من آباء هذا الكيان مثل هرتزل وبن غوريون ودايان وغيرهم.

يستخدم نتنياهو كافة الأوراق المتاحة لإبقاء نفسه في مركز السلطة، بل ويرتكب المخالفات التي جعلته أمام سلسلة كبيرة من المحاكمات التي لم تنته بعد، بتُهم الفساد. وواجه انشقاقات في حزبه، وخاض مواجهات متقطعة مع غزة. لكن العداء لإيران وهواجس الأمن القومي التي تثيرها قنبلتها النووية، بقيت على الدوام أكثر أوراقه الانتخابية ثقلاً، وقد ضخمها مراراً وهدد بشن حرب واسعة النطاق في السابق، لكنه لم يفعل. وبدلاً من ذلك، استثمر كما بقية زملائه في القيادات الإسرائيلية الأخرى، في "الحملة بين الحروب"، التي يرى الجميع أنها الأنسب للتعامل مع الخطر الإيراني، وذلك عبر استنزافه في سوريا على وجه التحديد، وانتظار انهياره في الداخل، وهو الاحتمال الذي ترتفع مؤشراته ببطء، لكن بشكل مضطرد.

بدلاً من مواجهة عدو خارجي بحرب غير مضمونة النتائج، ستواجه النخبة الإسرائيلية تحدي إعادة التوازن إلى الحياة السياسية. فالحكومة الحالية هي الخامسة في أربع سنوات، وقد انتزعها الليكود وحلفاؤه من بين أيدي أوسع تحالف عرفته إسرائيل، مرّ بكافة الأطياف الأيديولوجية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، متضمناً إسلاميين عرباً للمرة الأولى، في محاولة لإيجاد إجماع انهار أخيراً على وقع الصراعات الداخلية. إن هذه التقلبات العنيفة في مراكز القوة، وانتقالها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لا تمنح أي قيادة سياسية الثقة اللازمة بالنفس للتحليق بعيداً في مشاريعها، وسترغم الخلافات أي فريق سياسي على التزام الحذر وعدم التهور.

لدى نتنياهو أيضاً مجال بديل للمناورة في ميدان العلاقات الإقليمية، أو بعبارة أخرى لديه فرصة للتقدم في ملف التطبيع مع الدول العربية. ويثير في الإعلام دائماً ما يشي بأن عينه على المملكة العربية السعودية كهدف استراتيجي تالٍ في هذا المسار الذي عبر بقيادته حتى الآن في محطات الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. لكن التطبيع مع السعودية يقتضي تنازلات ثقيلة في الملف الفلسطيني، ربما لا يحتملها تحالفه القائم على أحزاب يمينية تضغط لتوسيع دوائر الاستيطان وقضم المزيد من أراضي الضفة العربية.

تمثل العلاقات مع تركيا أيضاً شاغلاً رئيسياً لنتنياهو في حقبته الخامسة، ويبدو أنه اختار منذ الآن التهدئة مع هذا الجار القوي، وعدم إثارة المشاكل معه نظراً لنفوذ أنقرة في عموم المنطقة وخصوصاً في الجوار السوري، ولمكانتها أيضاً في التوازن الإقليمي مع إيران.

لا يمكن لنتنياهو أيضاً أن يتجاهل رؤية البيت الأبيض وسياساته ومصالحه، خصوصاً مع الرئاسة الديموقراطية التي خاض جولات سابقة من الصراع معها، لا سيما في الملف النووي الإيراني الذي تعتقد الإدارات الديموقراطية، ومنها إدارة بايدن، أن في الإمكان حلّه عبر التفاوض، وترفض أي تصعيد أحادي من طرف تل أبيب.

إن العامل الوحيد الذي يمكن أن يجر الحكومة الإسرائيلية الجديدة إلى سياسة عنيفة خارجياً، هو اقتراب إيران من حيازة قنبلة نووية، من دون أن تتخذ الولايات المتحدة إجراء فورياً، وهو أمر تراقبه تل أبيب بيقظة شديدة، ولا يبدو أنه وشيك الوقوع رغم الاستثمار الإعلامي لنتنياهو فيه قبيل الانتخابات. والأرجح أنه سيستمر في اتخاذه ذريعة لاستمرار الضغط على طهران، وللضربات الجوية للمليشيات الإيرانية في سوريا، واستمرار تطوير قدرات الجيش الإسرائيلي، لكن ليس أكثر من ذلك.

يحتاج نتنياهو السبعيني إلى الهدوء والواقعية، وتبريد الملفات الداخلية المتأججة. فالمعارك والصراعات تحف بمعسكره وتقبع في داخله، والحياة السياسية الإسرائيلية مثقلة بالإشكاليات العويصة والمعقدة، وكلها ستجعله بمنأى عن اتخاذ قرار حرب ما، خصوصاً ضد ايران، حتى لو استمر بالتهديد بها. وسيلتفت غالباً للعمل على قضايا أكثر إنتاجية، تجعل من فترة حكمه التي قد تكون الأخيرة، تتويجاً لمساره السياسي الذي منح إسرائيل مكانة لم تبلغها قط في تاريخها القصير، من دون أن يخوض حرباً كبيرة واحدة كما فعل آباء ذلك الكيان من أسلافه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها