أكثر الموضوعات التي تركز عليها إهتمام الإعلام الروسي في الإنتخابات الأميركية الأخيرة، كان موضوع المساعدات الأميركية لأوكرانيا، حيث إعتبر أن المعسكرين الأميركيين المتصارعان متوافقان على السير قدماً في المواجهة مع روسيا. وكان الناطق بإسم الكرملين قد أعلن بأن روسيا اعتادت على الوضع السيء لهذه العلاقات، لدرجة "أننا لم نعد نلاحظها". لم يكن المسؤول في الكرملين يقلل من أهمية الإنتخابات بذاتها، بل قال بأنهم يحللون المعلومات الواردة عنها، إلا أنه لن يكون لنتائجها أثر في المديين القريب والمتوسط على العلاقات الروسية الأميركية، برأيه.
في تحليل لوكالة تاس نشرته يوم الإنتخابات، قال كاتب النص بأن نتائج الإنتخابات ستترك تأثيرها على سلوك االبيت الأبيض حيال الدول الأخرى، لكن ليس حيال روسيا، حيث يتفق رأي الحزبين بشأنها. ويشتبه بالرئيس بايدن بأنه يتعمد تخفيض اسعار النفط، وذلك بتقديم تنازلات لكل من إيران وفنزويلا. لكن إذا أصبح الكونغرس بيد الجمهوريين، فمن المستبعد أن يتمكن بايدن من تحقيق ما يسعى إليه.
ويرى الكاتب أن البيت الأبيض، وفي سعيه للتوافق مع إيران وفنزويلا، يهدف لتخفيض أسعار النفط بغية إيذاء روسيا إقتصادياً. ومع أن هذه المحاولة لم تنجح، إلا أنها أثارت حذر الناخبين الأميركيين من أنصار التشدد حيال "البلدان غير الصديقة"، وليس حيال روسيا فقط. وتصر الطائفة الإنجيلية المؤثرة، والتي يقارب حجمها 90 مليون أميركي، على عدم تقديم أية تنازلات لإيران "تحت أي ظرف" . وهي أوصلت إلى السلطة العام 2016 دونالد ترامب الذي انسحب من "الصفقة الإيرانية" العام 2018 وفرض على إيران عقوبات قاسية.
ويعتبر الكاتب أن ترامب والإنجيليين المؤيدين لسلوكه حيال إيران، كانوا يستهدفون الدفاع عن إسرائيل ضد التهديدات الإيرانية. وإيران متهمة بالسعي لإنتاج قنبلة نووية لتهديد إسرائيل وزعزعة أمنها على يد حماس وحزب الله ومنظمة "الجهاد" الفلسطينية. واللهجة التصالحية التي اعتمدها بايدن في المفاوضات مع الإيرانيين ليست مقبولة من قبل الإنجيليين.
ويقول الكاتب أن ديانة الإنجيليين تفرد موقعاً خاصاً للشعب اليهودي، وتعتبر أن عودتهم إلى فلسطين ليست فقط تنفيذاً لإرادة إلهية، بل إحدى المهام الرئيسية للولايات المتحدة في سياستها الخارجية. والسعي لوقف السياسة "الضعيفة" والمهادنة والدفاع عن إسرائيل، يشكلان أحد الدوافع الرئيسية للمؤمنين الأميركيين للتوجه إلى صناديق الإقتراع وإنتخاب الجمهوريين حتى لو كان برنامجهم ليس مقنعاً كلياً بالنسبة لهم.
مطلع الجاري، وفي مقابلة حول الإنتخابات الأميركية مع صحيفة ukraina التي تعبر عن النهج الرسمي الروسي وتأسست العام 2014، تساءل مدير المجلس الروسي للعلاقات الدولية RIAC أندريه كارتونوف عما يمنع بايدن "عملياً" من الإتفاق مع بوتين بشأن أوكرانيا. توقع الرجل فوز الجمهوريين في مجلسي الكونغرس، وقال بأن مثل هذا الوضع طبيعي في أول إنتخابات جزئية في عهد كل رئيس أميركي جديد. وحتى لو أصبح مجلس النواب فقط بيد الجمهوريين، سيكون من الصعب على الرئيس إتخاذ القرارات المهمة، بما فيها المالية، وقد يتعين عليه إستخدام حق الفيتو.
لم ير أي تغيير جدي يمكن أن يطرأ على الموقف الأميركي من أوكرانيا، وذلك بسبب التوافق الموجود بين الحزبين في هذا الشأن. والعديد من القرارات المهمة بشأن المساعدات لأوكرانيا في السنة القادمة، سوف يقرها المجلس بتركبيته الحالية التي يتمتع فيها الديموقراطيون بالأغلبية. وجميع التغييرات الممكنة بشأن طبيعة وحجم المساعدة المالية لأوكرانيا، والتي إن كانت ستطرأ، فسوف تكون في خريف العام 2024.
ويقول كارتونوف أن الجمهوريين يطرحون مسألة إعادة توزيع المسؤوليات بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين في الناتو، وذلك لكي تتحمل أوروبا التزامات أكثر بشأن مساعدة أوكرانيا. ويعتقد أن الجمهوريين سوف يولون إهتماماً أكبر للمشاكل الداخلية الموجودة الآن في الولايات المتحدة، مما يعني أن الأجندة الخارجية لإدارة بايدن، بما فيها أوكرانيا، سوف تتراجع قليلاً إلى الوراء.
نفى الرجل وجود أية فرصة لعقد مفاوضات بشأن السلام في أوكرانيا "قبل الإنتخابات" وبالشروط الروسية، وقال بأنه ليس هناك ما يحفز الإدارة الأميركية على تغيير موقفها. وعلى إفتراض أن بايدن على إستعداد للتوصل إلى توافق مع موسكو، سوف يستغل الجمهوريون ذلك على الفور لإتهامه بالضعف وتقديم تنازلات غير مبررة للرئيس الروسي. وإذا كانت ستطرأ تغييرات ما تكتيكية وظرفية وبحث عن توافق، فلن تطرأ قبل 8 الجاري بعد إنتهاء إنتخابات مجلس الشيوخ.
ولدى سؤاله عن مستقبل العلاقات الروسية الأميركية، وفي ظل أية ظروف يمكن أن ينخفض التوتر بين البلدين، قال كارتونوف بأن ليس من ظروف مؤاتية لذلك الآن، سيما وأن ليس من سفير أميركي في موسكو، وليس من الواضح متى ستتم الموافقة على السفيرة وتصل إلى هناك. لكن هذا لايعني أن ليس بوسع موسكو وواشنطن القيام بشيء، بل ما بوسعهما القيام به هو إستعادة الحوار حول المسألة النووية وتجديد التواصل بين وزارتي الخارجية. فالطرفان معنيان بتخفيض مخاطر الصدام العسكري المباشر، والذي يمكن أن يتحول إلى صدام نووي في الظروف السيئة.
موقع المجمع الإعلامي الكبير RBK نشر قبل الإنتخابات بأيام نصاً بعنوان "الإنتخابات في الولايات المتحدة. على ماذا يمكن أن يؤثر "الكونغرس الأحمر"". ونقل الموقع عن بروفسور في العلاقات الدولية في جامعة هاملتون قوله أن المرشحين الجمهوريين الخاسرين في عدة مناطق إنتخابية سيرفضون الخضوع للأمر الواقع، وسيضعون البلاد في حال من الغموض ويرفعون إحتمال عدم الإستقرار السياسي الشامل وحتى العنف. والإنتصارات المتوقعة للمرشحين الجمهوريين في الإنتخابات، سوف تتيح للحزب إمكانية الإشراف على عمليات الإقتراع ونتائجه في سائر البلاد، بغض النظر عن النتيجة، ويهيئون بذلك إحتمال المزيد من عدم الإستقرار في الإنتخابات الرئاسية العام 2024.
يقول الموقع أنه في حال سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، سوف يلجأ بايدن إلى إستخدام حق الفيتو للحؤول دون تنفيذ المبادرات الأكثر رجعية التي يمكن أن يتخذها الجمهوريون. وسيتركز عمل الكونغرس على المسائل الإقتصادية والدينية وقضايا الهجرة والجريمة. كما ليس من المستبعد تشديد التشريع ضد الإجهاض الذي أصدر الديموقراطيون قانوناً بحظره، بعد أن كانوا يتداولون في الحزب بفكرة حظره بعد الأسبوع الخامس عشر.
سيطرة الجمهوريين المحتملة على مجلس الشيوخ تسمح لهم برفض ترشيحات بايدن للقضاة، بمن فيهم قضاة المحكمة العليا، والضغط على البيت الأبيض لتعيين أشخاص أكثر ولاء لهم. كما تسمح لهم بالإشراف على اللجان ووقف عمل اللجنة المكلفة بالتحقيق بتورط الرئيس السابق ترامب في محاولة الإستيلاء على الكابيتول. وكان الجمهوريون قد صرحوا بإمكانية المبادرة إلى التحقيق في علاقات إبن الرئيس هانتر بايدن وتصويرها بأنها "تهديد للأمن القومي"، مما يعرض للخطر إمكانية إعادة إنتخاب بايدن لرئاسة ثانية.
وبشأن تأثير سيطرة الجمهوريين على الكونغرس على الصراع مع روسيا ودعم أوكرانيا، ينقل الموقع عن رئيس تحرير الدورية الروسية "روسيا في الحياة الدولية" قوله بأنه لن يكون له أي تأثير. فثمة توافق بين الحزبين بشأن روسيا، " ولا يلاحظ وجود أصوات معتدلة ولو بالحد الأدنى وسط الحزب الجمهوري". ويقول الرجل أن اصواتاً ترتفع في الحزب الجمهوري تعتبر أنه تم تحويل مبالغ مالية وموارد فائضة لأوكرانيا، وتشكك في فعالية إستخدامها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها