الخميس 2022/10/06

آخر تحديث: 18:13 (بيروت)

ردّ من المجلس العسكري السوري.. والكاتب يردّ على الردّ

الخميس 2022/10/06
ردّ من المجلس العسكري السوري.. والكاتب يردّ على الردّ
مقاتل في الجيش السوري الحر، خلال اشتباكات عنيفة مع جيش النظام، في مدينة حلب القديمة العام 2015 (غيتي)
increase حجم الخط decrease
جاءنا، من العقيد الطيار أديب عليوي، ردّ على مقال نشره الكاتب عبد الناصر العايد في "المدن" تحت عنوان "عن وَهم اسمه المجلس العسكري السوري". وكتب عليوي:

نشرت صحيفة المدن، بتاريخ الأول من شهر تشرين الأول الجاري، مقالاً للسيد عبد الناصر العايد بعنوان "عن وهم اسمه المجلس العسكري"، يتحدث فيه عن حقيقة المجلس العسكري السوري الذي بدأت وسائل الإعلام بالحديث عنه هنا وهناك، بل ربما كان الدافع الأكبر لمقالة السيد عبد الناصر هي المقابلة التي أجرتها صحيفة "القدس العربي" قبل أيام قليلة مع المقدم أحمد القناطري الناطق بلسان المجلس العسكري.

ولعلها كانت مبادرةً طيبة من جانب الكاتب عبد الناصر العايد، حين يسلّط الضوء على ظاهرة ما، بالنقد والتمحيص، متقصياً الحقائق بموضوعية، وذلك بعيداً من ماهيّة الأحكام التي يخلص إليها، سواء أكانت سلبية أم إيجابية. بل ربما كان السيد عبد الناصر مطالَباً أكثر من غيره بالتسلّح بالموضوعية والدقة والنزاهة وتحرّي المصداقية في ما يكتب وينشر، كونه صحافياً ويشرف على موقع إعلامي، فضلاً عن كونه إعلامياً له ظهور متعدد على بعض القنوات الفضائية. لكن ما جاء في مقالة السيد العايد يكاد يكون خاذلاً ومؤسفاً للقارىء الحصيف، نظراً لابتعاده عن جملة المعايير التي ينبغي أن يجسّدها الصحافي العايد في كتاباته قبل غيره. وحرصاً منا على الارتقاء بمناقشة ما جاء في مقالة السيد العايد، من دون الانحدار إلى ما يريد الصحافي المذكور الذهاب إليه، سنتوقف عند النقاط التالية:

أولاً – يذهب الكاتب عبد الناصر إلى حكم نهائي فحواه أن حقيقة ما يقال عن المجلس العسكري لا تعدو كونها وهماً يراد تضخيمه، ذلك أن عدد أعضاء هذا المجلس لا يتجاوز خمسة ضباط "وقد أنشأ واحدٌ منهم مجموعة واتساب باسم المجلس وضم عليها نحو 200 من الضباط والعسكريين المنشقين قبلوا الوجود في تلك الغرفة على أساس أنها إخبارية وبدافع الفضول وحسب، لكن يبدو أن القائمين على المجلس يعتبرون هؤلاء كلهم أعضاء في تنظيمهم".

ما يبدو واضحاً في كلام العايد هو أن طريقة ضم الضباط والعسكريين إلى المجلس كانت عن طريق الحيلة أو الخداع، إذ أوهمهم صاحب غرفة الواتساب بأنها إخبارية، ثم ضمهم إلى المجلس بعد ذلك! ولا ندري كيف يمكن أن يصل التفكير إلى هذه السذاجة حين يزعم السيد العايد أن جميع هؤلاء الضباط والعسكريين مُغرّرٌ بهم ومخدوعون وقد فاتت عليهم هذه العملية الالتفافية أو الخديعة. ألم يستطع هؤلاء الضباط الخروج من المجموعة بعدما تبينت لهم الخديعة؟ وهل غرفة الواتساب باتت قيداً أبدياً لا يستطيعون الخروج منه طيلة أكثر من سنتين؟ ألا ينطوي اتهام العايد بخديعة الواتساب على إهانة كبيرة ليس للمجلس العسكري فحسب، بل لجميع الضباط والعسكريين الذي خُدعوا على حدّ زعمه؟

ثانياً – يذهب العايد إلى أن أعضاء المجلس أكثروا الادعاء بأنهم يتواصلون مع دول كبرى وجهات مؤثرة، لكن لا صور ولا مخرجات ولا وثائق تدعم صحّة هذه الاتصالات! ويمكن الردّ بالقول: إن اللقاءات التي تحصل بين جهات سورية غير رسمية وبين الدول الأخرى يفوق عددها الحصر، وهل مطلوب من كل جهة سياسية تتواصل مع دولة أن تقدّم كشوفات لقائها؟ خاصة إنْ كانت تلك اللقاءات تجري في إطار التشاور وإنضاج المواقف، أم المطلوب من تلك الصور والوثائق التي يطالب بها العايد هو تدعيم الجانب الدعائي والاستعراضي فحسب؟

ثالثاً – يأخذ السيد العايد على المقدم أحمد القناطري في مقابلته مع "القدس العربي" أن الأخير صرّح بالتواصل مع ضباط في صفوف جيش النظام، لكنه لم يذكر أسماءهم! وهل كان من الحكمة أن يتم ذِكر أسماء هؤلاء الضباط؟ ألا يُعدّ التصريح بأسمائهم والتفريط بأمنهم ضرباً من الوشاية؟ وخاصة أن العايد يشير في فقرة لاحقة إلى صعوبة التواصل مع الضباط الذين ما زالوا في صفوف جيش النظام، لأن الحالة الأمنية لا تتيح لصحافي أو ناشط بالتحرك، فكيف بالضباط؟

رابعاً – يرى العايد أن مشروع المجلس العسكري يختزل القضية السورية بالجانب الأمني فقط، بينما المشكلة السورية أعمق من ذلك، إذ هي بحاجة إلى إصلاح سياسي، وقد فات السيد العايد أن مقولة الإصلاح السياسي، سقطت منذ أول طلقة وجهها بشار الأسد إلى صدور المتظاهرين، كما فات السيد العايد أن صراع الشعب السوري مع آل الأسد ليس من أجل مشاركته في السلطة بقدر ما هي مسعى نحو التحرر من وجود هذا النظام الدموي جملةً وتفصيلاً، وأن أول خطوة في هذا المسار التحرري هو إزاحة الطغمة الأسدية من السلطة وليس مشاركتها.

خامساً – من مآخذ العايد على مشروع المجلس العسكري، أنه لم يحظ بتأييد جميع السوريين في الداخل والخارج، وبدورنا نتوجه بالسؤال للسيد العايد: هل سمعت أو رأيت أن المجلس العسكري قام بطرح مشروعه بطريقة رسمية على جميع السوريين وجاء ردّ السوريين بالرفض؟ وأين وجدتَ ردود السوريين أو رفضهم، مكتوبةً أو مسموعة أو مقروءة؟ ألم يزعم السيد العايد أن قائد المشروع، السيد مناف طلاس، لم يعلن عن مشروعه رسمياً وعلنياً. فكيف حكم برفض المشروع من السوريين، وفي الوقت ذاته يؤكّد أنه لم يتم طرحه رسمياً من جانب القائمين عليه؟

على أية حال لا نريد لهذه الردود على مقالة السيد العايد أن تكون دفاعاً عن مشروع المجلس العسكري، ليقيننا بأن أي مشروع وطني إنما يستمد مشروعيته ومصداقيته من خلال مقاربته لتطلعات السوريين وثوابت ثورتهم، وليس بمجاراته لمواقف يستهويها منطق الشك قبل التفكير بدقة ومصداقية وموضوعية. كما لا نريد من هذه الردود أيضاً أن تكون استباقاً لآراء الآخرين ولا مصادرة لأفكار السوريين. لكن ما نؤكّد عليه بقوة هو أن مشروع المجلس العسكري، قائم ويتم العمل عليه منذ سنوات، وحين نقوم بطرحه أمام جميع القوى الوطنية السورية، فعندها نكون مُلزمين بسماع وتقبل جميع الآراء، مهما اختلفت وتنوعت، وكذلك نكون مُلزمين بالامتثال لما يراه السوريون، سواء تطابق مع مشروعنا أم اختلف عنه.

وفي ما يلي، رَدّ الكاتب عبد الناصر العايد على عليوي: 

أرسلت لي هيئة تحرير صحيفة "المدن"، مشكورة، رداً من المجلس العسكري السوري على مقالي الذي كتبته حول ذلك المجلس، والردّ مكتوب بقلم الصديق والزميل السابق العقيد طيار أديب عليوي، الذي عملت وإياه لسنوات في مطار تفتناز، وأكنّ له كل التقدير والاحترام. وأنا أسوق هذه المعلومة بداية للقول أن لا ضغينة عندي نحو المجلس وأعضائه، بل إن علاقة طيبة تربطني مع عدد منهم، ومع قائده "المفترض" اللواء مناف طلاس الذي جمعتني به لقاءات عديدة، آخِرها في منزلي بباريس، وتناول موضوع المجلس العسكري بالتفصيل، وقلت خلاله ملاحظاتي ومآخذي التي نشرتها في مقالي. وفي هذا الرد، سأتناول بعض المغالطات التي وقع فيها العقيد أديب، في معرض ردّه على مقالي.

ففي النقطة الأولى، يعتبر أنني أن أقول بأن الضباط في غرفة "الواتسآب"، تم ضمهم للمجلس بخدعة، والحقيقة أني قلت: "لكن يبدو أن القائمين على المجلس يعتبرون هؤلاء كلهم أعضاء في تنظيمهم، أو أنه يتم التعامل معهم ككتلة عسكرية تتبع للمجلس"، إذن أنا اتحدث هنا عن القائمين على ذلك المجلس، وليس عن خداع وقع فيه جمهور الضباط الذين، وفق معلوماتي المستقاة منهم، لم ينخدعوا بالمجلس، ويصفونه بما وصفته به، وهو أنه أمر موهوم، لا طائل فوقه أو تحته. وطالب بعضهم بانضمام العميد طلاس إلى مجموعة "الواتساب" ليطرح الموضوع عليهم، إن كان جدياً، وتذمروا من عدم قبوله بذلك، الأمر الذي وصفوه بالتعالي عليهم.

في النقطة الثانية، يقول العقيد أديب أن صور ولا معلومات تُنشر عن لقاءات المجلس، لأن ذلك يصب في "الجانب الاستعراضي". فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تُنشر المقالات والمقابلات؟ فلا أنا ولا سواي كان سيطالبكم ببرهان على ما ذكرتموه، لولا أنكم ادعيتم أشياء كهذه، ومن حقنا كجمهور سوري أن نطلب الدليل.

في النقطة الثالثة، يقول العقيد أديب أني طلبت أسماء الضباط الذين تواصلوا معهم من جهة النظام، وأنا لم أطلب هذا، والمقال موجود ويمكن الرجوع إليه. أنا طلبت في الواقع ذِكر أسماء وصِفات من قابلوهم من الجانب الأميركي، لأن أي سوري يمكنه أن يطلب لقاء من أي سفارة لعرض موضوع ما، وقد يرسل لتلقي المعلومة موظفاً من رتبة متدنية، يستمع ثم يذهب، وهذا يحدث كثيراً كنشاط مهني. لكن هذا لا يعتبر موقفاً أو تغيراً في سياسة الإدارة، ولا يبنى عليه، ما لم يكن من طرف جهات ومستويات محددة. ولهذا طلبت تحديد تلك المستويات، وهذا ليس طلباً تعجيزياً. وقد التقيت، كما التقى عشرات النشطاء السوريين، بالسفير الأميركي في سوريا سابقاً، جول رايبرون، وبناء على طلبه لا طلبي، ولم يحدث تغيير في الموقف، وتبين أن الأمر عبارة عن نشاط موظف دبلوماسي لا بد له من لقاء أشخاص من مختلف المواقف والخلفيات.

في النقطة الرابعة، يقول العقيد اديب أنني أطالب بالإصلاح السياسي، فيما قلت في المقال بأن ما تحتاجه سوريا هو "اصلاح النظام السياسي"، والفرق كبير. فنحن نريد الانتقال من نظام سياسي بوليسي أمني إلى نظام ديموقراطي يحترم الحريات ويتم فيه تداول السلطة.

في النقطة الخامسة، يقول العقيد أديب أني اخذت على المجلس أنه لم يحظ بتأييد السوريين، والحقيقة أن قلت إنه لا يبدو أن هناك قبولاً للمشروع، بدليل أن القوى المسيطرة لم تبدِ اهتماماً يذكر به، وقلت بالحرف، "ولا هي قدمت أي إشارة أو ملمح يفيد برغبتها فيه".

لقد قمت بالردّ على هذا الردّ من منطلق الاحترام للسادة الضباط ولمشروعهم وفكرتهم. ومقالي السابق، ورَدّي هذا، لا يضمر تسخيفاً أو مواقف مسبقة منهم أو من مشروعهم، وقد قصرته على النقاط التي أثارها العقيد أديب، ولم أشأ الخوض في النقاط الأكثر أهمية التي تجاهلها، ومنها: مَن هم هؤلاء "المجلس"؟ وما هيكليته وبرنامجه؟ ولأي سبب، في رأيهم، سيتنازل بشار الأسد عن السلطة ويسلمها لهم؟ فالأصحّ، حين يتهمك أحدهم بأنك تروّج لوَهم، أن تبادر إلى عرض الوقائع الصلبة التي تفيد بأنك تتحدث بواقعية، عن شيء ملموس. والردّ السابق من العقيد أديب (بإسم المجلس ككُلّ؟) محض إنشاء، لم يضف أي جديد إلى موضوع النقاش، سوى إضافة مقال آخر حول المجلس، للقول ربما أن الحديث عنه "يتصاعد" في وسائل الإعلام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها