الإثنين 2022/10/03

آخر تحديث: 07:29 (بيروت)

إتفاقٌ خالٍ من الانتصارات الإلهية

الإثنين 2022/10/03
increase حجم الخط decrease

كل ما يتسرّب عن النسخة الأخيرة لنص الاتفاق اللبناني-الإسرائيلي بشأن الحدود البحرية، يُؤشر الى رضى الجانب الإسرائيلي عمّا ورد فيه، ليس على المستوى المالي، إذ سيحصل على حصة في حقل قانا، بل أيضاً أمنياً مع تثبيت خط "بويز" الذي كان حتى وقت قريب، أحادياً من الجانب الإسرائيلي فحسب. ترسيخ هذا الخط مريح أمنياً لإسرائيل، كونه يحول دون انكشاف الساحل أمام الجانب اللبناني من الحدود.

بيد أن القانون الدولي يميل لمصلحة الخط 29، كما أفادت دراسة مكتب UKHO التي ترتكز على صخرة تخليت وحكم لمحكمة العدل الدولية العام الماضي في النزاع بين كينيا والصومال. لكن من المستحيل قبول إسرائيل بهذا الخط في أي عملية تفاوضية كونها تبتلع حقل قانا كاملاً وقسماً من "كاريش" كذلك، علاوة على تبعات أمنية لمصلحة أي قوة بحرية على الجانب اللبناني (رغم كونها غير متوافرة في المستقبل المنظور).

كان الجانب اللبناني يعترض على أي شراكة مع إسرائيل، بوصفها تطبيعاً. لهذا فإن ما انتهت اليه المفاوضات من شراكة لبنانية-إسرائيلية في حقل قانا عبر وسيط هو الشركات العاملة فيه، ليس انتصاراً إلهياً أو توقيعاً تحت التهديد، بل هذا كلام انتخابي صرف على لسان رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو. نتنياهو يعلم بأهمية هذا الاتفاق لأمن إسرائيل وكذلك لعائدات الغاز الإضافية من "كاريش" و"قانا"، وبالرعاية الأميركية والأوروبية له، لكن من الضروري له التصويب على رئيس الوزراء السابق يائير لبيد وحلفائه في الائتلاف الحكومي قبل أسابيع قليلة من الانتخابات. حتى ما ورد في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن احتمال تحدي نتنياهو الاتفاق قانونياً، ليس سوى عراضة انتخابية، إذ من الصعب عليه نسف الجهود الأميركية في هذا المجال، سيما أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستعتبرها انجازاً في السياسة الخارجية وتُحاول تجييرها لمصلحتها انتخابياً وفي إرثه السياسي الضعيف نسبياً.

في نهاية المطاف، لا انتصارات كبرى في هذا الاتفاق لأي طرف على الآخر، إذ لم يُعترف للبنان بحقه في الخط 29، ولم يؤخذ في الاعتبار الرفض اللبناني لأي شراكة مالية في الحقل عينه، إذ كان طلب بيروت يرتكز على الالتزام بالخط 23 وعدم تعديل المرسوم، مقابل "قانا" بالكامل (رغم أن هناك صعوبة في إيجاد شركة جاهزة للتنقيب في منطقة متنازع عليها). ربما كانت إسرائيل تأمل بالاستحواذ الكامل على قانا وترك الفتات للجانب اللبناني. إلا أن أي مفاوضات لن تنتهي سوى بحل وسط.

هل كان لـ"حزب الله" وتهديداته دور في انجاز الاتفاق؟ في التبرير الإسرائيلي للاتفاق على لسان لبيد وردت عبارة "ليس لدينا مانع من تطوير حقل غاز لبناني يضعف التبعية لإيران ويكبح حزب الله ويعيد الاستقرار". ذاك أن أي اتفاق يعني حكماً التخفيف من حدة التوترات وإيجاد مساحة عمل مشتركة، وبالتالي فإن وجود "حزب الله" يدفع بهذا الاتجاه، حتى لو كانت التهديدات من دون جدوى، أو لديها آثار معاكسة.

الأهم من جدوى تهديدات التنظيم، هو دوره في السماح سياسياً بإنجاز الاتفاق، رغم نتائجه التي ستظهر تباعاً، بدءاً بمراسيم التوقيع، وانتهاء بالتأسيس لمصلحة مشتركة في حقل قانا من خلال الوسيط الفرنسي-الايطالي (توتال وإيني).

النتيجة النهائية هي شراكة بغض النظر عن بنودها، وفائدة لطرفي الاتفاق في حقل واحد، ما يعني اهتماماً متبادلاً في الاستقرار جنوباً لأسباب اقتصادية. وهذا تحول مهم على مستوى الصراع، وقد يُؤسس لمرحلة جديدة من إيجاد الحلول عبر التفاوض بدلاً من المواجهات والتوترات العسكرية والأمنية على جانبي الحدود. 

صحيح أن الخطوة التالية، وهي التفاوض على الحدود البرية، وصولاً إلى انسحاب إسرائيلي من مزارع شبعا، وانهاء كامل للنزاع الحدودي، مؤجلة. إلا أن التنظيم فتح عن قصد وتخطيط، باباً أوسع من مجرد انهاء نزاع على الحدود البحرية، افساحاً في المجال امام الاستفادة من ثروة الغاز.

وهذا يستدعي بعض التأمل في توجهات الحزب بالمرحلة المقبلة، سيما أن دوره لم يعد منوطاً بالحدود، بل بات يلعب أدواراً اقليمياً، ربما تستدعي هدوءاً مديداً للتفرغ لما هو أهم.




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها